تعود أسواق السلع الأساسية إلى التأثر على نحو أكبر بأساسيات الطلب والعرض الفردى، بدلاً من الاقتصاد الكلى والعوامل السياسية، وبعد أن كانت أسعار السلع والأصول تهبط وتصعد بتناسق، بدأت فى إظهار بعض الاختلاف.
ويبدو أن الحالة التى تدعى بـ«التراجع»، بمعنى أن أسعار الشهر الفورى أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، التى تميز بعض السلع هى مؤشر على هذا التغير، وعادة ما تشير حالة «التراجع» إلى تقلص العرض والطلب على المدى القصير.
ولكن عندما تكون الإمدادات وفيرةً وأسعار السلع آخذة فى التراجع، تميل الأسعار المستقبلية لأن تكون فى الاتجاه العكسي، وهو ما يعرف بـ«الكونتانجو»، وهى الحالة التى يعانى منها البترول الخام حالياً؛ نظراً إلى توافر إنتاج البترول الصخرى الأمريكى، وغياب خفض الإنتاج من قبل منظمة الأوبك، وهو ما أدى إلى زيادة الإمدادات فى ظل ضعف الطلب.
وبحسب صحيفة الفاينانشيال تايمز، فإن ظروف الطقس الجيدة حول العالم تشير إلى وفرة إمدادات الحبوب، وهو ما يجعلها هى الأخرى تشهد حالةً من «الكونتانجو»، ولكن هناك العديد من المواد الخام التى تشهد حالة من «التراجع»، بما فى ذلك النحاس ومنتجات البترول، مثل زيت التدفئة، وفول الصويا والكاكاو.
وبعد أربعة أو خمسة أعوام من ارتباط ارتفاع أسعار السلع بالأصول المالية الأخرى، عندما كانت الأسواق تتأثر بالاقتصاد الكلى والعوامل السياسية، يبدو أن المواد الخام تعود إلى الفترة التى كانت أكثر تأثراً حينها بأساسيات الطلب والعرض الفردي.
ومن ناحية أخرى، ازداد الارتباط بين سوق السلع الأساسية والأسواق المالية الأخرى، مثل الأسهم، وأيضاً بين أسواق المواد الخام الفردية، بين عامى 2008 و2012، بسبب السياسة النقدية الفضفاضة فى الولايات المتحدة والسياسة النقدية التحفيزية فى الصين.
ومع ذلك، تراجع هذا الارتباط فى الأشهر الأخيرة. ويقول رئيس قسم أبحاث السلع الأساسية لدى «باركليز»، كيفين نوريش، إن ارتباط قطاعات السلع الفرعية بالأصول المالية الأخرى تراجع فى عام 2014، واستمرت المستويات المتراجعة منذ ذلك الحين.
وربما يروق هذا الاتجاه للمتداولين والمستثمرين الذين يمتلكون دراية بتفاصيل ودواخل العوامل المتحكمة فى أسواق السلع الأساسية.
وفى الواقع، فإن الاتجاهات الأخيرة فى أسواق السلع، ولاسيما انخفاض أسعار البترول، جعلت القطاع غير جذاب بالنسبة لمن يستثمرون فى الأصول طويلة الأجل، ولكن هؤلاء الذين استثمروا فى السلع الأساسية، وهى فى حالة «التراجع» قد يحققون أرباحاً، وذلك من خلال تحويل العقود قصيرة الأجل إلى عقود طويلة الأجل، حيث يتمكنون من بيع مخصصاتهم الحالية بأسعار أعلى من تكلفة شرائها فى العقود الآجلة.
وذكرت الصحيفة، أنه رغم توقعات تراجع فائض الإمدادات فى عام 2014، فإن النحاس يعد فى حالة من «التراجع» منذ يوليو الماضي.
ويعتقد المتداولون والمحللون، أن الصين تشترى كميات كبيرة غير محددة من المعدن الأحمر الذى يستخدم فى الدولة كضامن لصفقات التمويل، كما يعتقدون أن المشترى هو مكتب احتياطى الدولة، الذى يدير احتياطيات الصين من السلع، والذى يبتلع أيضاً عقود التسليم الفورى للنحاس.
وظل سوق فول الصويا محدوداً جراء الطلب على أعلاف المواشى والدواجن، وتعد الأرجنتين أكبر مستورد لفول الصويا، حيث تشكل وارداتها %40 من تجارة فول الصويا العالمية، وقام المزارعون هناك بتخزين فول الصويا كمصدر للدخل؛ نظراً إلى تداوله بالدولار، وذلك فى مواجهة ارتفاع معدلات التضخم وهبوط قيمة العملة.
ورغم أن البترول الخام يشهد وفرةً فى الإمدادات، فبعض منتجات البترول تعد فى حالة «التراجع» مثل زيت التدفئة الذى دخل هذه الحالة منذ أكتوبر الماضى؛ بسبب ازدياد شراء المستخدمين جراء انخفاض الأسعار.








