لطالما شكلت البتروكيماويات إحدى أبرز ركائز النهضة الاقتصادية منذ انطلاق الثورة الصناعية. وحظيت بأهمية كبيرة باعتبارها “صناعة العصر” التي ترسم ملامح المستقبل لكونها قائمة على النفط الذي يسيطر على الاقتصاد العالمي. وبرزت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدى العقود القليلة الماضية كلاعب رئيسي ضمن قطاع البتروكيمياويات عالمياً باعتبارها رافداً رئيسياً للنفط والغاز الطبيعي، لا سيّما في ظل تبنّي أحدث التقنيات المتطورة التي أسهمت إلى حدّ كبير في زيادة الطاقة الإنتاجية وتعزيز حجم الصادرات محققةً بذلك نقلة نوعية على مستوى الاقتصاد الاقليمي.
وبالتأكيد لم تكن مصر بمنأى عن الثورة النفطية الاقليمية والدولية، حيث تمكنت من وضع أسس متينة لبناء صناعات بتروكيماوية قوية مستفيدةً بذلك من الموقع الاستراتيجي بين أسواق أوروبا الغربية وآسيا وأفريقيا، التى تمثل الأسواق الرئيسية للمنتجات البتروكيماوية المحلية، والبنية التحتية المتكاملة والدعم الحكومى المتواصل والسوق المحلية المتنامية والخبرات الفنية العالية والإمكانات البشرية المؤهلة في كافة المجالات ذات الصلة سواء التكرير أو الإنتاج أو التصنيع ضمن كافة الصناعات النفطية والبتروكيماوية مثل الأسمدة والبلاستيك وزيوت التشحيم والمنظفات والمنتجات الكيماوية وغيرها. ولعلّ المواد الخام، وخاصة الغاز الطبيعي، تمثل العامل الأبرز الذي ساهم في تطور صناعة البتروكيماويات بوتيرة متسارعة فى مصر التي تحتل المرتبة التاسعة ضمن قطاع البتروكيماويات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، الذي يتوقع أن يحقق نمواُ سنوياً بمعدل 5 إلى 7% خلال السنوات القليلة القادمة.
وعلى الرغم من التحديات المرتبطة بارتفاع معدلات البطالة والتضخم والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن التطورات السياسية الأخيرة، حافظت مصر على مكانتها كلاعب رئيسي على مستوى العالم في مجال الصناعات البتروكيماوية التي تعتبر من أكثر القطاعات الحيوية الجاذبة للكفاءات البشرية في سوق العمل المصري في ظل ارتفاع مستويات الرواتب بنسبة 35 بالمائة مقارنة بالقطاعات الأخرى. وتماشياً مع السعي الحثيث إلى تعزيز مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، تواصل الحكومة المصرية جهودها الحثيثة لتطبيق “الخطة القومية للبتروكيماويات” التي تهدف إلى إنشاء 14 مجمعاً للبتروكيماويات و24 مشروعاً ضخماً و50 وحدة إنتاجية باستثمارات إجمالية تقدّر بحوالى 20 مليار دولار أمريكي، وذلك لإنتاج 15 مليون طن سنوياً من المنتجات البتروكيماوية الوسيطة والنهائية. ومن المتوقع أن تحقق دخل سنوى يقدر بحوالي 15 مليار دولار عبر ناتج التصدير وإحلال الواردات، هذا بالإضافة إلى توفير 100 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
وتفيد التقديرات بنمو فرص التوظيف وفتح آفاق استثمارية واعدة ضمن قطاع البتروكيماويات بالتزامن مع اقتراب موعد الانتهاء من مشروعات المرحلة الأولى من الخطة القومية للبتروكيماويات بتكلفة إستثمارية تبلغ حوالى 5 مليار دولار لانتاج حوالى 4 مليون طن سنوياً من المنتجات البتروكيماوية لتلبية احتياجات السوق المحلية، وذلك خلال العام المقبل على أقصى تقدير. وما يعزز التوقعات الإيجابية بدء تنفيذ مشروعات المرحلة الثانية، التى تشتمل على الترويج لـ “مشروع تجمعات الصناعات التكميلية الصغيرة والمتوسطة”، وذلك اعتماداً على المنتجات الناجمة عن مشروعات المرحلة الأولى.
وباعتباره من أفضل الصناعات التى تحقق أعلى قيمة مضافة وركيزة أساسية فى وضع أسس متينة للتقدم الاقتصادى عبر الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية من البترول والغاز الطبيعي، استقطب قطاع البتروكيماويات في مصر اهتمام المصارف ومؤسسات التمويل التي باتت راغبة أكثر من أي وقت مضى في توفير التمويل اللازم لدفع عجلة تطوير الصناعات البتروكيماوية المحلية. وبالفعل قامت مجموعة من البنوك الوطنية، وهي البنك الأهلى المصرى وبنك مصر والبنك التجارى الدولى وبنك القاهرة والمصرف العربى الدولى، خلال العام الجاري بمنح قرض رئيسي لـ “الشركة المصرية للايثلين ومشتقاته- إيثيديكو”، هو الأكبر الممنوح من قبل البنوك الوطنية لأحد المشروعات القومية الكبرى. ويهدف القرص إلى تمويل إنشاء مشروع لإنتاج الايثيلين ومشتقاته على مرحلتين، تم منح 1 مليار دولار خلال المرحلة أولى على أن يتم ترتيب مبلغ 250 مليون دولار للمرحلة الثانية.
وفي ظل هذه المؤشرات الإيجابية، تنظر كبرى الشركات الاقليمية والدولية، مثل “دريك آند سكل إنترناشيونال”، الشركة الرائدة إقليمياً في مجال أنظمة التصميم والهندسة والبناء المتكاملة الخاصة بالأعمال الميكانيكية والكهربائية والصحية والمقاولات المدنية والمياه والطاقة، بتفاؤل حيال قطاع البتروكيماويات المصري الذي يشهد طفرة حقيقية تدفع الطلب على التكنولوجيات المتقدمة والخبرات المتراكمة، ما يوفر فرص هائلة لإطلاق المزيد من المشاريع الضخمة التي من شأنها تعزيز القدرات التنافسية للاقتصاد المصري.
وتؤكد “دريك آند سكل إنترناشيونال” بأنّ قطاع البتروكيماويات يمثل بوابة عبور رئيسية لتعزيز تواجدها ضمن السوق المصرية خلال الفترة المقبلة، لا سيّما في ظل الجهود المتواصلة من قبل الحكومة المصرية لتوفير الحوافز والضمانات والتسهيلات لتذليل العقبات أمام الاستثمارات البتروكيماوية لمواصلة مسيرة التنمية الشاملة. وترى الشركة بأنّ التعاون المشترك بين الحكومة والمستثمرين المحليين والاقليميين والدوليين لضمان التمويل اللازم لإطلاق مشروعات ضخمة ضمن قطاع البتروكيماويات سينعكس بصورة إيجابية على مجتمع الأعمال المحلي، وبالأخص على مستوى تعزيز ثقة المستثمرين المتزايدة فى الاقتصاد المصري.
وبعد النجاحات المتتالية فى اكتشافات الغاز الطبيعى وزيادة الاحتياطيات النفطية التي شكلت داعماً رئيسياً لمسيرة التنمية الاقتصادية المحلية، طرقت مصر باب البتروكيماويات لتعزز مكانتها الطليعية بين أبرز الدول المصنعة للمنتجات البتروكيماوية الأساسية والوسيطة والنهائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر سلسلة من المشروعات الضخمة التي لا تزال تحمل آفاق واعدة لتحقيق المزيد من النمو في المستقبل.