مع مطلع القرن العشرين الميلادي ونتيجة لحالة التغيُّر الثقافي والسياسي، بدأ العالم العربي في إعادة تشكيل ملامحه السياسية والثقافية بما يتوافق مع طبيعة المرحلة وظروفها الإقليمية والدولية، حيث أعلن نجيب عازوري في عام 1905م من محل إقامته بباريس عن تكوين جمعية «عصبة الوطن العربي»، داعياً إلى تأسيس خلافة عربية مستقلة يكون مركزها الحجاز؛ وبالرغم من عدم قبول فكرته شعبياً ونخبوياً، إلا أن دعوته قد مثّلت الإعلان الأول لولادة مرحلة عربية جديدة بهوية سياسية مستقلة.
وكان من جراء ذلك أن تداعت الأفكار بعدئذ ليؤسس الشيخ محمد رشيد رضا سنة 1910م جمعية «الجامعة العربية»، التي عملت على توحيد الجمعيات السياسية العربية في كل من سوريا والعراق لتكون جبهة واحدة أمام التعنّت التركي، وهدفت إلى توثيق عرى العلاقة بين الأمراء العرب في حينه.
أسوق ذلك لأشير إلى أن ثقافة القرن العشرين وتحالفاته السياسية الجديدة قد أسهمت في تخلق المشروع العربي كوحدة قومية جامعة ابتداءً، ثم كمكونات قـُطريَّة مستقلة عن بعضها البعض، تعيش حالة كبيرة من التباين السياسي والاقتصادي، ودون أن تملك القدرة على تعزيز التعاون المشترك بينها، ورسم خارطة إستراتيجية موحدة يتم العمل بها عبر منظومة الجامعة العربية، التي كان احتلال العراق للكويت في نهاية القرن المنصرم بمثابة المسمار الأول في نعشها على الصعيد السياسي.
والسؤال: هل لا تزال ملامح القرن العشرين السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية على الصعيد العربي صالحة للعمل بها في الوقت الراهن؟ وهل لا تزال منظومات العالم السياسية والاقتصادية وتحالفاته المتنوعة قائمة على حالها حتى اليوم؟ حتماً هناك تغيير واضح، وهناك إعادة تموضع تقوم به كل الدول الحيَّة، وهناك صراع جديد لرسم حدودِ ومعالم خارطة القرن الواحد والعشرين.
العجيب أننا كأمة عربية لا نزال نعيش غيبوبة مركبة حتى اليوم، فمثل ما كنا شهود مآتة في مؤتمر سان ريمو سنة 1920م، نحن اليوم خارج مشهد كثير من أروقة مفاوضات إعادة رسم الخرائط المستقبلية. وواقع الحال فإذا كان أحدنا سيجد ما يُبرر به لذلك الجيل، فلا أتصور أننا سنجد ما نبرر به لجيلنا المعاصر، الذي لمَّا يستوعب دروس التاريخ، والمحزن أننا وبأيدينا نقوم بتهميش وتحجيم أقسام التاريخ في جامعاتنا وصولاً إلى دفنها، في سبيل بلوغ عالم أفضل، فهل بعد ذلك دليل على أننا نعيش غيبوبة كبرى؟
للكاتب :د . زيد علي الفضيل نقلا عن صحيفة المدينة السعودية








