لم تكن “أبل” الأمريكية مخطئة عندما أعطت لنفسها الوقت الكافي قبل أن تطلق منتجها الجديد “آيفون 6” الذي طال انتظاره. وبالرغم من الخطوات التي اتخذتها الشركات المنافسة، فإن “أبل” احتفظت بهدوئها لتدرس احتياجات المستهلك ليس فقط من جهة الإمكانات المطلوبة في المنتج ولكن من جهة الأسعار التي يجب أن توفر بها منتجها الجديد.
ولن ننكر أن “أبل” بالفعل طورت في مفاهيم كثيرة من خلال منتجها الجديد لعل أهمها التوازن الذي قدمته في عناصر المنتج المختلفة التي بدأتها بالتصميم ثم تبعتها بشاشة عرض البيانات ونظام تشغيل والكاميرا والتقنيات الجديدة والأداء والبطارية. استطاعت “أبل” أن توجه رسالة شديدة اللهجة لمنافسيها تبين أن زعامتها لتقنية الجوالات في العالم ليست من فراغ، بل بسبب استراتيجية عمل ومفاهيم تحكم هذا العمل تجعلها قادرة على تلبية احتياجات المستهلك وكذلك توفير قدرا لا يستهان به من الإمكانات في منتجها.
وفيما يلي عرض لأهم العناصر التي تمكنت “أبل” من خلالها أن ترسم مفهوما جديدا للجوالات عند طرحها لجوال “آيفون 6″،وبالطبع لن تكون مراجعتنا كلها مديحا في الشركة بل سنذكر ما لها من إيجابيات وما عليها من سلبيات والحكم في النهاية للقارئ حتى يدرك الفرق الذي تحدثه منتجات “أبل” على سوق الجوالات عن طرحها.
بداية فإن التصميم الجميل لجوال “آيفون 6” يضفي عليه من الألفة ما يجعل المستخدم مرتبطا بجهازه نظرا لأن نحافته (0.27 بوصة) لا تسبب عبئا كما أن الانحناءات الموجودة في الجوال جعلت منه تحفة يعتز المستخدم بامتلاكها. ولا يعد التصميم ذو المنحنيات جديدا على “أبل” إذ كانت له إرهاصات في منتجات سابقة لعل أبرزها “آيبود”، ولكن الفرق في “آيفون 6” أن الجسم يتداخل بانحنائه مع زجاج الشاشة الذي يتداخل بدوره مع انحناء حواف الهيكل. ودعمت “أبل” منتجها بالقوة التي يستمدها من الخلفية المعدنية لتخالف بذلك الخلفية الزجاجية التي استخدمتها سابقا.
ولن يشعر المستخدم بالزيادة التي طرأت على وزن الجهاز(128.9 جرام) مقارنة بجوال “آيفون 5 إس” نظرا لأن وضعيته في راحة اليد تجعل توزيع الثقل أكثر كفاءة بحيث لا يمثل ضغطا على أي من أجزاء الكف. ولكن بعض المحللين وإن كانوا قلة يعيبون على صميم “آيفون 6” قابليته للانزلاق خصوصا بسبب نعومة خلفيته المعدنية، الأمر الذي يمكن التغلب عليه بوضعه في غطاء حماية يتميز بخشونة الملمس لتفادي انزلاقه كما فعلت “سامسونج” في خلفية “نوت 4” التي تشبه الجلد.
ولا يتوقف التغير في تصميم الجهاز عند هيكله، بل يمتد ليطال شكل الأزرار وأماكنها حيث غيرت “أبل” شكل الأزرار الدائرية الموجودة في جانب إصدارات “آيفون” السابقة لتصبح مستطيلة منحنية الزوايا في “آيفون 6” بشكل يتماشى مع التصميم العام للجوال. كما غيرت “أبل” من مكان زر الإغلاق الذي طالما تواجد في الجهة العليا من الإصدارات السابقة ليصبح في الجانب الأيمن، الأمر الذي قد يسبب إرباكا لمدة يومين على الأكثر لمن تعود على وضع “آيفون” في حالة الثبات بالضغط أعلى الجوال. وإضافة إلى ذلك، غيرت “أبل” من تصميم السماعات لتصبح مجموعة من الفتحات الدائرية في أسفل الجهاز بجوار فتحة الشاحن.
أما عن حجم “آيفون 6” فإن التكبير الذي أدخلته “أبل” على شاشة الجهاز أدى بالتالي إلى زيادة في طول وعرض الجهاز ، ولكن ذلك لم يؤثر على سهولة الوصول للأيقونات المعروضة على الشاشة خاصة وأن “أبل” جعلت من الضغط المزدوج على زر “Home” وسيلة لتقليل صفوف الأيقونات المعروضة لتسهيل الوصول إليها باستخدام الإبهام.
واستكمالا للتصميم الجذاب، أضافت “أبل” خطوطا بلاستيكية أفقية في الجهة الخلفية والعليا والسفلى من “آيفون” لتمثل حدودا فاصلة بين المساحة التي يوجد بها جهاز الإرسال الخاص بالجوال مع المساعدة على تثبيت الجهاز حال وضعه على جهته الخلفية.
ولم يكن القرار الذي اتخذته “أبل” بزيادة حجم الشاشة سهلا خاصة للذين اعتادوا على وضع “آيفون” في جيوبهم إذ إن زيادة الحجم قد تمثل لهم عائق عن المشي أو الجلوس خاصة مع الملابس الضيقة. لذلك سعت “أبل” إلى استطلاع الآراء للوقوف على الحجم المثالي الذي يقبله المستهلكون، فكان حجم الشاشة 4.7 بوصة هو الأنسب على الإطلاق ليسمح بعرض صورة واضحة المعالم لا تجهد العين إضافة إلى عدم إعاقة من يضع الجوال في جيبه.
وضمنت “أبل” عرض صورة واضحة على شاشتها الجديدة من خلال دعمها بتقنيات هي الأقوى في مجالها، فالدقة العالية لنوعية الشاشة “Retina HD” التي تبلغ 750*1334 وفرت عرضا مميزا للصورة على شاشة “آيفون 6” مع تعزيز ذلك بتقنية “Dual Domain” التي تجعل من نقاط الصورة المعروضة أكثر وضوحا وازدهارا ليكون مستوى الرؤية أفضل بنسبة 38% وأكثر اتساعا بنسبة 13% لعرض المزيد من العناصر على الشاشة.
وليست الشاشة هي الوحيدة المصنوعة من الياقوت الأزرق في “آيفون 6″، فعدسة الكاميرا أيضا مثلها. ولكن البعض يعلق سلبا على تصميم العدسة نظرا لبروزها عن الجهة الخلفية للجوال مما يجعله مرتكزا عليها إذا وضع على هذه الجهة، ويرد المؤيدون لذلك التصميم أن العدسة من الياقوت الأزرق الذي لا يمكن خدشه. كما يعلق آخرون بالاستفهام لماذا احتفظت “أبل” بدقة 8 ميجا بكسل في العدسة؟ سؤال لا يعلم إجابته إلا “أبل” خاصة أن معظم المنافسين عززوا من دقة عدسات جوالاتهم لدرجة وصلت إلى 16 و20 ميجا بكسل.
ولكن لن يخفي هذا الانتقاد الموجه للعدسة الخصائص الإضافية التي عززت بها “أبل” الكاميرا في “آيفون 6” إذ دعمتها بتقنية “Focus Pixels” التي تساعد على تتبع الضوء بقدر أكبر من السرعة، إضافة إلى تقليل الزمن المطلوب للتركيز على العناصر المصورة من خلال تقنية “Insight Autofocus” ليوفر بذلك قدرة أكبر على تتبع وجوه الأشخاص عند التقاط الصور. لن يكون هناك حاجة للمس الشاشة لتحسين التركيز على عناصر الصورة بعد الآن. ولا يتوقف الأمر في الكاميرا الخلفية على تلك التقنيات، بل عززت “أبل” من قدرة الكاميرا على التقاط الصور البانورامية بدقة 43 ميجا بكسل لتوفر بذلك عرضا ممتازا للصور ذا سطوع وإضاءة عالية الجودة.
أما الكاميرا الأمامية فقد دعمتها “أبل” بتقنية “Face Time” التي حسنت من أدائها في تصوير الصور الذاتية “سيلفي” حيث أصبح الجوال قادرا على التقاط أكثر من وضعية للصور واختيار الصورة الأفضل من بينها.
إضافة إلى ذلك، عززت “أبل” من كفاءة الكاميرا في التقاط مقاطع الفيديو خاصة عن التعامل مع مقاطع الفيديو السريعة المعروفة باسم “تايم لابس”. دقة الصورة العالية (1080) وليست الأعلى مدعومة بزيادة قدرة الكاميرا على الإطارات لتصبح 60 إطارا في الثانية جعلت مقاطع الفيديو اقرب ما يكون للحقيقة. وتزداد تلك القدرة على الالتقاط لتصل إلى 240 إطارا في الثانية لتجعل من الممتع تصوير مقاطع الفيديو البطيئة. كل هذه الإمكانات حققتها شريحة المعالجة “A8” التي دمجتها “أبل” في “آيفون 6” لتعطي المزيد من الثبات للصور والمزيد من التفاصيل عند التركيز، إضافة إلى التأثيرات عن التقاط الصور أو مقاطع الفيديو.
