لاحظ أحدث التقارير البحثية لبنك “كريدي أجريكول برايفت بانكنج” للخدمات المصرفية الخاصة الذي صدر تحت عنوان: “تعليقات حول الاقتصاد الكلّي – آفاق شرقية واعدة: تحديث لبيانات منطقة مينا”، أن الربع الأول من عام 2014 انتهى بآفاق مشرقة لنمو اقتصادي كلٍّ من الإمارات والسعودية، ونبرة متشائمة بالنسبة لنمو اقتصادي كلٍّ من مصر ولبنان.
قال الدكتور بول ويتّيروالد، كبير المحللين الاقتصاديين لدى المصرف: “في الوقت الذي اختتمت فيه اقتصادات دول الخليج الغنية بالنفط أمثال الإمارات والسعودية الربع الأول من عام 2014 وهي منطلقة على مسار نمو اقتصادي قوي، من المُلفِت للنظر أن اقتصادات الدول العربية الواقعة في الشرق الأوسط عاودت الاتجاه إلى نظام الاقتصادات ذات السرعتين، حيث سجل اقتصادا دولتين عربيتين غير نفطيتين أمثال لبنان ومصر أدنى معدلات الأداء الاقتصادي بين تلك الدول. وتجلَّت هذه الحقيقة بوضوح من خلال بيانات مؤشر مديري المشتريات لشهر مارس 2014”.
واكد مديرى المشتريات في الإمارات تحسناً طفيفاً في مارس ليسجِّل 57.7 نقطة (مرتفعاً من 57.3 نقطة في فبراير)، واصل المؤشر الرئيسي لمديري المشتريات (القطاع الخاص غير النفطي) في السعودية التراجع في مارس ليسجل 57 نقطة مقارنة مع 58.6 نقطة في فبراير، لكن هذا التراجع انطلق من مستوى مرتفع أصلاً. وظل مؤشرا مديري المشتريات في كلا الدولتين إلى حد كبير فوق مستوى التوسع/ الانكماش الذي يبلغ 50 نقطة. فهل يعني ذلك أن اقتصادا الدولتين باتا عرضةً للتضخم الآن؟
وبينما أشارت البيانات المستخرجة من مؤشر مديري المشتريات في الإمارات إلى حدوث بعض الزيادات في أسعار المواد الخام والرواتب، لم يتحوَّل سوى جزء فقط من تلك الزيادات إلى زيادات في أسعار المنتجات.
وفي السعودية، كانت الزيادات التي طرأت في مارس على أسعار المنتجات وتكاليف مُدخَلات الانتاج ورواتب الموظفين طفيفة للغاية. ولكي نعرف العلاقة التي تربط تلك الزيادات مع مؤشر أسعار المستهلكين، لا بد لنا من أن نتذكر أن العنصر الأهم في سَلَّة مشتريات المستهلك السعودي يتمثَّل في المواد الغذائية والمشروبات (تشكل 26% من الإجمالي). وبينما شكَّلت تكاليف التجديد والإيجارات والوقود والمياه 18% من عناصر تلك السلَّة، شكَّلت تكاليف النقل والاتصالات 16% منها. من ناحيتها، شكلت تكاليف الأثاث 11% من تلك العناصر وشكلت الأقمشة والملابس والأحذية 8% منها. واشتملت العناصر الأخرى على التعليم والترفيه بنسبة 8% والرعاية الطبية بنسبة 2% وسائر النفقات والخدمات بنسبة 13%. وفي ظل هذه المعطيات، قد يكون من المفيد أن نشير إلى أن مؤشر منظمة الأغذية العالمية (فاو) المُقوَّمة أسعاره بالدولار الأمريكي قد ارتفع بنسبة 3.4% خلال الربع الأول من عام 2014.
ويتيح لنا الجمع بين تحركات أسعار صرف العملات وأسعار المواد الغذائية مُقَوَّمَةً بالدولار الأمريكي التوصل إلى استنتاج نسبة التغير السنوية لأسعار المواد الغذائية بالعملة المحلية، ومقارنتها بالتالي مع معدل التضخم في أسعار المستهلكين. وإذا افترضنا أن أسعار المواد الغذائية مُقَوَّمَةً بالدولار الأمريكي وأسعار صرف العملات استقرت عند مستوياتها الراهنة لغاية شهر سبتمبر 2014، فإن ذلك سوف يؤدي إلى تغير سنوي في أسعار المواد الغذائية يفوق أحدث التغيرات التي طرأت عليها. وتتضح أبعاد هذه الفرضية في القيم المبينة من خلال الخطّ الأعلى بين شهري مارس وسبتمبر في الرسم البياني أدناه. ويوضح الفرق الإيجابي بين المعدل الراهن لتغير أسعار المواد الغذائية ومعدله في شهر سبتمبر، أن أسعار المواد الغذائية لن تشكل عاملاً يسهم في تخفيض معدل التضخم. ويتمثل الاستنتاج البدهي الذي يمكننا التوصل إليه من خلال استقراء هذه البيانات في أن أكبر مكوِّنات سلَّة مؤشر أسعار المستهلكين سوف يؤدي إلى تضخم المؤشر السعودي لأسعار المستهلكين خلال الشهور المقبلة.








