تعدّ البنوك العشرة الأولى في مجلس التعاون الخليجي بقيادة بنك قطر الوطني من بين الأسرع نمواً في العالم. ومن المرجح أن تظل هذه البنوك محصنة جيداً من الاضطرابات التي تسود الأسواق الناشئة حالياً بفضل استناد زخم النمو لديها على عوامل اقتصادية قوية بالمنطقة: عائدات ضخمة من صادرات النفط والغاز، صافي مراكز إيجابية للأصول الأجنبية، دعم قوي للنظام المصرفي من قبل الدولة، وإنفاق حكومي ضخم على البنى التحتية.
يستمر نمو الأصول لدى بنوك مجلس التعاون في قوته بالرغم من الأزمة الحالية في الأسواق الناشئة. وإجمالاً، ارتفعت موجودات البنوك العشرة الأولى في مجلس التعاون بنسبة 16% خلال فترة الأثنى عشر شهراً الماضية المنتهية في شهر يونيو 2013 (الجدول 1) لتبلغ 743 مليار دولار أمريكي. وكانت القوة الدافعة وراء هذا النمو هي ارتفاع أسعار النفط وتزايد النشاط الاقتصادي غير المرتبط بالنفط. وفي نفس الوقت، ساعد الإنفاق الحكومي الهائل على المشاريع الكبرى على نطاق المنطقة، خاصة في السعودية ودولة قطر، على خلق فرص هامة للنشاط المصرفي.
تواجه الأسواق الناشئة خارج منطقة مجلس التعاون الخليجي حالياً فترة أزمة اقتصادية. وقد أدت توقعات التقليص في برنامج “التخفيف الكمي” في الولايات المتحدة إلى الضغط على السيولة العالمية. وقد أخذت الأموال الميسرة التي كانت تتدفق على الأسواق الناشئة في الماضي على عكس وجهتها حالياً، وهو ما أدّى إلى تآكل حاد في أسعار الصرف، وارتفاع في أسعار الفائدة، وتصحيحات في أسواق الأسهم. وقد ترتب على ذلك تأثير سلبي على مجمل جوانب القطاعات المصرفية في الأسواق الناشئة.
إلا أن بنوك مجلس التعاون الخليجي تمكنت إلى حد كبير من الإفلات من أزمة السيولة العالمية هذه بسبب أن المنطقة لا تعتمد إلا بدرجة محدودة على رؤوس الأموال الأجنبية في تمويل أنشطتها الاقتصادية. إن العائدات الضخمة للنفط والغاز وفوائض الأصول الأجنبية التي تراكمت عبر الوقت تشكلان مصادر وفيرة لاستمرار الإنفاق الحكومي على البنى التحتية وعلى تواصل الدعم الرسمي للنظام المصرفي، وهذا هو ما يقود إلى تحسين بيئة العمل وتعزيز آفاق المستقبل للقطاع المصرفي وتحصين المنطقة من الأزمة التي تعرض لها الأسواق الناشئة. ووفقاً لتقارير مجموعة QNB، فإنه من المتوقع لبنوك مجلس التعاون الخليجي أن تستمر في أدائها القوي خلال عام 2013 وما بعدها. وعلاوة على ذلك، فإن البنوك الكبرى بمجلس التعاون تستوفي متطلبات رأس المال (يبلغ متوسط معدل الشريحة الأولى لرأس المال بين البنوك العشرة الأولى 16%)، كما أنها تتمتع بجودة الأصول ( متوسط معدل القروض غير المربحة إلى إجمالي القروض عند 1,9% باستثناء بنك دبي الوطني الذي يبلغ المعدل لديه 14%)، بالإضافة إلى ضخامة نمو الأرباح لدى هذه البنوك (بلغ متوسط نمو الأرباح 16% للسنة حتى يونيو 2013). وبحسب تحليلات مجموعة QNB، فإن ذلك يضيف مزيداً من الأسباب التي تدعم حصانة بنوك الصدارة في مجلس التعاون من اضطرابات الأسواق الناشئة التي تسود حالياً في أسواق المال العالمية.
مجموعة بنك قطر الوطني، أكبر بنوك مجلس التعاون الخليجي من حيث الموجودات، هو البنك القطري الوحيد المدرج ضمن البنوك العشرة الأولى في منطقة مجلس التعاون الخليجي، كما أنه هو البنك الأسرع نمواً حيث ارتفع نمو موجوداته بنسبة 30% خلال فترة الأثنى عشر شهراً المنتهية في يونيو 2013. وكانت القوة الدافعة وراء هذا النمو في الموجودات هي عملية الاستحواذ الاستراتيجي للبنك الأهلي المصري بالإضافة إلى التوسع الكبير في عملياته الخارجية. بنهاية عام 2012، كانت نسبة 79% من موجودات بنك قطر الوطني داخل دولة قطر. وعليه، فإن النمو القوي للاقتصاد القطري (يتوقع له أن يبلغ 6,5% في عام 2013) قد قاد أيضاً لتحفيز النمو في أصول بنك قطر الوطني. ومن المتوقع أن يتسارع نمو الاقتصاد القطري مع توالي تنفيذ الحكومة لمشروعات البنى التحتية الضخمة استيفاءً لمتطلبات إقامة مباريات كأس العالم في البلاد في عام 2022. وبمركز قوي لصافي الأصول الأجنبية (احتياطيات دولية قوية ومتنامية وصندوق سيادي ضخم) وتعاظم عائدات النفط والغاز، فإن دولة قطر محمية على نحو جيّد من مخاطر هروب الأموال التي تواجه الأسواق الناشئة الأخرى. وهذا هو ما سيمكّنها من تنفيذ خطتها لتطوير البنية التحتية، وما يترتب على ذلك من دعم للاقتصاد الوطني والقطاع المصرفي على السواء.
يشكل النمو المتسارع للاقتصاد القطري والمشاريع التي يخطط الدولة لتنفيذها فرصاً كبرى لبنك قطر الوطني والبنوك الأخرى في القطاع المصرفي لدفع النمو في الائتمان والاستثمار المحليين وزيادة الأرباح. وقد ارتفعت أرباح البنوك القطرية متناغمة مع الزيادة في موجوداتها وبلغت 2,4 مليار دولار أمريكي في النصف الأول من العام الجاري 2013، مرتفعة بنسبة 9% عن الأرباح لنفس الفترة من عام 2012. وهو ما يساوي معدلاً مرتفعاً للعائد على متوسط الموجودات يبلغ 2.4%، و15,2% على متوسط حقوق المساهمين. وقد تحقق ذلك مع بقاء جودة الأصول عند مستويات عالية على كامل نطاق القطاع المصرفي: جاءت نسبة القروض غير المربحة منخفضة عند 1,7% من إجمالي القروض بنهاية عام 2012. وقد تحقق الحفاظ على انخفاض نسبة القروض غير المربحة بدعم قوي من الحكومة: تدخلت الدولة بشراء القروض العقارية والمحافظ الاستثمارية المتعثرة من البنوك بعد الأزمة المالية في 2008/2009. كما أن البنوك تتمتع برسملة جيدة حيث بلغت الشريحة الأولى من رؤوس أموالها 18% من الأصول المرجحة بالمخاطر بنهاية عام 2012.
جاءت أربعة من البنوك السعودية ضمن البنوك العشرة الأولى في منطقة مجلس التعاون الخليجي. وقد ارتفعت موجودات هذه البنوك بنسبة 10% خلال فترة الأثنى عشر شهراً المنتهية في يونيو 2013. وقد تحقق ذلك بدفع من النمو الكبير في قروض الشركات والأفراد على السواء. وعلى صعيد الشركات، فقد دعمت الزيادة في إنتاج النفط وأسعاره إيرادات البلاد، وهو ما مكّن الدولة من زيادة إنفاقها على مشاريع البنى التحتية الكبرى. وقد تم مؤخراً إرساء ما قيمته 22 مليار دولار أمريكي من العقودات الخاصة بمشروع مترو الرياض في شهر يوليو الماضي. وقد أتاحت مثل هذه المشاريع فرصاً تمويلية كبرى للبنوك السعودية ساعدتها على تحقيق النمو في موجوداتها. كما ارتفع النمو في قروض الأفراد بدفع من قطاع القروض العقارية الجديد الذي يتسم بسرعة النمو. وقد بلغ إجمالي الإنفاق الحالي على المشاريع 500 مليار دولار أمريكي، بما في ذلك مشروع الإنشاءات الإسكانية الضخم الذي سيستمر في تعزيز الإقراض ودعم النمو في العقارات والأصول. وهنا أيضاً، فإن عائدات النفط والمواد البترولية والمركز القوي لصافي الأصول الأجنبية توفر مصادر وفيرة للحكومة السعودية للإنفاق على خطط التطوير، وهو ما يحقق الدعم لاقتصادها الوطني وقطاعها المصرفي.
