في أنحاء القاهرة بدأت قطاعات من الجهاز البيروقراطي الهائل التابع للدولة تعمل من جديد بعدما أطاح الجيش بالرئيس محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها في الاسبوع الماضي.
وتقول جماعة الإخوان المسلمين إن هذا دليل على مؤامرة دبرتها “الدولة العميقة” لحرمان الإسلاميين من أي فرصة حقيقية للحكم أو إصلاح الأجهزة التي شكلها الرئيس المخلوع الأسبق حسني مبارك.
وبدأت وزارة الخارجية التي همشت خلال حكم مرسي تستعيد المسؤولية عن الدبلوماسية. وعادت الصحف والقنوات التلفزيونية الحكومية مجددا لتتبنى نفس نهج الحكومة بعد شهور من المعارضة المتقطعة.
وفي حين أن الشرطة التي كانت مرهوبة الجانب في عهد مبارك قد اختفت من شوارع وسط القاهرة بعد انتفاضة 2011 يبدو أن الموجة الحالية من الاحتجاجات قد جرأت البعض منهم على العودة.
ولا يعني هذا أن الشبكة الضخمة من الوزارات والمصالح الحكومية التي تدعم الدولة المصرية تعمل بدرجة تقترب حتى من الكفاءة أو أن مشكلات البلاد الاقتصادية والسياسية الحادة قريبة من الحل.
لكن بالنسبة لأعضاء جماعة الاخوان المسلمين الغاضبين مما يصفونه بانقلاب ضد أول رئيس منتخب بشكل حر في البلاد هذا يؤكد ما يقولونه منذ شهور وهو أن الجهاز الإداري المليء بمسؤولين من عهد مبارك عرقل كل محاولات الجماعة للحكم.
وقال جهاد الحداد المتحدث باسم الجماعة إن زيادة انتشار قوات الشرطة في بعض المناطق والانتهاء المفاجئ لأزمة وقود بعد بضعة أيام من الإطاحة بمرسي يظهر أن الجهاز الاداري لم يرغب في العمل في ظل القيادة الجديدة.
واضاف انه يمكنهم العمل الآن بعدما أطاح الجيش بهذه القيادة.
ويقول أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين أيضا إن قطاعات من الجهاز الإداري كانت تحشد الناس ضدهم بقوة مع تزايد الاحتجاجات ضد مرسي ونفوا اتهامات معارضيهم للجماعة “بأخونة” المؤسسات الرسمية.
وقال باسم عودة وزير التموين في حكومة مرسي والعضو بالجماعة لرويترز في خيمة اعتصام قرب جامعة القاهرة إن مرسي واجه حملة إعلامية شرسة كان من بين شعاراتها “لا لأخونة الدولة”. وأضاف أن الشعب يدرك الآن أن هذه كانت أكذوبة من أولها لآخرها.
وتذكر عودة أيامه الأخيرة في الوزارة وألقى باللوم على نقص الوقود في أنحاء البلاد قبل ايام من الاحتجاجات المناهضة لمرسي على مزيج من الاقبال على الشراء بدافع الخوف من انقطاع الامدادات وما وصفها بمؤامرة دبرتها أجهزة الأمن وأطراف أخرى تعارض حكم الإخوان والتي وصفها “بالدولة العميقة”.
وخلال العام الذي حكم فيه مرسي البلاد تكررت في التصريحات العلنية للاخوان المسلمين فكرة أن “الدولة العميقة” عازمة على تقويض حكمهم.
وتحدث مرسي نفسه عن هذا المفهوم في كلمة وجهها للأمة عشية الاحتجاجات التي أدت للاطاحة به.
وقال مرسي إنه تولى مسؤولية بلد غارق في الفساد وواجه حربا لإفشاله وذكر بالاسم بعض الأشخاص من بينهم ملاك وسائل إعلام خاصة و”بلطجية” قال إنهم مشاركون في حملة ضده.
ويقول منتقدون للإخوان إن رؤيتهم القائمة على وجود مؤامرة ضدهم وهي الرؤية التي غذتها عقود من القمع في ظل حكم مبارك واسلافه المدعومين من الجيش ساهمت بشكل مباشر في سقوط الاخوان بإثنائهم عن تقديم تنازلات وتشكيل تحالفات كان بوسعها أن تنقذهم.
وقال سيف أحمد (29 عاما) الموظف بالحكومة إن الاخوان يتحملون وحدهم اللوم على سقوطهم.
وقال خلال احتجاج مناهض للاخوان بعد الاطاحة بمرسي “لا يعرفون شيئا عن مصر وليست لديهم فكرة عن كيفية إدارة الدولة. ليسوا إلا مجموعة من الطامعين في السلطة الذين يريدون خطف مؤسسات الدولة كما خطفوا الثورة.”
وكثيرا ما بدت خيبة الأمل على الإسلاميين بسبب عجزهم عن توجيه المؤسسات العامة التي يعمل بها أكثر من ستة ملايين موظف وحاولوا في بعض الاحيان الالتفاف عليهم.
وعندما رأوا أن وزارة الخارجية تقاوم مبادراتهم نقلوا الشؤون الدبلوماسية إلى الرئاسة. وعندما قاوم اصحاب المخابز إصلاح نظام دعم الخبز سعوا لتوزيع الخبز من خلال مؤسسات خيرية. واستعانوا بأمن خاص عندما تقاعست الشرطة عن حماية مقراتهم.
وأصبح هذا الخلل الوظيفي ملحا بشكل خاص مع الاقتصاد حيث انخفضت احتياطيات النقد الاجنبي لمستويات حرجة مما هدد قدرة الدولة على استيراد الوقود والغذاء لسكانها البالغ عددهم 84 مليون نسمة.
وحصلت مصر على متنفس على هذا الصعيد بعدما عرضت السعودية والامارات والكويت مساعدات بقيمة 12 مليار دولار بعد الاطاحة بمرسي وهو ما يعتبره الاخوان دليلا آخر على الحملة ضدهم.
ويرتاب كثير من المصريين بشدة في الإخوان بعد عقود من الدعاية الحكومية ضد الجماعة غير أن مشكلاتها في العمل مع المؤسسات الحكومية ليست فريدة من نوعها.
وقال إبراهيم الهضيبي الباحث السياسي المستقل والعضو السابق بالجماعة إن جمال نجل مبارك (الذي كان كثير من المصريين يرون أنه يتم إعداده لخلافة والده) واجه معارضة مماثلة عندما حاول تعيين رجال أعمال كوزراء في السنوات الأخيرة من حكم والده.
وقال الهضيبي إن هذه البيروقراطية لا تقبل إلا اشخاصا من داخلها فقط. وأضاف أن الإخوان المسلمين حانت لهم فرصة ذهبية لتغيير هذا لكنهم لم يفعلوا.
وولدت تجربة الاخوان القصيرة في السلطة خيبة أمل إزاء ما تراه جهازا إداريا عصيا على الاصلاح.
ووصف الحداد الموظفين الحكوميين بأنهم في الغالب يفتقرون للكفاءة والاحترافية ومحدودي التعليم والتدريب وقال إن أي شخص يبتغي الإصلاح يجب ان يأخذ الأمر بالشدة.
وقال إنه يجب تنفيذ الاصلاحات واحدا تلو الآخر بكل سرعة وقوة.
وأضاف أنه إذا لم يحدث هذا فإن الدولة التي يفترض الاعتماد عليها لتقديم الخدمات للناس ستفعل العكس تماما
رويترز