بقلم: إدوارد لوس
عندما تولى الرئيس باراك أوباما مهام منصبه، تعهد بانفتاح جديد تجاه القوى النامية، واليوم، كل دولة من دول مجموعة البريكس – البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا – على خلاف مع أمريكا أو أسوأ من ذلك، فالشهر الماضى امتنعت أربع من أصل خمس منها عن التصويت على قرار شجب ضم روسيا لمنطقة، فكيف فقد أوباما تلك الدول؟
و بعض الأحداث لم يكن ممكناً تجنبها، ففى أوائل فترته الرئاسية الأولى، دعا أوباما لـ “إعادة تشكيل” العلاقات مع روسيا، واستقبل رئيس روسيا حينها، ديمترى ميدفيدف، والذى كان أقل عدائية للغرب من سلفه فلاديمير بوتين.
ولسوء حظ أوباما، وقعت أحداث من الصعب لومة عليها مثل أوكرانيا وأحداث الشغب فيها وعودة بوتين للرئاسة، ومنذ ذلك الحين ساءت الأمور.
كما سارت علاقات الولايات المتحدة مع الصين فى الاتجاه الخاطئ أيضا، فخلال أول عام لأوباما فى الرئاسة، قام بزيارة احتُفى بها كثيرا إلى الصين حيث عرض على بكين شراكة عالمية لحل مشكلات العالم الكبيرة من تغير المناخ وحتى الاختلالات المالية فيما عرف بـ “مجموعة الاثنين”، ولكن الصينيين لم يكونوا مستعدين لمعالجة المشكلات على مستوى عالمى لأنهم كانوا ومازالوا يناضلون لحل المشكلات الداخلية، لذا رفض مضيفوه عرضة بفظاظة.
وفى العام الذى يليه بدل أوباما استراتيجية “مجموعة الاثنين” بخطاب بشأن “محور تجاه آسيا”، وعرضت واشنطن هذا المحور باعتباره إعادة توازن طال انتظارها تجاه منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادي، ولكن نظرت بكين لهذه الخطوة – ولها مبرر فى ذلك – على أنها محاولة مكشوفة من قبل الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها العسكرية مع جيران الصين.
أما الفشل مع البرازيل فهو أكثر وضوحا، ففى عام 2009 لعب أوباما مسرحية كبيرة للتودد لدول أمريكا اللاتينية الكبيرة حتى إنه حضر قمة منظمة الدول الأمريكية فى ترينيداد، ولكن العلاقات مع البرازيل اتخذت منحنى منحدرا بعد تسريبات إدوارد سنودن بشأن وكالة الأمن القومى العام الماضي.
واحتجاجاً على التجسس الأمريكي، ألغت رئيس البرازيل، ديلما روزيف، زيارة إلى واشنطن أكتوبر الماضي، ولم تكن تطمينات أوباما للأمريكيين بأن الوكالة لم تكن تتجسس عليهم مفيدة فى هذا الوضع، والآن العلاقات الأمريكية – البرازيلية فى جمود شديد.
وينطبق نفس الوضع على الهند، فقد استقالت سفيرة الولايات المتحدة للهند، نانسى باول، الشهر الماضى بعدما تمت معاملتها كشخصية غير مرحب بها فى نيودلهى منذ أن تولت المنصب، ولا يزال الوضع تحت إدارة مودى غير معلوم، ولكن يبقى على الولايات المتحدة محاولة اصلاح حقيقة رفض منحه فيزا لزيارة الولايات المتحدة بسبب المجزرة البشعة للمسلمين فى عام 2002.
ومن بين دول مجموعة البريكس تعد جنوب أفريقيا هى الدولة الوحيدة ذات العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة، ولكنها بالكاد وثيقة، فلو كانت جنوب أفريقيا أنفقت نفس الوقت الذى استغرقه للضغط من أجل الانضمام لمجموعة البريكس فى التودد للولايات المتحدة، لأصبحت الأمور مختلفة.
وكل علاقة متدهورة لها قصة محددة، ولكن هناك عاملين مشتركين كبيرين يربطانهما معاً، أولاً، يتكيف العالم مع فكرة انحسار نفوذ الولايات المتحدة، فرغم أن أمريكا لديها أكبر قوة عسكرية حتى الآن، فإن هذه القوة تتقلص قليلا سنويا، بينما تتضاعف ميزانية الدفاع الصينية.
ثانيا، ضاق الشعب الأمريكى ذرعا بالمسئوليات العالمية للدولة، فمحور استراتيجيات أوباما ليس آسيا وإنما أمريكا، فبهذه الطريقة سيحدد اتجاهاته بناءً على المشاعر المحلية.
ومع ذلك، فإن اهتمامه بالداخل لا يسير على ما يرام أيضا، فكما قال لورنس سامرز، وزير المالية الأسبق، مؤخرا إن الولايات المتحدة لديها حزبان، احدهما وهو الديمقراطى، يرفض توقيع أى اتفاق تجاري، والثاني، هو الجمهورى، يبدو أنه يبغض جميع المؤسسات الدولية.
ولا يستمع أى من الحزبين إلى ما يريده أوباما، كما أن الرأى العام الأمريكى لم يعد ينصت إلى ما يقوله.
ولا يوجد بالتالى ما يدعو للدهشة عندما تبدأ دول البريكس الاعتياد على عادة التحدث فيما بينها.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز







