بقلم: جدعون راتشمان
فى بداية العام التقى مجموعة كبيرة من المستثمرين فى حلقة نقاشية حول «المخاطر الجغرافية السياسية»، تطرقت سريعاً إلى روسيا والشرق الأوسط وبحر الصين الجنوبى ثم منطقة اليورو، وبعد ذلك تناولت القهوة مع أحد المتحدثين، وهو مستثمر مرموق فى الأسهم الخاصة، وسألته عن مدى اهتمامه بالمخاطر الجغرافية السياسية، فأجاب: «نحن نهتم بالشركات والتدفقات النقدية والاستثمارات».
وتلاشى الارتباط بين الأسواق والسياسة بشكل خاص فى الآونة الأخيرة، ورغم أن معظم أنباء الصحف تتحدث عن الحرب فى أوكرانيا والشرق الأوسط – بالإضافة إلى احتمالية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى – وصل مؤشر «فوتسى 100» الأسبوع الماضى إلى أعلى مستوى منذ 14 عاما، أما فى الأسبوع الذى يسبقه، حطم مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» مستوى 2000 نقطة لأول مرة.
ومرت فترة طويلة منذ أن تسببت الأحداث السياسية الدولية فى التأثير على توقعات المستثمرين لسنوات مقبلة، وآخر ما أتذكره الصدمة التى تعرض لها سوق البترول فى 1970 ثم بعدها الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 والثورة الإيرانية فى 1979.
ومنذ ذلك الحين، لم يعد العالم يتسم بالمخاطر الجيوسياسية بقدر ما أصبح يطلق عليه أحيانا الفرصة الجيوسياسية، فالتغيرات السياسية التى تلت نهاية الحركة الماوية أدت إلى التحول الاقتصادى فى الصين، وفتحت الأسواق أبوابها للمستثمرين بعد سقوط حائط برلين، كما أن سقوط الديكتاتوريات بأمريكا اللاتينية فى الثمانينيات اعقبه تبنى السياسات الصديقة للأسواق على نطاق واسع.
ومع ذلك، من الخطأ أن نقول إن المستثمرين لم يأبهوا للسياسات العالمية فى العقود الأخيرة، وإنما التغيرات السياسية على المستوى العالمى خلقت فرصاً أكثر من تأثيرها.
وربما ترجع الارتفاعات الحالية فى الأسواق إلى أن المستثمرين مشغولون أكثر بكثير بالسياسة النقدية أكثر من الحروب، ولكن هل يفلح هذا الموقف فى ظل الاضطرابات الجغرافية السياسية الحالية؟ فى السبعينيات أدت الحرب والثورة إلى رفع أسعار الطاقة إلى مستويات دفعت بالاقتصادات الغربية إلى ركود، والآن تعانى أكبر منطقتين منتجتين للبترول فى روسيا والشرق الأوسط من اضطرابات، ورغم ذلك فإن أسعار البترول تتراجع.
وهناك بعض الأسباب التى قد تفسر سبب ذلك، منها «ثورة الغاز الصخري» فى الولايات المتحدة التى جعلت أسواق الطاقة العالمية أقل عرضة للأحداث فى الشرق الأوسط، ومن تلك الأسباب أن الاقتتال فى الشرق الأوسط لم يؤثر حتى الآن على إنتاج السعودية وباقى دول الخليج.
وأخيرا، فإن روسيا لم توجه حتى الآن تهديدات جدية بعقوبات طاقة ضد الغرب، وإذا وصلت الحرب إلى دول الخليج، أو أغلقت روسيا صنبور الطاقة، فبالتأكيد سوف يحدث هلع الأسواق.
وقد يضطر المستثمرون قريبا إلى التعامل مع تهديد سياسى أكبر وأكثر عمومية، فعلى مدار 40 عاما سارت التغيرات السياسية بشكل عام فى اتجاه واحد، وهو التحاق المزيد من الدول بنظام السوق العالمى مما يزيد من فرص التجارة.
وتذكرنا الأحداث بأن السياسة بإمكانها غلق الأسواق بقدر فتحها، فمبيعات الشركات اليابانية فى الصين تدهورت بعد نمو التوترات بين البلدين، وتراجعت استثماراتها فى الصين بنسبة %50، كما أن روسيا والغرب متورطان فى جولات من العقوبات الانتقامية، لذلك فإن تصدر الأسهم الروسية قائمة أسوأ الأسواق الكبيرة أداءً هذا العام لا يثير الدهشة.
ومع ذلك، يتحتم على المستثمرين الذين لا يتعرضون للمخاطر الروسية مباشرة وأن ينتبهوا إلى أن الصراع الأوكرانى قد يسوء وينتشر، وقد يترتب على ذلك تأثيرات غير متوقعة عبر أوروبا.
ومن المحتمل أيضا أن ما يحدث فى روسيا هو نسخة متطرفة من ظاهرة أوسع، وهى العودة إلى السياسات القومية، فهذا الاتجاه يمكن ملاحظته فى دول متنوعة مثل الصين والهند ومصر وحتى فرنسا واسكتلندا، وبالطبع فإن القومية والاستثمارات الدولية لا تجتمعان، وعاجلاً أم آجلاً، قد يؤثر إحياء القومية على أكثر المستثمرين ثراءً.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز








