الهجمات تعتبر تحذيراً صارخاً بأن المهارات والعقليات العسكرية التي يكتسبها الجهاديون في أماكن بعيدة يمكن جلبهما بسهولة إلي أوطانهم
حكومة الإخوان المسلمين في مصر لم تشعر بعد بلدغة عنف الجهاديين
تعيد حكومات الشرق الأوسط المبتدئة اكتشاف الحقيقة التي تعلمتها الحكومات السابقة منذ جيل مضي بشأن طبيعة الإسلاميين العنيفة وهي أنك لا تستطيع حل مشكلة الجهاديين عن طريق تصديرهم.
منذ عامين تقريباً، تشجع ليبيا وتونس ومصر وإلي حد ما الجزائر ضمنا هجرة الإسلاميين المتشددين الي سوريا للقتال ضد نظام بشار الأسد، والآن وبعد سلسلة من الهجمات البارزة في شمال أفريقيا، يبدو أن هذه الحكومات تحاول بشكل سريع تغيير هذا النهج وإغلاق الطريق أمام الشباب المتوجهين إلي أرض الشام.
منذ أكثر من عام قال عاشور بن خيال في مقابلة مع «فاينانشيال تايمز»، وكان آنذاك وزيرا لخارجية ليبيا: إن الناس يريدون الذهاب والقتال مع السوريين، ولن يوقفهم أحد.
ولكن الشهر الماضي غيرت ليبيا فجأة مسارها حيث منعت مجموعة من المفترض أنهم من المقاتلين من الصعود إلي الطائرة في بنغازي كانت متوجه إلي اسطنبول.
وفي تونس، ألقت الشرطة القبض علي خمسة من المواطنين اشتبهت بأنهم من الجهاديين، أثناء ركوبهم طائرة للسفر إلي اسطنبول في طريقهم للانضمام إلي الثوار المناهضين للأسد في شمال سوريا، كما صعدت تونس من إجراءاتها الصارمة، إذ صرح لطفي بن جدو، وزير الداخلية، لوسائل إعلام محلية أن مئات السلفيين تم القبض عليهم في أبريل الماضي، وذلك في إطار تحقيق مع شبكة لتجنيد وتدريب المقاتلين الشباب، وشن المفتي الأكبر في البلاد، عثمان بطيخ، حملة لوقف استخدام المساجد لتجنيد الشباب للحرب في سوريا، مصرحاً بأن الصراع لا يستحق أن يعتبر نوعاً من الجهاد.
لاتزال الثورة ضد نظام دمشق قضية تتمتع بشعبية هائلة في جميع أنحاء العالم العربي، من خلال التغاضي عما يجري في الوقت الذي يذهب فيه الرجال في رحلات جوية إلي تركيا والأردن لدخول المسرح السوري، تستطيع الحكومات أن تدعي أنها تساند القضية دون أن تتخذ موقفاً رسمياً.
ومن المفهوم ضمناً أن الشباب الشجعان الذي يحملون السلاح في حلب، أو دير الزور لا يحملون السلاح في بنغازي أو تونس، إلا أن الحسابات تغيرت بشكل كبير في أوائل هذا العام، عندما هاجم مسلحون إسلاميون منشأة غاز تشغلها شركات غربية علي الحدود الجزائرية – الليبية، تاركين وراءهم عشرات القتلي، وفي حادث منفصل اغتالوا سياسياً بارزاً من زعماء المعارضة في تونس.
وعلي الرغم من عدم وجود دليل يربط بين سوريا وهذه الهجمات، إلا أن الهجمات تعتبر تحذيراً صارخاً بأن المهارات والعقليات العسكرية التي يكتسبها الجهاديون في أماكن بعيدة يمكن جلبها بسهولة إلي أوطانهم.
هذا هو الدرس الذي تعلمه الحكام أمثال معمر القذافي وحسني مبارك وملوك شبه الجزيرة العربية بعد أن سمحوا للمتشددين الإسلاميين بالهجرة إلي أفغانستان لمحاربة السوفييت في ثمانينات القرن العشرين، وكانت النتيجة ظهور جيل من المقاتلين المتشددين الذين عادوا وكلهم إصرار علي الإطاحة بالحكومات العربية.
وفضلاً عن إدراك إمكانية عودة هؤلاء بعد إنتهاء الصراع في سوريا إلي بلادهم، فقد بدأوا ينظرون إلي الجهاد في سوريا علي أنه جزء من الحرب في بلادهم، ويصف الخطباء في خطبهم النارية عبر العالم العربي، الصراع السوري علي أنه معركة طائفية كبري تدور بين النظام العلوي، أو الشيعي لبشار الأسد وأهل السنة الذين يشكلون غالبية العرب.
مازال موقف مصر أكثر ليونة من جيرانها، فبخلاف تونس، لم تستطع السلطات في القاهرة حتي الآن كبح جماح الخطباء الناريين من الإدعاء بأن الشباب المتجهين لسوريا سيقاتلون باسم الدين وسيعتبرون شهداء في حال موتهم.
وعلي الرغم من عرض التليفزيون الحكومي المصري مؤخرا أسماء وصور عشرة من المصريين الذين يقاتلون بشار الأسد، فإن السلطات لم تنظر بعد في إمكانية منع المجندين من الإتجاه لسوريا، وقد يعود ذلك إلي أن حكومة الإخوان المسلمين في مصر، بخلاف تونس وليبيا، لم تشعر بعد بلدغة عنف الجهاديين.
بقلم : بورزو دراغي
المصدر: فاينانشيال تايمز








