تواصل بوابة وزارة المالية نشر صفحات من التاريخ المالى لمصر وهو التاريخ الزاخر بالدروس والتجارب والعبر، وتقدم البوابة اليوم وثيقة بالغة الاهمية من النواحى المالية والاقتصادية والتاريخية والاجتماعية الا وهى ميزانية مصر المؤقتة عن عام 1885 كاملة، وهى الميزانية المصدق عليها من مجلس النظار (الوزراء) بجلسة 31 ديسميبر 1884 ، وتمت طباعتها بالمطبعة الاهلية ببولاق مصر ” المحمية” .
تقدم الوثيقة تفاصيل بالغة الدقة والوضوح عن ايرادات ومصروفات الدولة المصرية وتبين طبيعة النشاط الاقتصادى القائم ببساطة تجعل من يقراها كانه يرى مصر كلها وقتذاك تحت عينيه. تعطى الميزانية مقارنات بين السنة المالية الاخيرة وما قبلها اى اعوام 1984 و 1883 و 1882 و 1881 ومن ثم توضح جوانب مهمة فى التقدم و التراجع وتبين من ثم اثر وطاة الاحتلال الانجليزى على البلاد وابرز مثل هو الخفض العنيف فى ميزاينة الجيش المصرى فضلا عن لغو ( الغاء ) تبعية ديوان البحرية لنظارة الحربية ونقل اعماله الى وابوارت المعية السنية والبوستة الخديوية ( اى مع مراكب حاشية الملك وسفن نقل الركاب) بل ولا تضع الميزانية نظارة الحربية مع النظارات الاخرى لكن تم قيدها فى فى باب المصالح المنوطة بحفظ النظام ومعها الجندرمة ( جنود الدرك ) والبوليس والسجون، فالاحتلال الذى وقع 1882 كان قد بادر فى اول اعماله بحل وتسريح الجيش المصرى.
سيلاحظ القارىء بوضوح ان اكثر من نصف ايرادات الحكومة كانت تاتى من ضريبة الاطيان الزراعية ما يدل على ضعف الهيكل الاقتصادى من جانب ومن جانب اخر اضعافه العمدى على يدى الانجليز والدائنين وقيامهم بتحطيم الانجاز الصناعى لدولة محمد على ، كما سيلاحظ ان اكثر من نصف النفقات – طبقا لقانون التصفية الذى فرضه الدائنون على مصر فى 1880 – يذهب لسداد الدين واقل من النصف لنفقات الحكومة.
تبدا صفحات الميزانية باعلان يماثل ما نسميه اليوم بالبيان المالى يتحدث عن تعديل التبويب من فصول الى ابوب محتوية على فروع تشكل الايرادات المتماثلة ومصروفات المصالح التى من نوع واحد حتى تسهل المضاهاة والمقارنة وهذا عمل جيد.
تعطينا الوثيقة تفاصيل دقيقة عن مصروفات المعية السنية ووابوراتها ومخصصات الحضرة الخديوية ومرتبات العائلة الفخيمة ( بلغة ذلك الزمان ) كما نعرف عن مصاريف شرق وغرب السودان
ويلفت النظر انه توجد جهات غير مدرجة بالميزانية ( ربما تشبه وضع الهيئات الاقتصادية الان ) وتم توضيحها فى ملحق مخصوص وهى حصرا : مجلس الصحة البحرية والكورنتينات ( الحجر البيطرى )، وتفتيش الجيزة والجزيرة ، وبيت المال (المعنى بحفظ اموال القصر والغائبين ) والاملاك المشتركة (بين الحكومة وشركة قناة السويس ) وقلم السودان .
ان التعقيد الحالى للنشاط الاقتصادى ولنشاط الدولة والحكومة بشكل عام يجعل الوصول الى تقديم تفاصيل كتلك التى فى ميزانية 1885 فى اى ميزانية حالية عملا شاقا للغاية لكن لابد من المحاولة حتى يتمكن البرلمان و الجمهور من ممارسة رقابة حقيقية على المال العام .
يذكر ان اللورد الكرومر المعتمد البريطانى الحاكم الفعلى لمصر وقتها كان قد تولى منصبه فى 1883 ، وان ناظر المالية ( وزيرها ) فى ذلك العام كان مصطفى فهمى.








