تكوين منحنى عائد طويل الأجل وطرح إصدارات يمكن المستثمرين من قياس المخاطر وتحديد سعر الأموال
الهوس المصرى بقيمة الجنيه وصندوق النقد وديون الحكومة فى غير محله
قيمة العملة المحلية لم تكن المشكلة ولن تكون الحل ويجب ألا نتعامل معها وكأننا فى عالم منفصل
حرب العملات مشتعلة عالمياً والجنيه جزء منها ودول العالم تسعى لسرقة النمو بخفض عملتها ماعدا أمريكا
زيادة المعروض من السلع والمنتجات أقوى أساليب محاربة انفلات الأسعار
الحكومة الحالية تعى دورها جيداً ووضعت خطة اقتصادية لها أهداف واقعية وواضحة
التركيز الآن على تعزيز النمو وضمان عدالة توزيع ثماره وقوة المؤسسات ومراعاة الطبقات المهمشة
قوانين الاستثمار الموحد والضرائب ضرورية لدعم موقف مصر التنافسى أمام الدول الباحثة عن استثمارات
اعتبر د. محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين فى مؤسسة «أليانز» ورئيس مجلس التنمية العالمية التابع للرئيس الأمريكى باراك أوباما، أن عقد مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى بحد ذاته خبر إيجابى على صعيد التوليفة القوية من الوفود الرسمية والمستويات العالية من ممثلى القطاع الخاص الدولى والمراقبين.
ودعا العريان فى حوار اختص به «Daily News Egypt» إلى عدم اعتبار الأرقام المعلنة عن المساعدات والاستثمارات معياراً لنجاح المؤتمر، فهذا المؤتمر مختلف، ولم يتم تنظيمه للإعلان عن رقم كبير بلا معنى وانما يشهد طرح المزيد والمزيد من المبادرات والمشروعات المشتركة، فالنجاح يكمن فى نشر وتبادل المعلومات وتركيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص «P.P.P»، والشراكة بين المستثمرين المحليين، والأجانب والعرب، فضلاً عن دور المجتمع المدنى، وهذا النجاح من الصعب قياسه، ولكنه يظهر فى التفاعل الجاد من جانب المستثمرين مع المبادرات الحكومية.
وطالب العريان الحكومة، بأن تواصل العمل بعد المؤتمر فى تنفيذ رؤيتها الاقتصادية، وأن يكون الهدف هو مصر 2020، يتردد ويتكرر دائماً على ألسنة المصريين بداية من رأس الدولة حتى رجل الشارع البسيط.
ورداً على سؤال حول الانقسام الذى عانى منه المجتمع المصرى فى الفترة الأخيرة ولايزال ودوره السلبى فى التوحد حول هدف واحد، قال العريان: «من الطبيعى أن نختلف سياسياً، ولكن فى النهاية نطمح جميعاً فى مستقبل أفضل لأولادنا فالنمو الاقتصادى هو ان تخلق إمكانيات للمستقبل فلا خلاف على خلق فرص لأولادنا».
وأردف عضو لجنة العلماء والخبراء التى شكلها الرئيس عبدالفتاح السيسى: من واقع حياتى خارج مصر والتى أتاحت لى فرصة المقارنة بين ما تقوم به وما يحدث فى الدول الأخرى، والعمل مع صندوق النقد الدولى لمدة 15 عاماً والاطلاع على ملفات الدول التى مرت بالظروف نفسها وانتهجت نهج الإصلاح الاقتصادى، أرى أن مصر لديها مقومات النجاح فى ظل توافر الموارد البشرية والمواد الخام والموقع وهى أمور لم يتم استغلالها بالشكل الكافى، وإن كنا فى حاجة لإصلاح التعليم ورفع المهارات، فمصر لديها رأسمال بشرى ضخم وخلاق، وهو ما نشهده فى انتشار المصريين بالخارج ونجاحهم بشكل لافت فى جميع المناصب.
وشدد د. محمد العريان على أن النجاح لا يأتى وحده، وانما يتطلب أن يستوعب الجميع وصول مصر للتنمية الاقتصادية يحتاج جهودنا جميعاً، وأن تعى الحكومة دورها فى تحسين الوضع الاقتصادى، وهو ما يحدث الآن من خلال ثلاث خطوات.
أضاف أن الخطوة الأولى تتمثل فى الخطة الاقتصادية الجادة ولها أهداف واقعية وواضحة، فقبل ان نبدأ رحلة يجب ان نعرف أين هى الوجهة؟، أما الخطوة الثانية فهى الاهتمام الكبير بتحقيق التنمية الشاملة وقضايا الشرائح الدنيا، وان تعم نتائج التنمية جميع المواطنين من خلال التعليم والصحة والصرف الصحى والتشغيل، وهو ما يتماشى مع الحس المتزايد عالمياً بضرورة استفادة الجميع من نتائج وثمار النمو وخطورة عدم المساواة.
