فى كتابه «أخبار الحمقى والمغفلين» يتحدث أبى الفرج جمال الدين عبدالرحمن بن على بن الجوزى عن الحماقة وأهلها ونوادرها وأبطالها، ويعرف الحمق والتغفيل بأنه الخلل فى الوسيلة والطريق إلى المطلوب مع صحة المقصود، كتب عن المغفلين من القضاة والولاة ورواة الحديث الا ان الباب الأخير كتبه عن المغفلين على الاطلاق، فى أى باب يمكن ان يضع الجوزى مرسى وجماعته لو كان حياً؟
فبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، كان فى مقدور الرئيس المعزول محمد مرسى ان يدخل التاريخ من أوسع أبوابه وأن يكتب فصلاً جديداً فى صفحات كفاح الشعوب لو انه أدرك انه رئيس ثورى جاء بعد ثورة شعبية قام بها كل المصريين وليس فصيلاً واحداً فقط ولو انه تخلى عن جماعته وأصبح رئيساً للجميع بدلاً من «أهلى وعشيرتي».
ولكنه لم ينس أبداً أنه عضو فى جماعة هى التى رشحته وساندته للوصول لمنصبه ونس أنها عشرات الآلاف من الشعب فى حين ان من انتخبوه كانوا ملايين من المصريين.
رضخ مرسى كثيراً لمطالب جماعته على حساب مطالب الشعب فازدادت أخطاؤه عندما اختار ان يكون مندوب الجماعة فى قصر الرئاسة.
نحى معارضيه ومؤيديه أيضاً من القوى السياسية جانباً ودخل فى عداء معهم ولم يدرك ان كثيراً من التحديات تنتظره وأن هناك من يقف ضده ويعرقل طموحاته ولكنه فشل فى وعود المائة يوم الأولى التى اخذها على نفسه، وكانت شخصيته المترددة سبباً فى اصدار القرارات والعدول عنها سريعاً.
تحدث مرسى كثيراً وتندر فى كلماته فأخطأ وعاب عليه الجميع من ضعف شخصيته وضحالة تفكيره بسبب العبارات التى كان يرددها مثل «لازم كلنا نحضن بعض عشان نعدى من عنق الازازة.. كله بالحب» فى حواره للتليفزيون المصري، و«لو مات القرد.. القرداتى يشتغل ايه؟»، و«الـ5، 6، 7، 4، 3 فى الحارة المزنوقة بيعملوا حاجات غلط» و«جاز أند كوهول.. دونت ميكس»، و«من يتحدث عن الإفلاس هم المفلسون»، و«هنقطع الأصابع اللى بتلعب فى مصر» إلى «مصر غير قابلة للانضغاط» و«الراجل بتاع سكينة الكهربا» فى خطابه الأخير، كانت كل تلك الكلمات وغيرها مثاراً للسخرية من المصريين، ليصبح مرسى أول رئيس منذ ثورة يوليو يتعرض لأكبر حجم من السخرية والنقد.
خسر مرسى وجماعته جميع الحلفاء، وأصبحوا خصماً للجميع، بمن فيهم شباب الثورة والإعلام الذى استعداه مرسى ويوماً بعد يوما، فقد المصريون ثقتهم فى قدرة مرسى على النهوض بالبلاد، وكانت الدولة العميقة شماعة الفشل التى علق عليها مرسى كل أخطائه.
وفى 30 يونيو 2013 خرجت مظاهرات ضد حكم الإخوان ساندها الجيش وأطاح بالرئيس مرسى بعد عام واحد على حكمه.
الآن يصبح مرسى أحد المحطات الرئيسية فى 2014 وتعقد الجلسة الثانية لمحاكمته فى 8 يناير الحالى ليلقى نفس مصير مبارك ونظامه على الرغم من الفارق الزمنى بين الاثنين الا ان الجرائم التى اتهم فيها مرسى تفوق تهم مبارك.
ورغم ذلك أصبح مرسى فى نظر مؤيديه ومعارضى الحكم العسكرى زعيماً للاحرار ورمزاً للصمود.
ويبقى التساؤل ماذا يكتب مرسى فى مذكراته هل يستمر فى تحميل الدولة العميقة أسباب فشله أم يعترف بتحمله مسئولية القضاء على أحلام جيل كامل، فى كتابه «كنت رئيساً لمصر» كتب الرئيس محمد نجيب الذى أطاح به زملاؤه بالجيش «واذا كان الزمان لا يتوقف والشعوب لا تنتهى والمستقبل لا يعود إلى الوراء وااذا كان الشعب قد حرر بلاده وأرضه من اليهود فإنه لا أمل فى ان يسترد كل ما فقده ولا أمل فى ان يتقدم، سوى بالديمقراطية، والحرية قبل الخبز أحياناً، الديمقراطية قبل العدالة الاجتماعية أحياناً.








