بغض النظر عن التفاعل بين العرض والطلب، فعندما يتعلق الأمر بأسعار البترول ، يكون لصناديق التحوط والمضاربين تأثيراً كبيراً، كما يقول العديد فى أحد أكثر الأسواق أهمية فى العالم، وشهد المتداولون فى السوق ارتفاع الأسعار الآجلة للبترول لأعلى مستوياتها العام الجاري، حتى مع تخبط أسعار الشاحنات جراء تخمة الإمدادات.
وفى محاولة لتفسير اللغز، يشير المتداولون المخضرمون إلى تأثير الصناديق الكلية التى تحمل أصولا بقيمة مليارات الدولارات، فى حين كان جزء كبير من زيادة الطلب على المضاربة مدفوعاً بتحسن ملحوظ فى أساسيات سوق البترول، مثل تقليص نشاط شركات الحفر الأمريكية.
ويقول المتداولون «إن الصناديق تجعل عقود البترول الآجلة ليست مجرد رهان على ارتفاع أسعار البترول فى النهاية، إنما هى وسيلة للتحوط ضد ضعف الدولار الأمريكي، ما أدى إلى ارتفاع عائدات السندات الحكومية وتحول فى توقعات التضخم، التى نالت الجزء الأكبر من محافظهم».
وأوضحت شركة «إنيرجى أسبيكتس للاستشارات» أن القوة المهيمنة فى سوق البترول اليوم هى الصناديق الكلية، مع الحديث عن عودة التنويع والتضخم إلى الأجندة، وتستثمر بعض هذه الصناديق الكلية نحو 1% فقط من محافظها المالية فى البترول ولكن هذا يعد كافيا لتتضاءل أمامها الصناديق الأصغر التى تركز استثماراتها على البترول.
وذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز فى تقرير لها أنه بعد إعلان البنك المركزى الأوروبى إطلاق برنامج التيسير الكمى فى يناير الماضي، كان الاتجاه السائد هو بيع اليورو وشراء سندات الخزانة الألمانية والدولار الأمريكي، ولكن عائدات سندات الخزانة الالمانية لأجل عشر سنوات ارتفعت بنحو 0.70% بعد أن كانت مهددة بأن تتحول إلى سلبية الشهر الماضي، وهو ما دفع بعض الصناديق إلى البدء فى الحد من التداولات أو البحث عن وسائل تحوط إضافية.
وقال دايفيد هوفتون، الرئيس التنفيذى لشركة «بى فى إم»: «إذا خشيت من أن تكون عائدات سندات الخزانة الألمانية مدفوعة بالتضخم، فشراء البترول الخام سيوفر بعض الحماية».
وعلى نطاق أوسع، فإن شراء البترول فى الوقت الذى تراجعت فيه قيمة الدولار كان بمثابة تعويض لبعض المستثمرين نظراً لأن غالبية السلع يتم تسعيرها بالدولار الذى يمثل العملة الاحتياطية فى العالم.
وكان الدولار عاملاً مساهماً فى انهيار أسعار البترول فى الفترة ما بين يونيو ويناير جراء ارتفاعه بنسبة 16% مقابل سلة من العملات الرئيسية الأخرى، ومع ذلك، فتراجع أسعار البترول بنسبة 60%، من نحو 115 دولاراً إلى 45 دولاراً للبرميل خلال الفترة نفسها، يوضح كيف كان يتم تداول البترول الخام استناداً إلى العوامل الأساسية الخاصة به على نحو كبير، فى ظل مساهمة طفرة البترول الصخرى فى الولايات المتحدة فى زيادة العرض.
وأوضحت بيانات البورصة والأجهزة التنظيمية أن الصناديق تحتفظ بمراكز صافية فى العقود الآجلة وعقود الخيارات فى لندن ونيويورك تعادل نحو 510 ملايين برميل من البترول الخام، وهو ما يساوى أكثر من خمسة أيام من الطلب العالمى، أو الإنتاج الشهرى لكل من السعودية والعراق وإيران مجتمعة.
ويحذر بعض المستثمرين من أن شراء الصناديق يمكن أن يتوقف أو ينعكس، الأمر الذى يفرض ضغوطاً على الأسعار، ويقول أحد مديرى صناديق التمويل فى لندن «عندما كان سعر البترول أقل عشرة دولارات كان الكثير من صناديق التحوط مهتمة بشراء البترول إذ كانوا يتطلعون لذروة البيع، لكن الآن هناك اهتمام أقل بعد الارتفاع».
ويحذر بنك جولدمان ساكس، أحد أكثر البنوك تأثيرا فى أسواق السلع، من أن الارتفاع قد يكون تجاوز حده كثيراً، فى حين يرى محلليه أن الطلب القوى من آسيا والعوامل الأساسية الأخرى تدعم الأسعار، وأن التعاملات الكبيرة لصناديق التحوط فى البترول يمكن أن تؤدى إلى عملية بيع مكثف إذا أقدمت الصناديق على جنى الأرباح.








