بقلم: توماس فريدمان
أخبرنى مسئول عراقى هذه القصة مؤخراً، ومضمونها أنه عندما استولت الدولة الإسلامية المعروفة بـ «داعش» على الموصل هذا الصيف، قام المقاتلون الجهاديون السنيون – والذين يتألف معظمهم من الأجانب – بالمرور على كل منزل، وكتبوا كلمة «نصارى» على منازل المسيحيين.
وكتبوا على منازل الشيعة «الرافضة»، وهى تعنى «هؤلاء من يرفضون السلطة السنية».
والمثير للاهتمام أن المسئول العراقى، قال إن مصطلح «الرافضة» لم يكن معروفا على نطاق واسع فى العراق لوصف الشيعة، بل هو مصطلح يستخدمه الأصوليون الوهابيون فى السعودية.
وأثارت هذه القصة اهتمامى لأنها سلطت الضوء على عمل «داعش» مثل «الأنواع الغريبة المجتاحة» فى عالم النباتات والحيوانات، فهى لا تنتمى للنظام البيئى العراقى أو السوري، ولم تنم أبداً فى هذه البيئة.
وفى بعض المواقف، أجد من المفيد أن استخدم عالم الطبيعة لأصف الاتجاهات فى الجغرافية السياسية والعولمة، وهذا أحد تلك المواقف، فقد قال موقع «المشتل الوطنى» الأمريكى إن الأنواع المجتاحة تزدهر عندما يتم خرق النظام البيئى الطبيعى مثلما يحدث فى مواقع الإنشاءات والطرق.
وفى بعض الأحيان تسبب تلك الأنواع الغريبة، اضطرابات بيئية خطيرة حيث إنها تقضى على حياة النباتات الأخرى، وتتسبب فى ضغط كبير على النباتات والحيوانات المحلية، وتستلم الأنواع المهددة لهذه الضغوط فى نهاية المطاف، كما تغير النباتات المجتاحة معاقلها وتقلل التنوع البيولوجي.
ولا أستطيع التفكير فى طريقة أفضل من تلك لفهم «داعش». فهى عبارة عن ائتلاف يتكون جزء منه من مقاتلين جهاديين سنيين من حول العالم.
من الشيشان وليبيا وبريطانيا وفرنسا وأستراليا، خاصة السعودية، وقد استطاعوا الانتشار حتى الآن بسرعة كبيرة للغاية رغم أعدادهم القليلة نسبياً.
وأتاحت المجتمعات العراقية والسورية المفككة، لهؤلاء المجاهدين الأجانب إقامة تحالفات مع القبائل السنية العراقية والسورية المحلية العلمانية والضباط السابقين فى الجيش البعثي، وهؤلاء لم تكن اهتماماتهم دينية بقدر ما هى بشأن الكيفية التى يتم بها حكم العراق وسوريا.
واليوم تضغط داعش – الأجانب والمحليين سوياً – على كل الفصائل الأصيلة فى العراق وسوريا بدافع من الهدف المعلن بتقليل تنوع هذه المجتمعات متعددة الثقافات، وتحويلها إلى ثقافة واحدة كئيبة ومظلمة وجهادية وسنية أصولية.
ومن السهل معرفة كيف انتشرت «داعش».. فإذا نظرنا إلى حياة رجل عراقى سنى فى عمر الخمسين سنجد أنه خاض للمرة الأولى القتال، فى حرب العراق وإيران التى امتدت لـ 8 سنوات وانتهت فى 1988، ثم اضطر إلى المشاركة فى حرب الخليج الفارسى الأولى بعدما اجتاح صدام حسين الكويت.
وبعد ذلك، عاش على مدار عقد تحت عقوبات الأمم المتحدة التى قصمت ظهر الطبقة المتوسطة فى العراق. ثم تحمل سنوات الفوضى التى تلت الغزو الأمريكى التى انتهت بنظام شيعى فاسد ووحشى وموالى لإيران فى بغداد بقيادة رئيس الوزراء نورى المالكى الذى قام بكل ما فى استطاعته للإبقاء على السنة فقراء وضعفاء، وهذا هو النظام البيئى السياسى الذى وجدت فيه داعش تربة خصبة.
ولكن كيف نتعامل مع هذه الأنواع المجتاحة؟ قال الموقع الأمريكى إنه يجب استخدام المبيدات بعناية (مثل حرب أوباما الجوية)، وفى نفس الوقت العمل باستمرار على تقوية والحفاظ على النباتات الأصيلة (مثل محاولات أوباما لإقامة حكومة وحدة وطنية فى بغداد بين الشيعة والسنة والأكراد).
ومع ذلك، فقد قمنا على مدار سنوات تواجدنا فى العراق وأفغانستان بالإنفاق بشدة على المبيدات – أى الأسلحة والتدريبات – ولم نستثمر بما يكفى فى أفضل التحصينات ضد الأنواع المجتاحة وهى الحكومات غير الفاسدة والعادلة.
وينبغى علينا أن نضغط على الحكومة العراقية، الغنية بالنقدية، لكى تركز على أن تقدم لكل مواطن عراقى تحت حكمها الكهرباء على مدار 24 ساعة. وأن توفر له وظيفة ومدارس أفضل والمزيد من الأمن الشخصي، وأن تشعره بأنه مهما كانت طائفته لا يوجد مؤامرة تحاك ضده وأن صوته ذو أهمية.
وتسعى «داعش» حالياً، إلى أن تجعلنا نقصف القرى السنية، وبالتالى تبعد السنة المناهضين لها تدريجياً عن موالاتهم لأمريكا وتقربهم إليها، لأنها تعرف أنه لا نجاة لها دون مساندة السنة المناهضين.
ونحن دائماً نغالى فى تقدير التدريب والقوة العسكرية ونقلل من شأن ما يرغبه العرب والأفغان ألا وهو الحكومة العادلة والمحترمة، وبدون هذه الحكومة، لن يكون هناك سبيل لتنمية مواطنين حقيقيين لديهم الإرادة للقتال، ودون الإرادة لن يشكل التدريب أى فرق.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: نيويورك تايمز







