بقلم: روس داوذات
أدى سقوط مستبد إلى احتلال أجنبى ثم حرب أهلية، واستغلت حركة ثورية الفوضى لتسيطر على السلطة، وحكم الثوريون مستخدمين الترهيب، ووعدوا بتأسيس مدينة فاضلة، وألهموا المقلدين حول العالم، ولكن الدول الأخرى قاطعتهم، مما أعطى للمنافسين الداخليين فرصة لاستعادة الأرض، ورغم النجاحات المبدئية التى حققها النظام الجديد لا يبدو أنه سيعيش، خاصة بمجرد اتحاد القوى الخارجية لمقاتلته.
هذه هى قصة الدولة الإسلامية فى الشام والعراق، والتى تحدت التوقعات بانهيارها الوشيك، واستولت على الرمادى فى العراق، وتدمر فى سوريا الأسبوع الماضى، وهو ما وصفه الرئيس الأمريكي، باراك أوباما على أنه «انتكاسة تكتيكية»، وربما يكون الأمر كذلك، ولكن مازال من الصعب تخيل إلى متى ستدوم الدولة الإسلامية التى نصبت نفسها الخلافة.
كما أنها قصة الأيام الأوائل للاتحاد السوفييتي، عندما كان يبدو حكم عصابة من البلاشفة للإمبراطورية الروسية غير قابل للتصديق تماما، حينها كان عمر النظام البلشفى مقارب لعمر الدولة الإسلامية اليوم، وكانت الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، يدعمون معارضى النظام من الروس، ويرسلون قوات أرضية إلى روسيا، كما كانت تضغط اليابان، وبولندا من الشرق والغرب، وبدا الخوف الذى رسخه الإرهاب الأحمر وكأنه القوة الأساسية التى تحفظ الدولة المنبوذة من الانهيار.
وبعد جيل، أصبحت هذه الدولة المنبوذة قوة عظمى.
وبالطبع، فإن الفروقات بين الحالتين وفيرة، فقد سيطر البلشفيون على المراكز الحضرية والصناعية الرئيسية، بينما لا تسيطر داعش فعليا إلا على المناطق النائية فى العراق وسوريا، كما أن أعداء الاتحاد السوفييتى كانوا منهكين من الحرب العالمية، وقدرتهم على إبراز القوة العسكرية كانت محدودة بشدة مقارنة بقوة أمريكا اليوم.
ومع ذلك، ومن جانب الأهمية الجيوسياسية، فقد كانت روسيا فى عام 1919 تمثل تهديدا ضئيلا مقارنة بالمخاوف الأمنية الملحة للكثير من القوى العظمى، أما داعش فتجلس فى منتصف تقاطعات طرق غنية بالبترول، وتقتل المواطنين الغربيين كلما سنحت لها الفرصة.
ولكن لا يزال المثال السوفييتى تذكيرا مفيدا بأن الانهيار «الحتمي» للحركات المتعصبة حديثة النشوء ليس دائما حتميا، كما يعطى القليل من الدروس بشأن كيف أن الدولة الإسلامية قد تستمر رغم كل التوقعات.
والدرس الأول هو أن القوى العظمى تستنزفها الحروب وتشتتها،، ومثلما ان وضعنا الحالى مختلف عن أعقاب الحرب العالمية الأولى، من الواضح أن الولايات المتحدة كان يمكن أن تصبح أكثر انخراطا عسكريا ضد داعش، إذا لم تخض التجارب الخائبة الأخيرة مثل الحرب الدموية فى العراق.
وبالإضافة إلى ذلك فمن السهل تصور تطور الأحداث الحالية والدخول على سبيل المثال فى أزمة مالية أخرى، أو اشتداد الحرب فى أوكرانيا، وزيادة التوتر مع الصين، مما سيجعل الرمادى تبدو بعيدة عن نطاق اهتماماتنا كما كانت ارخانجلسك وفلاديفوستك للمواطن الغربى العادى فى عام 1919.
والثاني، هو أن صراع النظام من أجل البقاء كان أقوى من المعارضين له الذين لم يتلقوا دعماً كافياً، وبالتأكيد، تعلم الدولة الإسلامية أن لها أعداء فى كل حكومة وجيش فى الجوار، ولكن أيضاً يعرف قادتها وجندها أنهم فى موقف النصر أو الموت، مما يخلق دافعاً مشابهاً لذلك الذى ساعد السوفييت، ومن قبلهم الثورة الفرنسية على درء الهجمات القادمة من الجميع.
والثالث هو أن السياسة الواقعية يمكن أن تساعد حتى المتعصبين على إيجاد حلفاء، ووصول البلشفيين إلى السلطة يعود جزئيا إلى إرسال ألمانيا لينين عمدا إلى سانت بطرسبرج، كما أقامت برلين تحالفات عسكرية مع السوفييت فى عشرينيات القرن الماضى، وبالمثل، تحصل الدولة الإسلامية على تمويلات من مانحين سنيين فى السعودية، والكويت، وقطر، وطالما ان داعش فى حرب مع إيران ووكلائها، لن تقضى القوى السنية عليها.
وفى حال بقيت الدولة الإسلامية فى حرب مستمرة معهم، سيكون التعاون مستحيلا، ولكن الإيديولوجيات المثالية تكون أكثر تكيفا مما نتوقع.
وتجد الحركات المتطرفة فى بعض الأحيان طريقة – مثلما فعل البلاشفة – لتحريف إيديولوجياتها عندما يتعلق الأمر بالنجاة، والاعتماد على الولاء العرقى والقومى كذلك، وهذا ما فعلته الدولة الإسلامية بالفعل، فهى لديها قادة عسكريين من حزب البعث، كما كان جيش تروتسكى به قيصريين.
واستغلت الدولة الإسلامية مآسى السنة ولم تنهر بعد، وكلما استمرت، ازدادت فرص بقائها على قيد الحياة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «نيويورك تايمز»