بقلم: سونر كاجبتاي، وجيمس جيفري، ومهدى خلجي
دفع الإعلان عن اتفاق مبدئى بين الولايات المتحدة وإيران الشهر الماضى بالبعض للاعتقاد بأن إيران سوف تدخل النظام الدولى كلاعب مسئول، ولكن هذا التفاؤل يتجاهل حقيقة أن حكومة إيران الحالية لا تزال تحمل سمة التاريخ الاستعمارى الطويل، والطموحات الإقليمية الفارسية القديمة.
وعاش العالم مع قوى مهيمنة، فروسيا، وفرنسا، وألمانيا، واليابان، وبريطانيا، كانت لها طموحات مشابهة قبل الحرب العالمية الأولى، وهى التى دفعت باتجاه الحرب فى 1914، ثم مرة أخرى فى 1939، وسعت ألمانيا النازية إلى الهيمنة على أوروبا من المحيط الأطلنطى وحتى نهر الفولجا، وتحويل الدول الأخرى إلى دول تابعة، وترسيخ سيطرتها العسكرية، والاقتصادية، والدبلوماسية بالكامل.
وفى أعقاب هذا الدمار والفوضى، أسس النظام العالمى بقيادة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية قواعد للمجتمع الدولى، جعلت هذه القوى تحت السيطرة وحتى اليوم، تعترف الدول ذات الميول الاستعمارية، مثل الصين، بشرعية هذا النظام الدولي.
أما إيران فتتحدى هذا النظام الدولى بوقاحة، وتواصل توسيع نفوذها من خلال تشكيلة من الإرهاب، ونشر الأسلحة، والوكالات العسكرية، وفى بعض الأحيان التكتيكات الدبلوماسية القديمة لتعزيز سيطرتها.
ورغم أنه يُنظر إلى الثورة الإسلامية فى 1979 بقيادة الخمينى على أنها بداية النظرة الإيرانية الاستعمارية للعالم، فإن طموحات الهيمنة تعود إلى الدولة الصفوية فى القرن السادس عشر، فقد سعى الصفويون إلى خلق مسافة بينهم وبين الدولة العثمانية، وإعادة تشكيل إيران لتكون القوة الشيعية الوشيكة، وفى القرون التالية، سيطرت إيران على أفغانستان، والخليج «العربى»، والعراق، وجنوب القوقاز.
وأوقفت إيران نشاطاتها التوسعية فى القرن الثامن عشر عندما دخلت فى ركود بسبب الحروب المنهكة ضد العثمانيين والروس، وخلال الحرب الباردة، استغل الشاه التأييد الأمريكى لتعزيز القوة الاستعمارية الإيرانية مجدداً، ووسعت الدعم المالى والعسكرى للمجتمعات الشيعية ولوكلائها عبر الشرق الأوسط، ففى بداية السبعينيات على سبيل المثال، ساندت إيران الأكراد العراقيين لفرض نفوذها على صدام الحسين فى العراق.
وبالمثل فى عام 1975، أصدر موسى الصدر، رجل الدين الإيراني، المدعوم من الشاه، فتوى يعلن فيها العلويين السوريين كشيعة، وهذا أخضع العلويين السوريين لسلطتها للأبد، ما له تداعيات مأساوية على الحرب الأهلية فى سوريا اليوم.
وفى عام 1979، قام قادة الثورة المناهضة للولايات المتحدة بصهر أفكارهم القومية بشأن الأمجاد الفارسية الماضية مع الأيديولوجية الألفية لخلق دولة إسلامية موحدة عسكرية، ومع ذلك، وبعد الحرب الدموية الطويلة بين العراق وإيران فى الثمانينيات، أدركت الجمهورية الإسلامية أن العقيدة العسكرية التقليدية لم تعد كافية.
وبالإضافة إلى منهج إيران فى «تصدير الثورة» للدول المسلمة المجاورة، وضع على خامنئى وقوات الحرس الثورى الإسلامى تكتيكات للحروب غير المتكافئة، والتى تهدف إلى بناء نفوذ إيرانى عبر التحالفات الطائفية والسياسية.
ومن خلال ذلك، تصرفت إيران أحياناً كثيرة على أنها حامى المجتمع الشيعى فى أماكن مثل البحرين واليمن، وأنشأت بعناية شبكة من الميليشيات الشيعية: حزب الله فى لبنان، الحوثيون فى اليمن، وفيلق بدر فى العراق، وغيرها، وعلاوة على ذلك، تسيطر طهران على المؤسسات الدينية الشيعية والشبكات المالية فى جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وفضلاً عن ذلك، فقد تصادقت إيران مع اللاعبين السنيين عبر الشرق الأوسط لتدعيم مركزها الإقليمي، ولهذه الغاية طورت علاقات قوية مع حماس والجهاد الإسلامى فى غزة، كما عززت علاقاتها مع دولة السودان السنية التى استخدمتها لنقل الأسلحة إلى غزة.
وفى بعض الأوقات لا تهتم إيران بالمسلمين ولا حتى بالشيعة، ففى جنوب القوقاز، تحالفت مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان ذات الأغلبية السنية لموالاتها للولايات المتحدة، وفى النهاية ليس الدين ما يحرك السياسة الخارجية الإيرانية وإنما هو الطموح الاستعماري.
ويقدم التاريخ بعض النماذج على دمج هذه القوى فى النظام الدولي، فقوى الهيمنة الثورية تخلط الشهوة الاستعمارية برؤية دينية أو ألفية للعالم، وترفض مبادئ النظام العالمى الكلاسيكي.
وفى فبراير من عام 2013، وصف خامنئي، المرشد الأعلى للحرس الثوري، وصاحب القرار الأخير فى مجالات السياسة العسكرية والخارجية، المفاوضات مع الغرب بأنها خدعة مضللة، وأضاف بفخر: «أنا لست دبلوماسياً، أنا ثوري»، وسوف يلقى خامنئى باللوم على «روحانى» إذا فشلت المفاوضات أو تحركت فى اتجاه لا يعجبه.
والطموحات الاستعمارية الإيرانية ليست جديدة، وطهران لم تتغير وتنافست على الهيمنة الإقليمية سواء تحت حكم الصفويين أو الشاه أو الملالي، فلا تتوقعوا أن تتنازل إيران عن مبادئها قريباً.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة نيويورك تايمز
