لا أري أن كامب ديفيد أحدثت أي تغيير جوهري حيال بنود النزاع في الشرق الأوسط
يعود جون كيري ، وزير الخارجية الأمريكي، إلي الشرق الأوسط نهاية هذا الأسبوع، حيث سيواجه الحرب الأهلية في سوريا التي طال أمدها وكذلك عملية السلام العربي الإسرائيلي التي يبدو مرة أخري أنها فشلت، وبينما يحاول وزير الخارجية الأمريكي الاستفادة من القوة الأمريكية لبث حياة جديدة في المحادثات بين إسرائيل والفلسطينين، قد تكون هناك فرصة للنظر في واحدة من لحظات التاريخ الحديث عندما تمكن رئيس أمريكيا من التدخل في سياسة الشرق الأوسط وكان لهذا التدخل تأثير قوي ولكنها فشلت في ايجاد حل دائم للمشاكل التي تعاني منها المنطقة.
ففي مارس 1979، ذهب الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي «مناحم بيجن» إلي البيت الأبيض للتوقيع علي اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل التي أنهت ثلاثين عاماً من العداء وفتحت الطريق أمام الوعي الدبلوماسي المتبادل، وقد وصفت اتفاقية كامب ديفيد بأنها واحدة من الانجازات الدبلوماسية العظيمة للتاريخ الأمريكي الحديث، قد تكون كذلك ولكنها ليست أكثر الاحداث أهمية في تلك السنة المحورية.
فقد تحدثت في كتابي الذي أصدرته حول عام 1979 عن أكبر خمس أحداث أوقعوا اضطراباً في السياسة تلك السنه وهم انتخاب مارجريت تاتشر كرئيسة وزراء بريطانيا والثورة الايرانية وعودة البابا يوحنا بولس الثاني إلي مسقط رأسه بولندا والغزو السوفيتي لأفغانستان وبداية الإصلاح الاقتصادي في الصين ولكنني لم أذكر اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وذلك لان القصص الخمس عن أفغانستان وبريطانيا والصين وايران وبولندا لم تغير فقط العالم بل أحدثت تغييراً جوهرياً في السياسات والاقتصادات العالمية.
بالاضافة إلي ذلك فقد أشارت تلك الاحداث الخمس إلي وصول قوتي ايديولوجية السوق الحرة وتسييس الدين كقوي مؤثرة علي الساحة العالمية، كما يعد عام 1979 بمثابة نقطة تحول في مبادئ التاريخ، فقبل هذا العام نجد ان المصطلحات مثل «الاسلام السياسي» و«الخصخصة» و«الجهاد» و«التحرر» كان بالكاد يتم استخدامها في السياق العالمي، ولكن بعد عام 1979 بات من المستحيل تقريباً أن نتخيل العالم دون هذه المصطلحات التي مازالت تحدد ملامح العالم الذي نعيشه اليوم.
ولكن هل غيرت حقا اتفاقية «كامب ديفيد» قواعد اللعبة؟ هل أعادت صياغة المعاني التي نصف بها الشئون الخارجية للعالم؟
فصحيح أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل كانت بمثابة حجر الأساس للمفاوضات اللاحقة بين إسرائيل وجيرانها، وبالتأكيد استفادت إسرائيل نفسها بشكل كبير من المعاهدة، فمع اختفاء التهديد الذي تشكله قوات الجيش المصري من المشهد، استطاعت إسرائيل تحويل مواردها الضخمة من الدفاع إلي الاقتصاد الوطني، كما أن عدم وجود ما يدعو للقلق بشأن المصريين سهل الامور علي الإسرائيليين لتقسيم وحكم باقي أعدائها العرب، وقد كان من المستبعد ايضا ان تتمكن إسرائيل من غزو لبنان عام 1982 اذا كان الجيش المصري مازال واقفا عند الجهة الجنوبية.
ولكنني ببساطة لا أري أن كامب ديفيد أحدثت أي تغيير جوهري حيال بنود النزاع في الشرق الأوسط، فقد تراجعت التوترات بين العرب والإسرائليين ولكنها لم تختف، فبعد أربعة وثلاثين عاما مازال غالبية المصريين لا يوافقون علي اتفاقية السلام كما توضح استطلاعات الرأي في العالم الاسلامي وليس العربي فقط أن الاستياء من الإسرائليين سيبقي دائماً وعميقاً.
وعلاوة علي ذلك يري الإسرائيليون أنه لن يكون هناك سلام حقيقي حتي يتجاوز العالم الإسلامي إرث التعصب الديني ومعاداة السامية.
صحيح أن إتفاقية «كامب ديفيد» كانت مهمة ولكنها متناقضة، حيث حققت الاتفاقية السلام بين إسرائيل واقوي أعدائها الا أنها تركت قضايا الخلاف الأكثر جوهرية في الشرق الأوسط دون معالجة، كما أنها لم تحدث تغييرا جذريا في الطريقة التي نري بها إسرائيل أو مصر أو الشرق الأوسط، ومن منظور وقتنا الحالي فإن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل تبدو وكأنها ليست أكثر من محطة مهمة في رحلة لم تنته بعد.
بقلم: كريستيان كاريل
المصدر: فورين بوليسي