بقلم: لاورا تايسون وسوزان لند
تتنامى حصة التدفقات عبر الحدود فى النشاط الاقتصادى العالمى، ولكن كيف يترابط الاقتصاد العالمي؟ وكيف تتغير التدفقات العالمية بين النشاطات والقطاعات والدول؟ وكيف يتم تصنيف الاقتصادات الوطنية وفقا للتدفقات عبر الحدود أو «الترابط»؟ وما آثار ذلك على الشركات وصناع السياسة؟
وأصدر معهد «ماكينزى» للأبحاث تقريرا جديدا يتناول فيه هذه القضايا من خلال تحليل التدفقات الداخلة والخارجة للبضائع والخدمات والأموال والأشخاص والبيانات والاتصالات لـ 195 دولة على مدار 20 عاما.
وأثبتت البيانات المجمعة والأمثلة الدقيقة أن العالم أصبح أكثر ارتباطا بكثير مع ازدياد التدفقات عبر الحدود فى النطاق والتعقيد، ورغم تراجع التدفقات بشكل كبير من 2007 وحتى 2009 نتيجة الركود العالمى العميق، فإن القيمة الإجمالية للتدفقات المالية والتجارة فى البضائع والخدمات بلغت %36 من الناتج المحلى الإجمالى العالمى فى 2012، أى اعلى بمقدار 1.5 من عام 1980.
كما يؤكد التقرير أيضاً أن الانفتاح الأكبر للتدفقات العالمية كان مصدرا مهما للنمو الاقتصادى للدول والعالم بأسره، وبشكل عام يقدر البحث أن التدفقات العالمية ساهمت بنسبة %15 – %25 من النمو العالمى كل عام، بينما استفادت الدول الأكثر ترابطا أكثر من فوائد النمو بنسبة %40 عن الدول الأقل ترابطا، وهذا يتماشى مع النظرية الاقتصادية القائلة بأن الترابط يعزز النمو من خلال مكاسب الإنتاجية من التخصص والنطاق والتنافسية والابتكار.
ومازالت التدفقات المالية عبر الحدود أقل بنسبة %70 عن المستويات المرتفعة قبل الركود، ولكن حتى المستويات المنخفضة اليوم تشكل أكثر من ثلث التمويل العالمي، وفى المقابل فإن تدفق الأشخاص عبر الحدود – مقاسا بنسبة الأفراد الذين يعيشون خارج دولة المولد – صغيرا عند حوالى %2.7 منذ 1980، ولكن انتقالات الأشخاص عبر الحدود لأغراض قصيرة الأجل مثل السياحة أو السفر المتعلق بالعمل أو التعليم كان ينمو بنسبة سنوية تتراوح بين %3.5 إلى %4.8 خلال العقد الماضي.
أما التدفقات البيانات والاتصالات عبر الحدود انفجرت، وتوسعت بمعدل يزيد على %50 سنويا منذ 2005، كما تضاعفت الدقائق التليفونية الدولية، كما تضاعفت حركة انتقال البيانات عبر الانترنت بمقدار %1.800، ونتيجة الرقمنة، أصبح الأفراد أكثر ارتباطا من ذى قبل.
وأصبحت التدفقات كثيفة المعرفة التى تتطلب مستويات عالية نسبيا من رأس المال البشرى والبحث التطوير أكبر من التدفقات كثيفة العمالة ورأس المال والموارد، كما أنها تنمو أسرع من الثلاثة أنواع الأخرى.
وبحلول عام 2012، شكلت التدفقات كثيفة المعرفة حوالى نصف القيمة الإجمالية لتدفقات البضائع والخدمات والتمويل، ويعد هذا الاتجاه ميزة للدول المتقدمة التى تمثل ثلثى التدفقات كثيفة المعرفة.
وتتمثل الطرق التقليدية لقياس الترابط العالمى لدولة ما من خلال مقارنة حجم تدفقاتها العالمية مع ناتجها المحلى الإجمالي، وطبقا لهذه المقاييس، فإن الدول الأصغر ذات الأسواق المحلية الأصغر تكون أكثر ترابطا من تلك الكبيرة، ولكن هذا النهج مضلل لأنه لا يأخذ فى الاعتبار حصة الدولة من التدفقات العالمية.
ومع ذلك، فإن مؤشر تقرير ماكينزى عالج هذا القصور من خلال الأخذ فى الاعتبار حجم التدفقات العالمية للدولة بالنسبة إلى ناتجها المحلى الإجمالى وحصتها الإجمالية من التدفقات العالمية.
وكشف مؤشر ماكينزى للترابط أن ألمانيا وهونج كونج والولايات المتحدة تحتل المراتب الأولى والثانية والثالثة على التوالي، ولكن بعض الاقتصادات الرئيسية تأتى خلفهم بكثير، فرغم صادراتهما القوية، تأتى كوريا الجنوبية واليابان فى المركز الـ 20 و21 من بين 85 دولة لأنهما تراجعا فى الهجرة وحركة انتقال البيانات عبر الانترنت، أما الصين التى جاءت فى المركز الـ 25 تتمتع بمحرك صادرات قوى وتدفقات داخلة رأسمالية هائلة ولكن ترتيبها يتراجع فى تدفقات الأشخاص والبيانات.
وبشكل عام، يأتى ترتيب الاقتصادات الناشئة بعد الاقتصادات المتقدمة، ولكن العديد من الاقتصادات الناشئة بما فى ذك المغرب والهند والبرازيل والسعودية والصين حسنت من ترتيبها بشكل واضح منذ منتصف التسعينات، واليوم، تشكل الأسواق الناشئة حوالى %28 من التدفقات العالمية أى ثلاثة أضعاف حصتها فى 1990.
وتعد المكاسب الاقتصادية للترابط كبيرة وكذلك التحديات، ولكى تستفيد الدول من فرص الرقمنة والتحول نحو التجارة كثيفة المعرفة، ينبغى الاستثمار فى المواهب والبنية التحتية، وتقليل الحواجز أمام تدفقات الأشخاص والمعلومات دون تعريض خصوصية مواطنيها وأمنهم للخطر.
وإذا لم يتم مشاركة فوائد العولمة مع الكثيرين، فسوف يتراجع الدعم السياسى للمزيد من الانفتاح للتدفقات العالمية، كما ستتلاشى الفوائد الاقتصادية التى تخلقها تلك التدفقات.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: بروجكت سينديكيت








