تمتعت تركيا حتى العام الماضي، بفترة طويلة من الاستقرار الاقتصادى والنمو، مع تضاعف الدخل للفرد الواحد وتحقيق سوق الأوراق المالية مكاسب بنسبة %90 بالعملة المحلية فى عشر سنوات، ولكن مسارها التصاعدى انقلب رأسا على عقب فى خضم عدم الاستقرار السياسى والانخفاض الحاد فى أسعار الأسهم، وأصبحت البلاد على حين غرة مقترنة بالتقلبات والغموض.
ورغم المشاكل التى تعانيها تركيا مؤخراً، فإن صناعة إدارة الصناديق مفعمة بالتفاؤل وتبدو البلاد وكأنها لاتزال تحمل فرصاً استثمارية عظيمة، إذ ارتفع الناتج المحلى الإجمالى من 230 مليار دولار فى عام 2002 إلى 800 مليار دولار.
يذكر أن أسواق صناديق الاستثمار والثروات الخاصة موجودة بالفعل منذ فترة طويلة فى تركيا، ولكنها تنحت جانبا جراء الأزمة الأخيرة التى ضربت البلاد عام 2001-2002 عندما انهارت أسواق رأس المال وخسر المستثمرون المحليون ثروة ضخمة من الأصول المقومة بالليرة.
ونتيجة لذلك أصبح مستثمرو التجزئة متحفظون بشدة ويضعون نحو %80 من أموالهم فى صناديق أسواق النقد أو يدخرونها كودائع، ولكن انخفاض أسعار الفائدة إلى أقل من %10 جعل المستثمرين يغيرون الجهات التى يفضلونها للاحتفاظ بأموالهم، ففى السنوات الخمس الماضية، استقبل صندوق حماية المستثمر وصندوق حماية رأس المال تدفقات ضخمة.
وقد ظهرت إشارات على المزيد من التنويع فى توزيع المستثمرون لأموالهم، إذ تراجعت حصة ادخار أموالهم كودائع أو فى صناديق أسواق النقد بنحو %70.
ويقول كريستوف هوفمان، رئيس قسم التوزيع بشركة اشمور جروب، إن البيئة الاستثمارية برمتها آخذة فى التغير ورجال الأعمال الأتراك يعيدون تقييم موقفهم حيال المخاطر والعوائد.
وأوضحت صحيفة الفاينانشيال تايمز، أنه منذ ثلاث سنوات لم يكن هناك سوقا لسندات الشركات فى تركيا، ولكن الطلب على رأس المال من قبل البنوك خلق سوقا لسندات الشركات آخذ فى النمو بوتيرة سريعة بقيمة 20 مليار دولار.
وقد استجابت مجموعة «اتش اس بى سي» لإدارة الأصول للطلب المتزايد على الأصول مرتفعة العائد.
ويقول ناميك أكسيل، الرئيس التنفيذى لمجموعة إتش إس بى سى لإدارة الأصول فى تركيا، إن الصندوق متعدد الأصول الذى تمتلكه المجموعة هو ثالث أكبر صندوق لها فى تركيا وقد انطلق منذ ستة أشهر فقط.
ويستثمر نحو %80 من أصول الصندوق فى أدوات الدخل الثابت والأسهم التركية، التى تُخصص لأسهم الأسواق الناشئة والمتقدمة، وسندات الأسواق المتقدمة عالية العائد والسندات المتميزة والمعادن النفيسة، وتعد هذه الفئة من الأصول نقطة انطلاق لمستثمرى التجزئة الأتراك المتحفظون.
وقد تزيد قوانين رأس المال المقبلة من الصناديق الأجنبية فى تركيا التى ستطالب بإدراج جميع الصناديق الاستثمارية فى البورصة.
ومع بدء صناديق الاستثمار فى النضوج، يرى مدراء الصناديق الأجنبية إمكانية أكبر فى سوق المؤسسات، فالنمو فيه يثير الدهشة، إذ ارتفعت أصول صندوق المعاشات العام الماضى فقط %42، أى إلى ما يزيد على 20 مليار ليرة، وذلك وفقاً لرابطة مؤسسات أعمال الوساطة لأسواق المال بتركيا.
رغم أن نظام المعاشات الخاص أنشئ فى تركيا منذ عام 2003 فقط، فقد تمتع ببداية قوية، ويعتقد العديد من المساهمين فى صناعة هذا النظام أنه سيتوسع بشكل ضخم خلال العشر سنوات المقبلة.
ويقول إرلاب دينكتاس، مدير محفظة مالية لدى شركة آك لإدارة الأصول: «يبلغ حجم نظام المعاشات حالياً 21.5 مليار ليرة ومن المتوقع أن يصل إلى 240 مليار ليرة بحلول عام 2023».
وبحسب صحيفة الفاينانشيال تايمز، فإن الحكومة التركية، التى تسعى لتحسين وضعها المالي، تستعد لتنفيذ تغييرات فى نظام المعاشات الخاص، وتقترح الحكومة استبدال المزايا الضريبية الحالية بمساهمة مباشرة لمعاشات تقاعد الأفراد، وهو ما يعنى أن الحكومة ستصبح مستثمراً.