بقلم: محمد شمشك
وزير المالية التركى
إذا كان صحيحاً أننا نعيش فى «قرية عالمية» مرتبطة ببعضها البعض تجاريا وماليا واجتماعيا، فمن المؤكد ان النشاط الاقتصادى الموازى فى أحد أجزاء العالم لديه تأثير سلبى فى مكان آخر، ولذا ينبغى أن ينظر لعملية جعل كل الاقتصاد رسمياً على أنها فى الصالح العام العالمى.
وينبغى أن تمسك مجموعة العشرين والمؤسسات الدولية الأخرى بزمام الأمور لضمان التنسيق و اللازم لجعل الاقتصاد الموازى رسمياً.
ويعتبر المواطنون العاديون هم أكبر الخاسرين من الاقتصاد الموازي، لأن عدم الرسمية تكبح النمو الاقتصادى ومكاسب الإنتاجية على المدى الطويل، وتخلق منافسة غير عادلة، وتعوق نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة (المصدر الرئيسى للوظائف)، كما تترك الملايين من العاملين دون الحقوق الأساسية مثل التأمين الصحى والمعاشات.
وعلاوة على ذلك، فهى تتسبب فى خسائر فادحة فى الإيرادات الضريبية مما يقلل جودة وكمية الخدمات العامة، كما يتفشى عدم المساواة فى الأجور وتختفى العدالة الاجتماعية.
وتقليص متطلبات الاقتصاد الرسمى يبدو مهمة وطنية، ومما يتطلب من الحكومات أن تتخذ إجراءات مثل تخفيض العبء الضريبى وتبسيط أنظمة الضرائب، وتقليص تكاليف الامتثال للتنظيمات، و القضاء على حواجز التنافسية وتبسيط عملية تسجيل الشركات، وزيادة شفافية المشتريات العامة، وتحسين فرص الحصول على تمويلات.
كما تتطلب مكافحة الاقتصاد غير الرسمى تعاوناً دولياً أيضاً، فطبقاً للمفوضية الأوروبية، تخسر دول الاتحاد الأوروبى أكثر من تريليون دولار من الإيرادات سنويا بسبب المناطق «غير المتعاونة» و«غير الشفافة – والتى تعرف أيضا بـ «الملاذات الضريبية».
وهنا يمكن أن تلعب منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ومجموعة العشرين دوراً مهماً، وبالفعل تقدم المنظمة دعماً حيوياً لتعزيز التعاون الدولى بشأن الضرائب، فالمادة 26 من اتفاقية المنظمة بشأن نموذج الضرائب على الدخل وعلى رأس المال تنظم محتوى وممارسة التبادل ثنائى الجانب للمعلومات الضريبية التى تعد عاملاً حاسماً لمحاربة التهرب ومكافحة التنافس الضريبى الضار.
ويعد تركيز قمة مجموعة العشرين على التهرب الضريبى فى السنوات الماضية مشجعا أيضا، فعندما اجتمع قادة دول مجموعة العشرين فى المكسيك فى 2012، أكدوا التزامهم بتعزيز الشفافية والتبادل الشامل للمعلومات الضريبية، كما أكدوا حاجتهم لمنع تآكل قاعدة دافعى الضرائب وتحول الأرباح أو ما يعرف بـ «BEPS».
كما اطلقت مجموعة العشرين مجهودات لتشجيع المناطق على توقيع «الاتفاقية متعددة الأطراف بشأن المساعدة الإدارية المتبادلة فى المسائل الضريبية» التى أعدها المجلس الأوروبى بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
ومع ذلك، هناك الحاجة لمزيد من المجهودات لمحاربة الاقتصاد غير الرسمي، من خلال اتفاقيات ثنائية الجانب ثم بعد ذلك متعددة الجوانب لتأسيس هوية ضريبية عالمية فريدة لكل دافعى الضرائب.
وفى تركيا، تتضمن خطة شاملة لتقليل نطاق الاقتصاد الموازى 14 مؤسسة عامة من بينها وزارة المالية، وتم استخدام آليات استباقية لتحصيل الضرائب من أجل تحسين الالتزام الضريبى الطوعي.
ولا يوجد مفر من مثل هذه المجهودات القوية من اجل القضاء على الظلال التى ينشط فيها الاقتصاد الموازي، ومع ذلك لا يستطيع الساسة القوميون حمل الضياء وحدهم.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت







