بقلم: جين كينيومينت
انتهت قمة حلف شمال الأطلسى بأقوى إشارة لها على الإطلاق، مضمونها أن المملكة المتحدة ربما تشترك فى الهجمات الجوية الأمريكية على «داعش» فى العراق، ولكن هذه الهجمات لا تعالج سوى السمات الحالية لأزمة سياسية أكثر عمقا، وقد حالت الهجمات الجوية الأمريكية المحدودة دون تقدم داعش إلى الشمال، كما كانت لهذه الهجمات أهمية حيوية، وهى أن «داعش» ليست لديها أى دعم على الإطلاق فى منطقة الأكراد التى تتمتع بحكم ذاتى، حيث قاتلتهم بضراوة قوات «البشمركة» الكردية، التى وافقت بريطانيا على تسليحها.
ومع ذلك، سوف يعتمد الصراع طويل المدى ضد «داعش» فى المناطق التى بها أغلبية سنية فى العراق وسوريا، على عمل سياسى شاق لمعالجة جذور الاستياء فى هذه المناطق. وهذا من شأنه أن يأخذ بعين الاعتبار التاريخ الحديث «للحرب على الإرهاب» وما نتج عنها من إثارة المشاعر العدائية ضد الغرب، وكذلك عدم المساواة والاستقصاء المنهجى الذى يغذى الصراع الطائفي.
وقد سهلت كثيرا شراسة «داعش» مهمة تصوير الجماعة كقوى شريرة ظهرت فجأة يمكن هزيمتها بواسطة إجراء عسكرى غربى حاسم. ولكن من الضرورى أن نتذكر التاريخ الحديث للعراق وسوريا وتدخل الغرب هناك، وأن ندرك العوامل التى مكنت الجماعة من التحول من بضعة آلاف من المتطرفين إلى حركة غنية تسيطر على مساحات شاسعة من المناطق.
وهناك عاملان ساعدا على ازدياد قوة «داعش»، الأول هو العجز المزمن للحكومة الشرعية فى العراق وسوريا، التى همشت واستبعدت أشخاصا على نحو منهجى مما خلق بيئة محفزة للتغير الواعد للجماعات المتطرفة.
والعامل الثانى، الوحشية التى اتسمت بها السياسات فى السنوات الأخيرة فى كلا البلدين وتلك السياسة الوحشية تفاقمت على أيدى الحروب بالإنابة الدولية والإقليمية، وجراء عقود من دعم القبائل الساخطة والسنة العراقية المحرومة من حقوقها المشروع.
ويقع اللوم فى ذلك على نحو كبير، على رئيس الوزراء العراقى المنتهية ولايته، نور المالكى، إذ كانت القبائل السنية فى العراق أفضل حلفاءه ضد مليشيات القاعدة، ولكنه أهدر ذلك من خلال معاملتهم كإرهابيين وحبس أبنائهم.
ولكن الإلقاء بكل اللوم على المالكى يعفى أمريكا وبريطانيا من المسئولية فى المساعدة على خلق نظام سياسى غالبا ما يكون العنف والطائفية هما آلياته للبقاء فى السلطة.
ودعم الغرب، على مدار العقود الثلاثة الماضية، فى اول الأمر، ديكتاتور الإبادة الشعبية (صدام حسين) وسلحه، ثم كبل البلاد بعقوبات فشلت فى الإطاحة به، ثم قام الغرب بغزو البلاد وتفكيك الدولة والجيش.
وفى الوقت ذاته تصاعدت المشاعر العدائية ضد الغرب فى سوريا، ليس فقط بين مؤيدى الحكومة.. بل أيضا بين المعارضة، فمع نداء الشعب برحيل الأسد، وعدهم الغرب بالتغيير، ولكنه لم يمنع الأسد من البقاء فى السلطة وقتل آلاف المواطنين. وقد يشك الساسة فى الغرب فى قدرتهم على حل الأزمة، ولكن شعوب المنطقة، الذين يرون الولايات المتحدة- على وجه الخصوص – قوى خارقة، اعتقدوا أن أمريكا ليست لديها رغبة فى الإطاحة بالأسد.
وعلى الصعيد الدولى، يستطيع علماء الدين ولاسيما فى الخليج ومصر، المساهمة فى محاربة أفكار داعش، ومن المرجح أن يكون ذلك أكثر فعالية من تورط الخليج فى حملة قصف جوي.
وقد يتطلب السلام فى سوريا والتوصل إلى تسوية سياسية جديدة فى العراق دعم كل من ايران، التى لها تأثير فريد على كلا الحكومتين.إضافة إلى السعودية التى تؤثر على المعارضة الرئيسية فى كلتا الدولتين. وقد تكون هناك فرصة أخيرا لتعاون هذين المتنافسين معا نظرا لأنهما يعتبران «داعش» الآن عدوا مشتركا.
وتحتاج مساعى محاربة «داعش» إلى التركيز على القضاء على الثقافة والأيديولوجية التى يريدون زرعها فى المنطقة، وخلاف ذلك سوف تظهر «داعش» أخرى، وربما بمسمى أو شكل مختلف فى السنوات القادمة.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: صحيفة الجارديان البريطانية