وتكمن الخطوة الثالثة فى التوجه المختلف تماماً من الدول الصديقة لمصر، فالأمر لم يعد يقتصر على «الشيكات» فقط، وانما أصبحوا يتواجدون فى المشروعات التى يقومون بتمويلها كالمدارس والمستشفيات وباتوا وكأنهم يمتلكون حصة من تحسين ظروف المواطن المصرى.
ورأى أن الخطوات الثلاث السابقة مشجعة جداً والمفتاح الآن هو التنفيذ، ما يتطلب تقوية المؤسسات وجذب الاستثمارات.
وانتقل الحديث مع الخبير الاقتصادى العالمى إلى عدة أمور اعتبرها غير مهمة، ويجب أن تكون فى مؤخرة اهتمامات المصريين وقال: «هناك هوس فى مصر بعدة أمور كقيمة الجنيه وصندوق النقد الدولى والديون الحكومية، وأرى ان هذا الهوس والاهتمام الزائد فى غير محله».
وأوضح العريان أن قيمة الجنيه لم تكن يوماً هى المشكلة ولن تكون الحل، فانخفاض العملة المحلية ناتج لما يجرى فى الداخل والخارج، فعالمياً هناك حرب عملات تزداد يوماً بعد يوم، حتى أن كوريا الجنوبية خفضت مؤخراً سعر الفائدة إلى %1.7، وصرحت رسمياً بأن هذه الخطوة تأتى لإضعاف قيمة العملة، كما هبط اليورو وبنحو %26 أمام الدولار، فهناك حرب عملات ومساعٍ محمومة لخفض قيمة العملة، فيما عدا الاقتصاد الأمريكى الوحيد الذى يسعى لتقوية العملة.
لذلك يجب أن نتفهم أننا جزء من حرب عملات يقاوم فيها الجميع ارتفاع قيمة عملتهم للحفاظ على جاذبية صادراتهم كوجهات استثمارية، والأوروبيون على سبيل المثال يريدون نمواً أسرع، وأردف قائلاً: «فى هذا العالم إن لم تستطع أن تحقق نمواً اقتصادياً فعليك أن تسرقه عن طريق تخفيض قيمة العملة».
أما فى مصر فنحن نتعامل مع الجنيه كأننا فى عالم منفصل.
ورداً على سؤال حول الموجة التضخمية التى يعانى منها المصريون، كلما انخفضت قيمة العملة وضعف قبضة الحكومة فى رقابة الأسواق، قال العريان إن الحل يكمن فى زيادة العرض.
أما بالنسبة لصندوق النقد الدولى، فأرى أنه يجب أن يغير المصريون نظرتهم إلى الصندوق ودوره كما يجب أن يغير الصندوق أيضاً نظرته وتعامله مع مصر، وأضاف أن الاتفاق مع الصندوق سيتم على أساس برنامج إصلاح اقتصادى مصرى %100، ولن يقود الصندوق الدفة، وانما ستكون القيادة مصرية.
ولا تعد الديون الحكومية التى اقتربت من حاجز تريليونى جنيه داخلياً ونحو 45 مليار دولار خارجياً مشكلة من وجهة نظر د. محمد العريان، فبالنسبة للديون الخارجية لاتزال فى مستوى آمن بالمقارنة بالناتج المحلى الإجمالي، كما لاتزال هناك مساحة للاقتراض فى حالة إدارة الاقتصاد بشكل جيد، وتقارير مؤسسات التصنيف الائتمانى الدولية لا تتطرق إلى الدين المصرى ولا تتحدث عن أية احتمالات للإخفاق فى السداد، وبالتالى ليس هناك خطر تعثر يلوح فى الأفق، وإنما يتخوف من معدلات النمو الاقتصادى، والتى بدأت فى الارتفاع مؤخراً، أما الديون الداخلية فبالجنيه المصرى ومعظمها للقطاع العام.
لذلك، رأى كبير المستشارين الاقتصاديين لدى «أليانز»، أن هناك خمسة أمور أخرى ينبغى أن تتصدر الأولويات بعيداً عن هذه الهواجس، وهى: تعزيز النمو الاقتصادى وضمان عدالة توزيع ثمار النمو، وأن يكون الهدف والرؤية الحكويمة جزءاً من الـ«DNA» للمصريين، ووجود مؤسسات قطاع خاص قوية تستثمر وتتمتع بالديناميكية، فأمريكا على سبيل المثال لم يتم اعتماد ميزانيتها منذ 6 سنوات وتحقق اليوم أداءً اقتصادياً مبهراً، وأخيراً مراعاة الفئات المهمشة.
