بقلم: نيك بوتلر
تعد أكثر الجوانب المشوقة فى العمل فى قطاع الطاقة – على الأقل بالنسبة لاقتصادى متواضع مثلى – هو أن الشركات تفكر وتتصرف على نطاق زمنى يمتد لعقود، ويتم تأسيس المشروعات لتدوم لـ 30 أو 40 عاماً وأكثر.
وهذا يختلف تماماً عن قطاعات مثل الاتصالات، حيث تكون وتيرة التغير سريعة للغاية بحيث لا معنى للتفكير لأبعد من خمس سنوات، ومع ذلك، يشير التراجع الحالى فى أسعار البترول والغاز والفحم إلى صعوبة اتخاذ القرارات الاستثمارية طويلة الأمد.
وعادة يأخذ إنشاء مشروعات الطاقة وقتاً طويلاً، فمحطة إنتاج الغاز الطبيعى المسال قد تحتاج من 6 إلى 8 سنوات ليكتمل بناؤها، أما المفاعلات النووية فقد تحتاج لعقد أو أكثر خاصة إذا كانت التكنولوجيا غير مثبتة أو معقدة للغاية.
ولا يأتى المردود المادى سوى عندما تدخل المحطات الخدمة وتعمل لعدة سنوات، وبخلاف ذلك، فإن تكاليف التشغيل عادة ما تكون منخفضة والتدفقات النقدية قوية ومضمونة، أو ينبغى أن تكون كذلك على الأقل.
ولكن هناك عدم اليقين بشأن الأسعار المستقبلية، فحتى مؤخرا، كان هناك إجماع على أن أسعار الطاقة سترتفع لا محالة، نظراً لأن احتياطيات الوقود الأحفورى محدودة، ولأنه تم الانتهاء من تطوير الحقول السهلة، وسوف يكون الجيل القادم من الإنتاج من أماكن أكثر بعداً، وبالتالى ستكون العمليات أكثر تكلفة، وهذه التوقعات هى ما دفعت الشركات للتنقيب فى مياه أكثر عمقاً وتضاريس أكثر صعوبة.
ومن الغريب بعد ذلك أن أسعار معظم مصادر الطاقة الرئيسية «باستثناء الطاقة النووية» آخذة فى التراجع، وهبط سعر البترول %30 منذ يونيو، ولا يظهر أى علامات على الانتعاش، ومن حيث القيمة الحقيقية، تراجعت أسعار البترول للمستوى الذى كانت عليه فى نوفمبر 1979، فى ذروة الثورة فى إيران.
واتعرض يومياً تقريباً لسؤال، وهو إذا ما كان الانخفاض الحالى فى الأسعار مؤقتاً أم دائماً، بالطبع لا أحد يعلم، خاصة أن سوق البترول سوق سياسى بالدرجة الأولى والأسعار فيه متقلبة.
ومع ذلك تميل كفة الآراء نحو التراجع أكثر من كفة الارتفاع نتيجة القوى الهيكلية الكامنة داخل القطاع، ويرى الكثير من الشركات أن هذه الآراء مجرد هرطقة وتهديد مباشر لخططها.
وسبب اتخاذى لوجهة النظر الهبوطية بسيط، فالتكنولوجيا تعمل بعدة طرق على زيادة المعروض وخفض الطلب، وفى العقد الماضى فتحت التكنولوجيا الباب أمام استخراج الغاز الصخرى فى الولايات المتحدة، وأثار ذلك مازالت تظهر حول العالم.
واستبعدت الولايات المتحدة الفحم تماماً من قطاع الطاقة الخاص بها، وكانت النتيجة أن أسعاره آخذة فى الهبوط، كما تسببت التكنولوجيا أيضا فى زيادة معدلات الاستخراج وخفّضت التكلفة، وساعدت القطاع على الاتجاه نحو المياه الأعمق والمناطق الجديدة.
وعلاوة على ذلك، تخفض التكنولوجيا التكاليف فى بعض أجزاء قطاع الطاقة النظيفة وخاصة الطاقة الشمسية، وأصبحت السيارات تستخدم وقودا أقل لكل ميل، ومن خلال تكنولوجيا الشبكة الذكية، أصبح فى الإمكان تحديد كمية الطاقة التى سنستهلكها.
ولا تزال تلك التطورات تحرز تقدما، وسوف تكون اللحظة الحاسمة فى مستقبل القطاع عندما تبدأ الصين فى إنتاج الغاز الصخري، وعندما تصل التطورات التكنولوجية فى قطاع الطاقة الشمسية إلى السوق التجاري، ولن تتوقف التكنولوجيا عند هذا الحد، فالاستثمارات التى جرت خلال العقد الماضى خاصة وليس حصراً فى الولايات المتحدة وأمريكا سوف تدفع نحو المزيد من التقدم.
وستواصل تلك التغيرات الهيكلية مسيرتها، وسوف تشجع بعض التغيرات التقنية – مثل تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات – على المزيد من الاستهلاك ولكن سيكون التأثير الإجمالى للتقدم التقنى هو الحد من الطلب وزيادة المعروض.
إذن، ما الذى يمكن أن تفعله الشركات المستثمرة حيال كل ذلك؟ تتمثل الخطوة الأولى فى تأجيل جميع المشروعات المكلفة، وهو اتجاه بدأ يظهر بالفعل، ورغم أن مشروعات الغاز المسال سوف يتم تأجيلها، سوف يكون هناك كمية وفيرة من الغاز فى العالم.
كما سوف يتم تأجيل مشروعات القطب الشمالى لأجل غير مسمى، وسوف تكافح الشركات لإيجاد مشروعات منخفضة التكلفة تكفيها لمواصلة نشاطاتها حتى عام 2020.
أما الخطوة الثانية فتتمثل فى التركيز على التكاليف من أجل ضمان تطوير المشروعات تطويراً مربحاً حتى إذا ظلت الأسعار منخفضة.
ويشير التاريخ إلى أن الشركات سوف تنجح فى تخفيض التكاليف، ويلوح فى الأفق وقت صعب للغاية بالنسبة لقطاع الخدمات الذى نما بشدة عندما كانت أسعار البترول عند 100 دولار للبرميل وأكثر.
وتتمثل الاستجابة المنطقية بمجرد انخفاض الأسعار فى الاستعداد لظروف يمكن أن تنخفض فيها الأسعار أكثر، وبالطبع هناك حد أدنى يمكن أن تتراجع الأسعار إليه، ولكننا لم نقترب من هذا الحد بأى حال من الأحوال بعد.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز








