أخيراً تم افتتاح جراج التحرير هذا المشروع العملاق الذى ستنافس به مصر عالمياً فى فنون وعلوم الهندسة والإدارة والتخطيط فمشروع يستغرق بناؤه 18 عاماً فى القرن الواحد والعشرين وفى بلد بحجم وإمكانيات مصر لابد أن يكون عملاقاً ولكنه للأسف ليس كذلك هو مشروع حيوى ومهم لتيسير حياة البشر فى قلب عاصمة البلاد وميدان ثورتها على الفشل والديكتاتورية والتوريث استغرق كل تلك السنوات من أجل استيعاب ألف و700 سيارة و24 اتوبيساً.
إننا أمام افتتاح يكشف حجم الفجوة بين ما يجرى فى بلادنا وما يحدث فى العالم، 18 عاماً يستغرقها بناء جراج التحرير دون مسئولية على أحد فلا أحد يحاسب على جرائم فى حق هذا الشعب وتلك البلاد، نعم هى جريمة إهدار لموارد بلد تجرى منذ عقود وتفسر بشكل واضح ما آلت إليه أحوالنا فى مقابل هؤلاء الذين اختاروا رفاهية شعوبهم وتقدم أوطانهم.
تبدأ مصر فى بناء جراج التحرير منذ عام 1996 وتفتتحه فى 2014، بينما بدأت دبى فى بناء برج خليفة، أطول بناء فى العالم حتى الآن، عام 2004 وافتتحته وأبهرت العالم عام 2009 بعد 5 سنوات فقط رغم ما مرت به من أزمة مالية طاحنة كادت تؤذى بنموذج دبى فى التنمية المثقلة بأعباء الاقتراض ومع ذلك تم إنجاز المشروع فى موعده وبات أحد المعالم العالمية لأن هناك تخطيطاً وإدارة حقيقية بعيدة عن خزعبلات الجولات الميدانية للوزراء والتصريحات والفرقعات والمغامرة بمستقبل البلاد فى أحيان عديدة ومتكررة بمشروعات وهمية بلا دراسة أو جدوى أو جدول زمنى لإنجازها والقائمة طويلة لم تبدأ بمشروع توشكى ولن يكون آخرها المركز اللوجيستى طالما لا أحد تتم محاسبته على اهدار موارد البلاد وخداع الناس والمتاجرة بأحلامهم بل وبآلامهم وأمراضهم كما جرى فى جهاز علاج فيروس سى الذى تحول إلى مشروع الكفتة لصاحبه عبدالعاطى دون ان يكلف مسئول واحد فى الدولة عناء الاعتذار لمن تعلقت آمالهم بهذا الجهاز الوهمى للشفاء من أوجاعهم.
برج خليفة 180 طابقاً بناه 12 ألف عامل ومهندس على مساحة 526 ألفاً و760 متراً مربعاً وسط مساحة إجمالية 4 ملايين متر بطول 828 متراً واستخدم فى بنائه 31 ألفاً و400 طن مترى من الفولاذ و28 ألفاً و261 لوحاً زجاجياً وبه 57 مصعداً كل ذلك وأكثر تم بناؤه فى 5 سنوات ونحن نفتتح جراج التحرير بعد 18 عاماً وسط عاصمة تعد أحد وأهم عواصم العالم وتحتاج لعشرات ومئات الجراجات لفك أزمة المرور التى باتت تمثل فضيحة وسط ما تشهده عواصم العالم من تنظيم وإدارة مرورية محترفة وليست منحة حصلت عليها وزارة الداخلية لتحصيل الغرامات بإدارة مرورية تكاد تكون وسائلها تختفى من العالم المتحضر بالطبع لأن البعض سيحلو له ان يقارن ما نحن فيه مع من هم أسوأ منا وهؤلاء هم سبب نكبة البلاد وممن يريدون ان نرضى بأداء كل مدير فاشل وأخطاء كل مسئول يعتبر ما يقوم به منحة للمواطنين وليس واجباً يحتم عليه عمله ومنصبه الذى يسعى للوصول إليه ليل نهار حتى ما أن يستقر على كرسيه فإذا به يتقمص شخصية الزاهد فى المنصب أو المتبرع به كما يتحول إلى شخص أسطورى لا يعرف النوم طريقه إلى جفونه يعمل ليل نهار لخدمة الوطن لأنه العبقرى الوحيد بالطبع وكل من يعملون معه ما هم إلا منفذون لرؤيته الثاقبة والنتيجة ما نحن فيه من تذيل مؤشرات الأداء فى غالبية مناحى الحياة.
وزير حالى تقمصته روح الكائنات الفضائية، فإذا به يخبر الصحفيين أنه وزملاءه يقومون بكل شىء فى وقت واحد حتى أنه لا يعرف ماذا ستفعل الحكومات المقبلة لأنه وزملاءه من وجهة نظره يضعون الخطط لكل شىء وينفذون أفضل رؤية لمستقبل البلاد وبالطبع يشعر المواطن بجهود سيادته بشكل واضح فى تدهور قيمة عملة البلاد وارتفاع الأسعار وتدنى مستوى الخدمات التى يحصل عليها من تعليم وصحة ونقل وغيرها ولكن علينا أن نتحمل حتى يقضى سيادته فترة الوزارة الحالية والمقبلة ثم يطل علينا رئيس وزراء ثم رئيس شركة علامة فاشل ثم مؤلف لكتاب يمجد فيه نفسه ودوره البطولى ثم سياسى لا علاقة له بالمستقبل، وهكذا فهؤلاء لا يخرجون من اللعبة حتى يقضوا على طموحات أجيال عديدة فى إدارة أفضل لموارد العباد لأنهم منذ البداية استمروا فى مناصبهم رغم تواضع وتدنى إنجازهم.
«جراج التحرير» شهادة حصل فيها من أدواره على مجموع ضعيف جداً فهل من جديد فى اختيار قيادات البلاد ممن يجيدون استثمار مواردها لصالح مواطنيها أم أن الحد الأقصى للأجور سيعيدنا إلى أنصاف المحترفين وقائمة المشتاقين وكله تمام يا فندم.. ربنا يستر.