وأكد العريان أن الحكومة المصرية تولى حالياً هذه الأمور الخمسة اهتماماً شديداً، لكن تحقيقها يشبه تحريك ناقلة عملاقة.
وبالنسبة للاستثمار الأجنبى المباشر فهو من وجهة نظر العريان نتاج لما تفعله الحكومة داخلياً وما يجرى فى الخارج، فبعد أن وصلت مصر لمعدلات مرتفعة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة عام 2007، تسببت الأزمة المالية العالمية فى نهاية 2008 فى هرولة الاستثمارات الأجنبية لتعود إلى بلادها خوفاً مما يجرى، فالاستثمار الأجنبى المباشر مثل السياحة يأتى عند تهيئة الأوضاع والمناخ ويعاود أدراجه بمجرد حدوث أية قلاقل.
أضاف أن مصر فى رحلة حالياً، وما حدث فى عام 2011 و 30 يونيو كان مهماً جداً لتمكين الشعب من الحصول على حقوقه وإشعار المواطن بأنه يملك القرار، وكان تغييراً محورياً يدعو للتفاؤل، والآن على المؤسسات أن تلحق بركب التغيير.
وتابع: نحن نسير فى عملية إصلاح ستستمر طويلاً، فإن كنت مستثمراً أجنبياً ونظرت إلى مشهد التقلب السياسى الذى حدث فى السنوات الأخيرة، وترى انه أمر مخيف سيدعوك للتردد، وحالياً يتلاشى هذا التردد مما ينعكس على الاستثمار الأجنبى المباشر بالارتفاع.
ومن مؤشرات التعافى أيضاً الأداء القوى للبورصة المصرية، التى كانت من ضمن الأسواق الأفضل أداء العام الماضى، وجاء نموها اللافت إلى أنها تمكن المستثمرين من التخارج السريع بعكس الاستثمارات المباشرة التى تحتاج وقتاً طويلاً للدخول والإنتاج والتخارج.
وأثنى الاقتصادى العالمى على قانون الاستثمار الجديد وخفض سعر الضريبة، خاصة أن المستثمرين الدوليين لديهم بدائل أخرى، ودائماً ما يتخذون قراراتهم الاستثمارية بالتوجه إلى سوق ما بعد المفاضلة بين بيئة الاستثمار والحوافز والنظام الضريبى واستقراره فى ظل منافسة شديدة دولياً على استقطاب الاستثمارات، خاصة فى الفترة الحالية التى تشهد ركوداً اقتصادياً عالمياً، كما يحتاج أكثر إلى الثقة فى الحكومة وانخفاض معدلات عدم اليقين.
وفسر د. محمد العريان تركيز الحكومة على طرح مشروعات البنية الأساسية بما تعلمه المصريون من نكسة عام 1967 وهو السيطرة على الجو، والآن علينا ان نضمن مناخ الاستثمار ونهيئه وان نسير حسب التسلسل المنطقى، وأول مرحلة لتحول مصر اقتصادياً هى خلق الأجواء المشجعة التى تحفز المستثمرين لإقامة مصانع جديدة تستوعب الشباب وتزيد المعروض من المنتجات والسلع وللتصدير وتعديل الميزان التجارى مع الشركاء الدوليين.
ورأى أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تنشط وتنجح فى مشروعات البنية التحتية، وتنظر فيها الحكومة للقطاع الخاص للحصول على التمويل والخبرة، بينما يبحث القطاع الخاص عن فتح الباب للاستثمار.
وأضاف أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة قادرة على إحداث الفارق وخلق فرص العمل، مشيراً إلى أن نجاح رواد الأعمال وزيادة أعدادهم والأفكار الخلاقة التى يطرحونها مؤخراً، خاصة بعد الثورة التى زادت من جرأة الشباب على العمل بعيداً عن الحكومة ومنحتهم الثقة فى أنفسهم وأنهم قادرون على النجاح والتغيير.
إلى ذلك، حدد د. محمد العريان مستوى 7 إلى %8 نمواً اقتصادياً سنوياً كهدف «رائع» لأن تحققه مصر فى السنوات المقبلة، لكن الاقتصاد المصرى يحتاج إلى زيادة معدلات نموه إلى %5 أولاً.
وتطرق إلى سوق الدين، وقال إن على الحكومة العمل على تكوين منحنى عائد طويل الأجل، وان يكون لدينا إصدارات من السندات بمدد طويلة حتى يستطيع القطاع الخاص تسعير القروض على أساسها، مضيفاً أن المستثمرين ينظرون إلى منحنى العائد لقياس المخاطر وللوقوف على سعر الفائدة على الأموال، وهى خطوة ستمكن القطاع الخاص من تنويع مصادر أمواله وآجالها وخلق سوق ديون نشط.
حوار: زياد أيمن








