بقلم: إيفو دالدر
عندما تقابل القادة الأوروبيون فى بروكسل الجمعة الماضية، تناولوا موضوع التعاون الدفاعى لأول مرة فى قمة أوروبية منذ 2008، وجاءت هذه المناقشة فى وقتها المناسب خاصة مع تزايد الشكوك الأوروبية بشكل كبير بشأن التزام أمريكا ومدى اشتراكها فى حفظ الأمن عبر الأطلنطي، فى ظل زيادة اهتمام واشنطن بآسيا وتردد الرئيس باراك أوباما بشأن التدخل العسكرى فى سوريا أوائل هذا الصيف.
ولم يكن هناك وقت أنسب من الآن ليؤكد فيه القادة الأوروبيون رغبتهم فى القيام بالمزيد بشأن الدفاع الذى أدركوا أخيراً أهميته، واتفقوا على التعاون بشكل أوثق بما فى ذلك زيادة فاعلية سياستهم الدفاعية والأمنية المشتركة، وتحسين القدرات الدفاعية، وتقوية قطاع الدفاع الأوروبي.
ويعد الاتحاد الأوروبى قادراً بشكل فريد على استغلال الموارد العسكرية والدبلوماسية والتجارية وغيرها من الموارد لمعالجة المشكلات الأمنية، كما أن هناك ضرورة لتركيز مجهودات التطوير على القدرات الحساسة مثل الطائرات دون طيار عالية ومتوسطة الارتفاع، والتزويد بالوقود فى الهواء، والاتصالات بالقمر الصناعى والدفاع السيبراني.
وأوضحت العمليات العسكرية فى ليبيا، أن نقص تلك القدرات لدى أوروبا أعاق قيامها بالتدخل العسكرى بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، كما تحتاج أوروبا لتعزيز التعاون لأن قطاعات الدفاع الوطنية لا تستطيع الاستمرار وحدها فى ظل تراجع الطلب المحلى على البضائع والخدمات الدفاعية.
وبالرغم من أهمية تلك الخطوات، فإنها لن تؤثر على القدرات الدفاعية لأوروبا سوى هامشياً، وأما على صعيد القضية الحقيقية وهى المزيد من الإنفاق فكان صمت القادة الأوروبيين يصم الآذان.
وبالرغم من أهمية زيادة التعاون ومشاركة القدرات وتحسين تخطيط العمليات والمهام، فإن المشكلة الحقيقية التى تواجه أوروبا هى تراجع الإنفاق، وللأسف لم يحدث شيء فى بروكسل يوحى بتغيير فى هذا الاتجاه فى أى وقت قريب.
ومن الجدير بالذكر أن تراجع الإنفاق الدفاعى كان مستمرا منذ فترة، ففى بداية هذا القرن كان إنفاق الدول الأعضاء فى حلف الناتو باستثناء الولايات المتحدة لا يتعدى %2 من الناتج المحلى الإجمالى لتلك الدول.
وفى عام 2007 – أى قبل الأزمة المالية بعام – انخفضت تلك النسبة بمقدار الربع إلى %1.5، أما فى 2012 فقد هبط الانفاق على الدفاع فى تلك الدول إلى %1.3 من الناتج المجلى الإجمالي.
ولم يتراجع فقط مستوى الإنفاق على الدفاع بمقدار الثلث على مدار العقد الماضى وإنما عانت الاستثمارات المستقبلية فى القدرات أكثر، وعلى مدار العقد السابق، اشتركت الدول الاوروبية بشكل متزايد فى عمليات عسكرية من العراق إلى أفغانستان، ومحاربة القرصنة فى خليج عدن، إلى حملات دعم الاستقرار فى غرب أفريقيا، وقصف ليبيا.
وبدلاً من رفع الإنفاق الدفاعى لدفع ثمن زيادة المشاركة العسكرية – كما فعلت الولايات المتحدة بشكل كبير – قررت الدول الأوروبية دفع ثمن التكاليف الإضافية من الأموال المخصصة أساسا لشراء معدات جديدة والاستثمار فيها.
لذا عانت القدرات الدفاعية الأوروبية من ضربة مزدوجة فى هذا العقد الفائت: فلم يتراجع الإنفاق بشكل كبير فقط، وإنما تم استهلاك مبالغ إضافية للإنفاق على العمليات القائمة بدلا من الاستثمار فى القدرات المستقبلية.
ومما لا يثير الدهشة أن الولايات المتحدة تنفق ثلاثة أضعاف أوروبا على المعدات، وأربعة أضعاف على كل جندي، وسبعة أضعاف على البحث والتطوير الدفاعي، وبمعنى آخر، فإن الفجوة بين القدرات الأوروبية والأمريكية كبيرة وآخذة فى الاتساع.
ومنذ ثلاثين شهرا، حذر روبرت جيتس، الذى خدم كوزير دفاع أمريكى لمدة 7 سنوات، الأوروبيين فى آخر خطاباته فى بروكسل من الحقيقية «المرة» وهى نفاد صبر ورغبة الكونجرس الأمريكى من دفع المزيد من الأموال بالنيابة عن أمم لا ترغب على ما يبدو فى تخصيص الموارد الكافية التى تثبت جديتها واشتراكها فى الدفاع عن أنفسها.
ولم يحدث شيء فى العامين والنصف السابقين تثبت أن الحقيقة المرة تغيرت، بل استمر الصبر الأمريكى فى النفاد.
وهذا هو سبب الأسف على فشل الأوروبيين فى معالجة القضية الحقيقية المتعلقة بالمزيد من الإنفاق على دفاعهم وامنهم بعدما اجتمعوا لمناقشة المشكلات الدفاعية لأول مرة منذ 5 سنوات.
ويبدو مرة أخرى أن الأوروبيين يفترضون بعد صم آذانهم لمشكلة الموارد الدفاعية أن أمنهم يمكن أن يُشترى رخيصاً أو أن يدفع ثمنه شخص غيرهم، وسوف يثبت هذا الافتراض كلفته وخطورته.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز








