أكد تقرير نشرته مجلة “فورتشن” الأمريكية أن القارة الأوروبية تعاني من مشكلات كبرى على المدى البعيد بدءًا من الشيخوخة السكانية إلى السياسات القديمة المتعلقة بالهجرة.
ونقل التقرير عن رئيس معهد “لودر” في مدرسة “وارتون” بجامعة بنسلفانيا “ماورو جيلين” قوله: إن الإجابة عما إذا كانت أوروبا تتجه نحو كارثة هي نعم ولا في نفس الوقت.
وأشار “جيلين” إلى أنه خلال السنوات الست الماضية كانت أزمة الديون السيادية تتصدر المشهد في أوروبا، مع ركود الاقتصاد، واستمرار الكساد، ليبدو حلم الاتحاد النقدي الدائم غير واقعي بالنسبة للكثير من العاطلين عن العمل.
وأبدى رئيس معهد “لودر” ثقته بأن أوروبا لن تنهار في الوقت القريب، حيث إنها تملك من الموارد ما يكفل لها التغلب على الأزمات الحالية، مع وجود مؤسسات قوية، وسكان لديهم مستوى تعليمي عال، وبنية تحتية حديثة، وعدد كبير من الشركات التنافسية.
وأوضح أن سياسة التقشف الحكومية في منطقة اليورو لتقليص الإنفاق والعجز قد تتسبب في صعوبات على المدى القصير، إلا أن الاقتصاد الأوروبي سيتمكن في النهاية من النمو مجددًا بعد انتهاء عملية تخفيض الديون.
ولكن مع حلول الوقت الذي سيتمكن فيه الاقتصاد من التعافي في أوروبا، فإن مشاكل أخرى سوف تواجه القارة العجوز من أبرزها “شيخوخة السكان”، حيث إنه خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين المقبلة سيفوق الأجداد عدد الأحفاد.
ويمثل ارتفاع عدد السكان مشكلة كبيرة، حيث إنهم يحصلون على معاشات ويطلبون عناية صحية كبيرة، بالإضافة إلى تراجع استهلاكهم خاصة بالنسبة للسلع المعمرة، وهو ما يعني وجود عبء على الاقتصاد جراء هبوط الاستهلاك، وارتفاع الضرائب للوفاء بالمنافع الاجتماعية.
وتتمثل المشكلة الثانية في أنه مع سنوات من تخفيض الموازنات الحكومية وإعادة هيكلة الشركات، فإن أوروبا ستشهد تراجعًا في مجالات العلوم والتكنولوجيا، حيث إن معظم الاستثمارات في الأبحاث والتنمية في القارة العجوز تقوم بها عادة الحكومات التي لن تتمكن من مجاراة الولايات المتحدة والعمالقة الناشئة في آسيا في الاهتمام بالإنفاق على هذه القطاعات.
وتكمن الأزمة الثالثة في الطبيعة السياسية الأوروبية، والتي تشهد انقسامًا بين دول القارة بين (شرق وغرب)، و(شمال وجنوب)، مع ارتفاع حالات عدم الثقة والاستياء وسط استمرار للأزمات دون حلول، وصعود حالات التوتر الاجتماعي، ما ممكن الأحزاب اليسارية واليمينية الرافضة لفكرة الاتحاد الأوروبي بأكملها من الحصول على شعبية أكبر في بعض البلدان.
ويعد أحد أبرز أسباب السخط السياسي في أنحاء أوروبا هو ما يعتبر تهديدات خارجية تشمل الهجرة، والاعتماد على الطاقة، حيث نجحت دول أوروبا الغربية في دمج ملايين من الوافدين والعمال الأجانب في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وسط ارتفاع في معدلات النمو، في حين تشهد الفترة الحالية منافسة في غير محلها بين المواطنين والمهاجرين على الوظائف.
كما تشهد القارة الأوروبية حالة من انعدام الأمن الاقتصادي مصحوبة بالضعف المادي خاصة فيما يتعلق بالهجمات الإرهابية، حيث يمثل الضعف في الأمن الاقتصادي والمادي مزيجا مدمرا قد يوجه الانتخابات المقبلة في بعض البلدان الأوروبية إلى منعطفات خطيرة.
وتشهد بعض البلدان الأوروبية أزمة أخرى تتمثل في الاعتماد على الطاقة القادمة من مصادر محدودة مع تجاهل أي خيارات بديلة قد تمنحها حرية أكبر، مثل اعتماد ألمانيا على روسيا فيما يخص الغاز الطبيعي، وتخلصها من محطات الطاقة النووية.
واعتبر التقرير أنه من الصعب مواجهة هذه المشكلات في وقت واحد، حيث تواجه الدول الأوروبية مخاطر ديموغرافية، وسياسية، واقتصادية أكبر من قدرتها على التحكم، والتي تأتي من شمال إفريقيا، والشرق الأوسط، وروسيا.
ويرى التقرير أن أوروبا لم تعد قادرة على إبراز نفسها كقوى عالمية، ولكنها بالتأكيد يمكن أن تهتم بإمكانية الظهور كقوى إيجابية في العالم، مع منح مواطنيها مستوى معيشيا عاليا، حيث إن التغلب على الأزمات الحالية لا يعني مستقبلا زاهيا لمواطني القارة العجوز.
وأشار إلى أن أسس الرخاء على المدى الطويل يجب أن تقوم على الاستثمار في المواطنين، وتحديث النظام الإداري والحكومي، والقيام بما يجب بشأن “تجديد التركيبة السكانية” بها عن طريق جذب وتشجيع الهجرة.