القس الذى كتب صكوك الغفران لعملاء « إتش إس بى سي »

عالم الخطيئة فى المصرف السويسرى يديره رئيس البنك
الحكومات تساوم المتهربين من الضرائب بدلاً من محاكمتهم

القوانين لا تلاحق بنوك تقديم الحسابات السوداء لعملاء مشبوهين

العمليات القذرة فى القطاع المالى تطبق نموذجاً ملتوياً للرأسمالية

مازال المواطنون ينتظرون خفض الخدمات المقدمة إليهم على مدار السنوات المقبلة، رغم أنهم يعملون بجد لدفع الضرائب، ولذلك يحق لهم أن يغضبوا ضد الأغنياء الذين يتهربون من التزاماتهم والمصرفيين الذين يساعدونهم على ذلك، والساسة الذين ما زالوا يرفضون التعامل بقوة مع هذه القضايا.
بعيداً عن تفاصيل الحسابات ونوعية العمليات القذرة التى تسهم أنظمة الحسابات السرية فى البنوك، خصوصاً السويسرية فى دعمها مثل التهرب الضريبى، وتجارة الألماس، وغسل أموال مافيا تجارة المخدرات الدولية، فإن التواطؤ داخل النظام المالى الغربى معها هو الأكثر وضوحاً.

ففى البنك السويسرى « إتش إس بى سي »، صاحب ملفات الفضيحة التى ضربت القطاع المصرفى العالمى، يحتل مقعد الرئيس إبان تواجد هذه الحسابات المشبوهة «قس» غير متفرغ ألف كتاباً حول القيم الأخلاقية للتعاملات داخل أسواق المال.

«القيم كلمة تتجاوز كل ما يمكن أن تقوله عنها»، جملة مطمئنة كتبها القس ستيفن جرين، فى كتابه الشهير «القيمة: انعكاساتها على المال والأخلاق وعالم مضطرب»، وهو الكتاب الذى كتبه من واقع تجربته الأخلاقية فى إدارة أكبر بنوك العالم، قبل أن يتولى حقيبة وزارية فى حكومة ديفيد كاميرون فى بريطانيا.
ومع ذلك فإن ملفات « إتش إس بى سي » المبجل تعرفنا بأن هذا البنك تحت إدارته عندما كان رئيساً تنفيذياً، ثم رئيساً له تورط فى إخفاء حسابات سوداء من متهربين من الضرائب، وتقديم خدمات حفظ الأموال الخاصة برجال أعمال فاسدين والسماح بسحب كتل من الأموال النقدية، لا يمكن تعقبها مانحاً إياهم صكوك الغفران مقابل استفادة البنك بوضع هذه الأموال غير النظيفة فى أرصدته.
وفى تحليل لجريدة الجارديان، رسم دائرة الخطيئة المصرفية، حيث بدأ بالحديث عن رئيس البنك الذى أسس لممارسات أخلاقية، لم يلتزم بها قائلة: إنه فى مواجهة هذه الحقائق القبيحة حول عمليات بنكه السويسرى السابق، قال اللورد جرين، إن الأمر يعود للبنك، وليس له أن يعلق على التصرفات القديمة والحديثة الخاصة بإدارته.
أضاف التحليل، أن حديث رئيس البنك السابق، لا يستدعى العجب إذا سمعنا حجته التى كررها رئيس وحدة الأنشطة العالمية فى مقر البنك فى لندن، أنه لا يمكنه معرفة تفاصيل ما يقوم به زملاؤه فى المقر الرئيس بجنيف بعيداً عنه.
وللأسف بالنسبة لـ«جرين» هذه الحجة يضربها رأي كتبه بيده فى كتابه يقول: «بالنسبة للشركات فمن أين تبدأ المسئولية الأخلاقية؟ قطعاً من مجالس الإدارات، ولا يوجد مهمة أكثر أهمية من ذلك ليقوموا بها. هذه وظيفتهم.. لحث وتطبيع منظمتهم بالثقافة الأخلاقية والأعمال الهادفة.
وحتى إذا فشل اللورد جرين ببساطة فى توضيح لمن تعود العمليات المارقة للبنك السويسرى، فإن من الواضح أن فشله فى منعها فى حد ذاته أمر خطير، خصوصاً أن ستيفن جرين، رجل الدين البارع له عين قادرة على التقاط التفاصيل؛ لأنه معروف بأنه خبير مخضرم فى التمويل الأخلاقى، وبحسب الصحيفة، فإن جذور قصة التلاعب المصرفى تعود إلى ثقافة تسود القطاع المالى العالمى تتضح فى تطبيق نموذج ملتوٍ من الرأسمالية.
جزء أيضاً من دائرة الخطيئة يمس الحكومة البريطانية، ورئيسها ديفيد كاميرون الذى اختار جرين وزيراً، يعمل معه، وقد فشل أيضاً ديفيد جيوك، وزير الخزانة البريطانى فى الإجابة عن ذات السؤال، حول ما إذا كانوا كزملاء «جرين» فكروا فى سؤاله حول تلاعب بنك «اتش اس بى سي» عقب الحصول على ملفات فساد عام 2010، وكأنهم لا يعلمون شيئاً.
وتستمر عملية التواطؤ داخل مجلس العموم البريطانى الذى لم يتصد للقضية ذاتها فى حينها، ليكون الأمر محبطاً حقاً، وتطرح الصحيفة سؤالاً: هل من المعقول أن أكثر من 3 آلاف حالة حققت فيها هيئة الإيرادات والجمارك الملكية فى بريطانيا حول مساهمة البنك السويسرى بقوة كملجأ للتهرب يسفر عن تحويل حالة واحدة للمحاكمة، وهذه الحالة تخص شخصاً هو بالفعل يواجه محاكمة بسبب تهربه الضريبي؟
من حق العائلات اليائسة أن تغضب من مطاردتها إلى السجن؛ بسبب عدم الإفصاح عن أموال، حصلوا عليها مقابل عمل، لم تخضع للضرائب أو التأمين عندما تشاهد ذلك وتكفر غاضبة بهذه القواعد.
وبدلاً من أن تظهر هيئة الإيرادات والجمارك كجهة إنفاذ للقانون، فإنها كجزء من دائرة الخطيئة تظهر أثناء التعامل مع الأثرياء بأنها تتمتع بروح تفاوضية ناعمة جداً، وبالتالى فما الذى يمكن أن تحصل عليه من متهربين؟. ولماذا إذا ثبت الانغماس فى تهرب غير قانونى أو تهرب قانونى، يتم النقاش حول مقاضاة فقط العملاء الأفراد دون رفع دعاوى قضائية ضد البنك؟
يطرح الكثيرون سؤالاً أكثر أهمية على الأقل بالنسبة للمواطنين العقلاء الذين يعملون بسعادة مقابل رواتب، يتم خصم الضرائب عليها من المنبع فتذهب للبنك المركزي. فتحديداً ما السبب الوجيه الذى من أجله يتم إخفاء الأموال فى سويسرا؟
حتى مع الاعتراف بمشكلات التهرب الضريبى يصر بنك «اتش اس بى سي» على أن هناك العديد من الأسباب القانونية لامتلاك حساب فى بنك سويسرى، لكنه تجاهل شرح ماهية هذه الأسباب التى قد تكون.
وتقول الجارديان، ساخرة، قد تكون هذه الأسباب هى وجود شخص غريب له روابط بأسرة سويسرية أو خطط للاستثمار فى أنشطة تجارية حقيقة سويسرية، فهل هذه الأسباب مفهمومة ضمنياً بحق، ولا تحتاج إلى مزيد من التوضيح؟ فإذا كان من الممكن التسامح مع أنشطة البنوك الخاصة خارج البلاد بالكامل، فإنه فى ضوء الممارسات الخاطئة الممنهجة التى تكشفت هذا الأسبوع يجب تحويل مسئولية شرح أسباب الحاجة لمثل هذه الحسابات البنكية الى الأفراد.
ومع ذلك هذه ليست طريقة التعامل التى تنتهجها بريطانيا إلى يومنا هذا، فمن اتفاق مكافحة التهرب الضريبى غير المكتمل الذى وقعه وزير المالية جورج أوسبورن مع سويسرا، والذى وعد بزيادة العائدات إلى العفو الاستثنائى مع دفع الفوائد للمتهربين فى إمارة ليختنشتاين الألمانية، يظهر أسلوب التعامل مع التلاعب الضريبى على أنه موضوع للمساومة أولاً، ويأتى التعامل معه على أنه جريمة ثانياً.
وتتسع دائرة التواطؤ مع بنك ثبت منذ أعوام أن له علاقةً بأنشطة مشبوهة إذا علمنا بالانتقال الناعم لرئيس هيئة الإيرادات والجمارك الملكية الأسبق داف هارتنت إلى منصب استشارى فى بنك « اتش اس بى سي » العام الماضى التساهل فى التعامل مع هذه القضايا.