والعامل الذي يحقق مزيداً من الحماية للقطاع المصرفي السعودي هو أن البنوك الرئيسية بالبلاد تتمتع برسملة عالية (يبلغ متوسط معدل الشريحة الأولى لرأس المال 17%) مع انخفاض في القروض غير المربحة (15% من إجمالي القروض في المتوسط) ونمو قوي في الأرباح (8,2%). وقد أدى انخفاض أسعار الفائدة وازدياد التنافس وارتفاع السيولة إلى تقليص هوامش الفائدة، إلا أن العائدات غير المعتمدة على الفائدة قد ساعدت على دعم النمو في الأرباح، مثل عائدات الرسوم التي تأتي من التوسع في الائتمان، والبنود خارج الميزانية العمومية، وتعاظم المتاجرة في بورصة “تداول”.
حققت ثلاثة من البنوك الإماراتية المدرجة بين البنوك العشرة الأولى في مجلس التعاون ارتفاعاً حاداً في أنشطتها خلال السنة الماضية، خاصة في قطاعي العقارات والخدمات في دبي. وقد ارتفعت أرباح أكبر البنوك الإماراتية- بنك دبي الوطني (دبي)- بنسبة 40% خلال النصف الأول من العام الجاري 2013 بالمقارنة مع النصف الأول من عام 2012. إلا أن العائد على متوسط حقوق المساهمين يظل منخفضاً (8,2%) بسبب استمرار البنك في المعاناة من ارتفاع نسبة القروض غير المربحة (14%)، وذلك نتيجة أزمة الديون العقارية لعام 2009. كما أن عدداً آخر من البنوك الأخرى في دبي تواجه مشكلات مماثلة لتلك التي يواجهها بنك دبي الوطني. وبنهاية عام 2012، قامت مؤسسة موديز بتخفيض التصنيف الائتماني لأربعة من البنوك القائمة في دبي (بنك دبي الوطني، بنك المشرق، بنك دبي التجاري، بنك دبي الإسلامي) بسبب ارتفاع نسبة قروضها غير المربحة (15%-17%) وانخفاض المخصصات مقابل الديون، وذلك بالرغم من التحسن الذي طرأ على بيئة العمل في دبي. وتمكنت أكبر البنوك القائمة في أبوظبي، وهما بنك أبوظبي الوطني وبنك الخليج الأول، سلفاً من العودة لتحقيق أرباح عالية (العائد على متوسط حقوق المساهمين بحدود 16%) بسبب أن هذه البنوك كانت أقل عرضة للأزمة التي طالت سوق العقار في دبي، كما أنها تلقت دعماً حكومياً أكبر. وللبنوك الإماراتية تاريخ حافل من الدعم الحكومي، وكان آخر دعم حكومي قد جاء خلال الأزمة المالية الأخيرة عندما قدمت الدولة السيولة والتسهيلات المالية للبنوك المتعثرة. وتساعد مثل هذه الضمانات الواضحة في حماية النظام المصرفي من مخاطر هروب الأموال.
حقق اثنان من البنوك الكويتية المدرجة ضمن البنوك العشرة الأولى في مجلس التعاون أداءً قوياً في نمو الموجودات بنسبة 17% خلال فترة الأثنى عشر شهراً المنتهية في يونيو 2013. وقد قاد بنك الكويت الوطني هذا النمو في الموجودات بصفة أساسية. وقد تسارع الإقراض للشركات مع مضيّ الحكومة قدماً في تنفيذ خطتها التطويرية التي بقيمة 110 مليار دولار أمريكي. إلا أن النمو في القروض الاستهلاكية كان قوياً في الكويت بصفة خاصة بسبب الزيادات التي طرأت على أجور القطاع العام والتحويلات. ومن المؤكد أن تعمل عائدات النفط والمركز القوي لصافي الأصول الأجنبية على ضمان استمرار الدعم للاقتصاد وللقطاع المصرفي في الكويت، وذلك من خلال أجور القطاع الحكومي والتحويلات بصفة أساسية، ومن خلال الإنفاق الحكومي بدرجة أقل. كما يتوقع لتصفية المراكز في المؤسسات الاستثمارية غير المصرفية أن تستمر في الحد من النمو في القطاع المصرفي مع تقلص الائتمان المقدم لهذه المؤسسات.
إجمالاً، توفر منطقة مجلس التعاون الخليجي بيئة اقتصادية قوية لازدهار أنشطة القطاع المصرفي. فالأسعار العالية للنفط والغاز تعزز تدفق العائدات التي تساعد على استمرار الإنفاق على المشاريع وتحقق فوائض من الأصول الأجنبية. وهذا ما يساعد على تواصل الدعم لعمليات الإقراض ونمو الموجودات لدى بنوك الصدارة في منطقة مجلس التعاون الخليجي، وفقاً لتحليلات مجموعة QNB، وهو ما يرجح معه تحصين المنطقة جيداً من الاضطرابات التي تمسك بخناق القطاعات المصرفية في الأسواق الناشئة.