بقلم: فهد ناظر
تبدو السعودية حازمة فى رغبتها بشأن خروج بشار الأسد من دمشق، ويتحدث السعوديون عن الحرب فى سوريا بنفس الحدة التى تحدثوا بها عن الحرب الأهلية فى اليمن عام 1960.
ووصفت الرياض تلك الحرب حينئذ على أنها صراع له تداعيات واسعة ووخيمة سوف تشكل المسار السياسى فى الشرق الأوسط فى السنوات اللاحقة.
وتمثل الحرب السورية فرصة للسعوديين لضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، وهى إيران، منافستها على الهيمنة الإقليمية، والأسد، وحزب الله.
ومع ذلك، يشعر الساسة فى الرياض بالقلق لأنهم يعلمون أنه بمجرد تورطهم فى الأزمة بشكل كامل سيصبح من الصعب التملص، لذا هم يأخذون على محمل الجد الدورس المستفادة من الحرب الأهلية التى اندلعت على حدودهم منذ 50 عاما.
وتحولت سريعا الحرب فى اليمن التى نشبت فى 1962 عندما أطاح الجيش بالملكية التى عاشت لقرون وأعلن قيام الجمهورية، إلى مستنقع جذب القوى الأجنبية، حيث دعم الاتحاد السوفيتى النظام الجديد جويا، كما ساندت بريطانيا النظام الملكى بهجمات جوية، وقدمت الولايات المتحدة طائرات حربية كعرض رمزى لقوتها.
وتحول الصراع إلى حرب بالوكالة بين السعودية التى دعمت الإمام المخلوع وأنصاره وبين مصر، حيث دعم جمال عبد الناصر النظام الجمهورى الجديد، وترددت أصداء رؤية عبد الناصر لأمة “عربية موحدة” متحررة من الهيمنة الغربية والملكية العقيمة عبر أرجاء العالم العربي.
وقررت السعودية القلقة من انتقال الحمى الجمهورية داخل حدودها أنها لن تقف على الحياد، واستخدمت المملكة جميع الوسائل المتاحة لاختبار مدى طموح عبدالناصر ولكنها لم ترسل أى قوات.
وأرسلت مصر حوالى 55.000 جندى طبقا لبعض التقديرات إلى اليمن، وتورط بعضهم فى قتال داخل الأراضى السعودية، بينما اتُهم آخرون باستخدام أسلحة كيميائية مقدمة من الاتحاد السوفيتي.
وقدمت السعودية للملكيين أموالا وأسلحة، ومع ذلك لم يحقق أى طرف أهدافه، فحرب مصر مع إسرائيل فى 1967 دفعتها لسحب قواتها ومع ذلك لم تستطع السعودية قلب الأمور لصالحها واضطرت فى النهاية للاعتراف بالحكومة الجمهورية اليمنية.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فالرياض ترى الصراع فى سوريا لحظة فارقة، وباعتبار السعودية قائد العالم الإسلامى السني، فهى تقتنص تلك الفرصة لتختبر ما تراه مخططا إيرانيا لتطويق المملكة بأنظمة شيعية معادية.
وفى ظل اتخاذ الحرب فى سوريا منحى طائفياً أكثر، وصف وزير الخارجية السعودى المتحفظ عادة، سعود الفيصل، هجوم الأسد على شعبه بـ “الإبادة الجماعية”، ووصف الأراضى السورية بأنها “تحت الاحتلال”، فى إشارة واضحة لوجود القوات الإيرانية وحزب الله.
ولا يخفى على أحد أن السعوديين يوفرون أسلحة لعناصر المعارضة السورية، وسوف يستخدم السعوديون الأدوات المتاحة للإطاحة بالأسد، بينما سيتخذون الإجراءات لضمان عدم وقوع الأسلحة التى يوردونها إلى المتمردين فى أيدى المتطرفين.
وتكلم وزير الخارجية السعودى بصراحة بعد الهجوم الكيميائى على المدنيين بالقرب من دمشق، عن عدم قدرة الدول العربية على وضع حد لحملة الأسد من خلال قوة السلاح، مضيفا أن أى جهد عسكرى من المرجح أن يشمل لاعبين من خارج المنطقة.
وأصدر مجلس الوزراء السعودى الأسبوع الماضى تصريحا قويا، موضحا أنه يعتبر منع هجوم كيميائى آخر من قبل الأسد هدفا قصير المدى، أما على المدى البعيد فيجب الإطاحة به.
وستكثف السعودية جهودها لتسليح المتمردين وتستخدم منافذها الإعلامية ونفوذها الدبلوماسى لحشد الدعم لضربة عسكرية، ورغم أنه من المعروف أن المملكة تستخدم قواتها بشح هذه الأيام، إلا أنها استخدمتها من قبل بحكمة.
فعلى سبيل المثال، أرسلت الرياض قواتها إلى البحرين لتظهر تأييدها للنظام السنى فى وجه الاحتجاجات الشعبية الواسعة، وبالطبع تختلف سوريا عن البحرين، ولكن لم تعد السعودية أيضا الدولة التى كانت عليها فى 1962 عندما فشلت فى تحقيق أهدافها فى اليمن.
فلدى المملكة، الغنية بالبترول اليوم، نفوذا أكبر من ذلك منذ نصف قرن، ومما لا شك فيه أنها ستوظف هذا النفوذ بقوة داعمة المتمردين بالسلاح والدبلوماسية خاصة انها تناضل للتغلب على إيران وتطويق حزب الله والإطاحة بالأسد.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: جريدة «نيويورك تايمز»