وإضافة لقوة “آيفون 6” اختارت “أبل” نظام التشغيل “آي أو إس 8” ليكون هو الأداة الخاصة بإدارة وظائف الجوال، ويالها من أداة قوية بالفعل! إن القدرات العالية لنظام التشغيل “آي أو إس 8” تتطلب أن نفرد له تقريرا خاصا حتى نستطيع تغطية ما فيه من خصائص تجعل التعامل معه متعة. ولكننا سوف نركز في هذا التقرير على الخصائص التي جعلت من التعامل مع “آيفون 6” تجربة تستحق المواصلة لاكتشاف المزيد.
إضافة إلى نقاء واجهة استخدامه وشفافية التأثيرات مقارنة بنظام “أي أو إس 7″، فإن نظام تشغيل “أي أو إس 8” احتوى على مجموعة من الخصائص الجديدة على “آيفون 6” لتجعل تجربة التعامل معه أكثر سهولة وصداقة للمستخدم. إحدى هذه الخصائص تتركز في التنبيهات الواردة التي أصبح من الممكن متابعتها والرد عليها من شاشة القفل دون الحاجة لفتح الجهاز إذ يمكن بالسحب يسارا أن تكتب رد على التنبيه الوارد أو تسجل مقطعا صوتيا. وتمتد خاصية السحب تجاه اليسار لتمكن المستخدم من حذف رسائل البريد الإلكتروني مباشرة من شاشة القفل.
تطوير آخر يهم المستخدمين هو التطور الذي أدخلته “أبل” على لوحة مفاتيح “آيفون 6” حيث أصبحت أكثر دقة في اقتراح الكلمات أثناء كتابتها وكذلك أكثر ملاءمة للتطبيقات التي تستخدمها خاصة في المحادثات إذ أصبح من الممكن متابعة النص الأصلي أثناء الكتابة في الوضعية المائلة للجوال.
كما دعمت “أبل” نظام “أي أو إس 8” بمجموعة من التطبيقات التي تمس الحياة اليومية للمستخدمين منها التطبيق الخاص بالصحة الذي يأتي محملا على الجوال ليستخدم ما به من مستشعرات لمراقبة الأنشطة اليومية للمستخدم. ولعل ما يجعل ذلك تطورا هو المعالج “M8” الذي يقوم بجمع كافة البيانات من تلك المستشعرات ليعرضها للمستخدم ضمن واجهة استخدام واحدة تضم عدد الخطوات التي تحركها والمسافة التي قطعها، بل درجات السلم التي صعدها بفضل مستشعر الارتفاع الراسي “باروميتر” الموجود في “آيفون 6”. والمتابع لأخبار “أبل” يدرك على الفور أن تطبيق الصحة على “آيفون 6” يمهد لخطوة أكبر هي أن يكون التطبيق بمثابة مخزن للمعلومات الصحية التي قد يستفيد منها طرف آخر إذا دخل في شراكة مع “أبل”. فالمستشفيات العامة مثلا قد توفر تطبيقا يستخدم ما في تطبيق “أبل” لإجراء الفحوصات الدورية على المرضى ومتابعة أحوالهم عبر منصة الجوال. كما يمكن ربط تطبيق الصحة في “آيفون 6” مع منتجات “أبل” المخطط طرحها مستقبلا مثل ساعة “أبل” الذكية.
بالطبع لا تمثل هذه الخصائص كل إمكانات نظام التشغيل “أي أو إس 8″، ولكننا حاولنا التركيز على ما سيلاحظه مستخدمو “آيفون 6” حال تعاملهم مع الجوال بفضل هذا النظام الذي يوفر لهم نقاء اكثر للصورة المعروضة على شاشتهم، وتجربة أكثر متعة عن ممارسة ألعاب الفيديو على الجوال، وكل ذلك دون الشعور بأي بطء أو معاناة في عرض التطبيقات على شاشة “آيفون 6”. وكما قلنا سابقا سوف نقدم تقريرا مطولا عن نظام التشغيل “أي أو إس 8” يتناول بالتفصيل كافة الجوانب التقنية للنظام سواء الإيجابية أو حتى ما يراه البعض سلبيا.
ولا تعتمد “أبل” فقط على نظام التشغيل والتصميم لتبهر به عقول المستخدمين ولكنها توفر أيضا مجموعة من التقنيات المدمجة في “آيفون 6” لتجعله بحق جهازا يستحق الاقتناء في رأي كل من الهواة والمتخصصين. بداية المعالج الذي يعتمد على شريحة “A8” التي أثبت الاختبارات قدرتها على توفير المزيد من السرعة والاستجابة مقارنة بمنتجات الشركة السابقة أو حتى مقارنة بمنتجات الشركات المنافسة. ولعل أهم انطباع سوف يدوم لدى مستخدم “آيفون” هو تلك الاستجابة السريعة في الأداء مقارنة بما اعتاد عليه.
“آيفون 6” يحتوي على معالج ثنائي النواة يعتمد على تقنية ARM الخاصة بمعالجات الجوالات والأجهزة المحمولة. معالج “آيفون 6” سرعته 1.38 جيجا هرتز تدعمه ذاكرة عشوائية حجمها 1 جيجا بايت. ولكن ما يجعل أداء هذه التوليفة يفوق غيرها من المكونات التي تبدو في الظاهر أعلى من ناحية الإمكانات هو أن “أبل” أضافت معالجا للحركة هو “M8” مما يساعد على تخفيف العبء عن معالج البيانات حيث أثبت الاختبارات التي أجريت على تطبيقات لقياس أداء الجوالات أن “آيفون 6” بتلك المكونات يتفوق على كثير من الأجهزة التي تحتوي على مكونات أعلي في الإمكانات مثل “جالكسي إس 5″ و”إل جي جي 3”.
كما دعمت “أبل” جوالها الجديد بوحدة لمعالجة الرسوميات تعتمد على محرك “Metal” للرسوميات الذي يوفر تجربة أكثر سرعة عند تشغيل الألعاب التي تكون فيها التفاصيل أكثر دقة ووضوحا مقارنة بالنسخ السابقة من “آيفون”
أما عن تقنيات الاتصال فأن “آيفون 6” يعمل على شبكات الجيل الرابع من الاتصالات “LET” وأن نسخة الاتصال اللاسلكي “Wi-Fi” تم ترقيتها ليوفر بذلك تصفحا أسرع لمحتوى صفحات الإنترنت. كما عززت “أبل” تلك القدرات بإدخال تقنية الاتصال عن قرب المعروفة باسم “NFC” في تطبيق “أبل باي” لإجراء عمليات الدفع الإلكتروني مباشرة دون الحاجة لفتح شاشة القفل في وجود تقنية “Touch ID” التي توفر بيئة آمنة لنقل بيانات الدفع بسرعة أكبر وبلا محاولات فاشلة.
ولا يخلو الأمر من توجيه انتقاد لتقنيات اتصال “آيفون 6” إذ افتقد مستخدمو “أبل” التواصل بين الجوال وأجهزة “أبل” الأخرى مثل حواسيب “آي ماك”، هذه الخاصية التي تسمح للمتحدث عبر تطبيق المراسلة الفورية في “آيفون” أن يستكمل محادثته على حاسوب “آي ماك” بمجرد الاقتراب منها. ولا نعلم لماذا امتنعت “أبل” عن توفير هذه الخاصية؟ لعل المسألة مرتبطة بالضرورات الأمنية التي تطلبها عمليات الدفع الإلكتروني.
ولكن ماذا عن أداء البطارية ذلك المكون المهم للغاية الذي يعتمد عليه كل مستخدمي الجوالات والأجهزة المحمولة؟ لقد وفرت “أبل” بطارية بالفعل تمثل أساسا لنجاح “آيفون” إذ اثبتت الاختبارات أن عمر البطارية يصل إلى 14 ساعة من الحديث المتواصل على شبكات الجيل الثالث “G 3” بينما تراوحت المدة ما بين 10 إلى 12 ساعة عند تصفح الإنترنت والتقاط الصور وتشغيل الألعاب.
وأعدت “أبل” خطة أسعار تسمح لها بجني أرباح ليست بالقليلة عند طرح الجهاز إذ تخطت النسخة التي تعمل بذاكرة 32 جيجا بايت لتوفر “آيفون 6” في نسختين الأولى تعمل بذاكرة 16 جيجا بايت مقابل 199 دولارا والثانية تعمل بذاكرة سعتها 64 جيجا بايت مقابل 299 دولارا. إضافة إلى أن “آيفون 6” متاح عبر معظم شركات الاتصالات الكبرى في الولايات المتحدة على رأسها “إيه تي أند تي”.
وختاما لتقريرنا حول جوال “آيفون 6” الذي طرحته “أبل” لتثبت أن ريادتها لعالم الجوالات ليست بالأمر الهين لتتنازل عنه مقابل المنافسة الشديدة من شركات مثل “سامسونج”، فإن العامل السحري في نجاح “أبل” هو التوليفة التي مكنتها من إعادة اكتشاف مكونات موجودة بالفعل ولكن متفرقة فالشاشة الكبيرة والأداء القوي والتقنيات العالية ليست بأمور جديدة في عالم الجوالات، ولكن تظل “أبل” صاحبة الإبداع في خلط هذه المكونات لتقدم لنا جوالا يتميز بالبساطة في استخدامه والقوة في أدائه هو “آيفون 6”.







