بقلم: نواه فيلدمان
تتمثل الحقيقة المأساوية فى أن الاستراتيجية تبدو وكأنها موجهة لاحتواء الموقف فقط
إذا كنت ممن يتابعون الأزمة فى اليونان، فربما لم تلاحظ أن الرئيس باراك أوباما عقد مؤتمراً صحفياً فى البنتاجون يوم الاثنين الماضى، والذى يعد مؤتمرا ذا أهمية لإرثه.
والشىء المهم فى هذا المؤتمر لم يكن ما قاله بقدر ما لم يقله وهو أنه لا توجد فرصة لهزيمة الدولة الإسلامية فى المستقبل القريب، وأكد الرئيس على أن الحرب ضد الجماعة السنية المسلحة سوف تكون «طويلة»، وأن التجربة أثبتت أنه لا يمكن هزيمتها سوى من خلال قوات أرضية محلية ذات كفاءة.
وفى الواقع، كان يعترف اوباما بأنه عند مغادرته للمنصب، سوف تبقى الدولة الإسلامية قائمة، وأشار إلى أن هدفه الحقيقى الآن يتمثل فى منع المسلحين من دخول بغداد قبل انتهاء فترة ولايته، وإذا بدت هذه الاستراتيجية مألوفة، فذلك لأنها كذلك، فهى مشابهة لتلك التى تبنتها الولايات المتحدة مع طالبان فى أفغانستان.
ويبدو ان أوباما يعتقد انه لن يستطيع أن يحرز فى الحرب ضد الدولة الإسلامية أكثر مما حققه فى أفغانستان، ولكنه أيضا لا يريد خسارة أى منهما.
وقد تتساءل، لماذا إذن كلف أوباما نفسه عناء عقد مؤتمر صحفى فى البنتاجون بشأن الدولة الإسلامية إذا لم يكن لديه شىء ليقوله أكثر من أن الولايات المتحدة تدعم خطة العراق فى استعادة الرمادى؟
على الأغلب، كان أوباما يحاول القيام بأمرين متضاربين، الأول، أنه أراد أن يبدو الأمر وكأن الولايات المتحدة والعراق لديهما استراتيجية منسقة ضد الدولة الإسلامية.
فمنذ عدة أشهر، أراد البنتاجون ان يركز العراقيون على استعادة مدينة الموصل ذات الأهمية الاستراتيجية، بينما أراد العراقيون التركيز على الرمادي، والتى ليس ذات أهمية عسكرية مماثلة، ولكنها ذات أهمية سياسية باعتبارها عاصمة محافظة الأنبار السنية، وإذا بقيت الرمادى فى أيدى الدولة الإسلامية، فستبدو العراق بشكل متزايد كدولة شيعية، ما يضر بشرعية الحكومة فى بغداد .
ونظرا لأن العراق هى من توفر القوات الأرضية اللازمة، فكانت المفاوضات أحادية الجانب نوعا ما، والأهم من ذلك، لو توقفت الولايات المتحدة عن الهجمات الجوية، فسوف تفشل الجهود ضد الدولة الإسلامية، وهذا أيضا أمر سيئ لأوباما.
وبالتأكيد، أقنعت وزارة الخارجية الأمريكية أوباما باختيار أخف الأمرين والموافقة على أن يحاول العراقيون استعادة الرمادى أولا، والتأكيد على هذه الموافقة فى الكونجرس يعنى أن الجيش الأمريكى متفق مع وزارة الخارجية أيضا.
والأمر المتناقض الثانى الذى كان يحاول أوباما فعله يوم الاثنين الماضى هو تخفيض التوقعات المتعلقة بالحرب ضد الدولة الإسلامية، وأن يحول اللوم والمسئولية إلى فشل العراقيين.
وأكد أوباما بوضوح على أن النجاح فى العراق يعتمد على توافر القوات الأرضية المحلية التى يمكن الاعتماد عليها، وحتى الآن، لم تحقق قوات الحكومة العراقية نجاحا ملموسا أمام الدولة الإسلامية، بل إن قوات البشمركة الكردية، والمليشيات الشيعية حققت نجاحات أفضل ضد داعش، ولكن الولايات المتحدة لا تريد منهم القتال فى المناطق التى يهيمن عليها السنة، مخافة أن يتسبب وجودهم فى توترات طائفية أكثر عمقا.
وأراد أوباما أن يقول من خلال تركيزه على أهمية المجهودات المحلية إن محاولات استعادة الرمادى قد تفشل، كما كان يقول إنها إذا فشلت، فسوف يكون الخطأ من جانب قوات الحكومة العراقية وليس من الولايات المتحدة، وهذه جملة قد لا توحى بالثقة فى أن العراقيين والولايات المتحدة لديهم استراتيجية منسقة.
وتحويل المسئولية وتحمليها للعراقيين وحدهم فى المؤتمر الصحفى لا يشير بالتأكيد إلى أن الولايات المتحدة ملتزمة التزاما طويل الأجل فى محاربة الدولة الإسلامية، وإنما استمرار الالتزام يعتمد على العراقيين، فما هى إذاً استراتيجية حكومة أوباما الحقيقية؟
فى الوقت الحاضر، تتمثل الحقيقة المأساوية فى أن الاستراتيجية تبدو وكأنها موجهة لاحتواء الموقف فقط، فإعلان ان الحملة ضد الرمادى تعتمد على القوات العراقية، يشبه إعلان أنه لا أحد فى المؤسسة الأمريكية يعتمد على أى انتصار ذو معنى فى المستقبل القريب.
وإذا سقطت الدولة الإسلامية فى الرمادي، فستكون الموصل هى الهدف الثانى المنطقي، ولكن اوباما لم يقل ذلك، لأن ذلك كان ليبدو خطة قد ينتهى بها الأمر بالفشل.
وما لا تحتمله حكومة أوباما هو وقوع المزيد من الأراضى العراقية فى أيدى الدولة الأسلامية وخاصة أجزاء من بغداد، وأفضل تشبيه للوضع الحالى فى العراق هو أفغانستان، سواء الآن أو قرب نهاية فترة ولاية جورج بوش.
فقد أصر بوش على البقاء فى أفغانستان بعدما حكمت حكومته على الحرب بالخاسرة، لأنه خشى من أن انسحابه سوف يؤدى إلى سقوط كابول، ولأسباب سياسية معقدة، اعتبر أوباما أفغانستان مشروعه الخاص، وفشل هو أيضا، والآن أعلنت الولايات المتحدة عن نيتها فى إبقاء القوات فى أفغانستان حتى 2017، لأن أوباما لا يريد هزيمة كبيرة على يديه، فإذا حافظ على الوضع الراهن، ربما يتفاوض خليفته على السلام مع حركة طالبان.
وتصبح بغداد سريعا ككابول الجديدة، وينبغى ان يحافظ أوباما على واجهة المجهودات ضد الدولة الإسلامية، وبالطبع سيكون سعيدا إذا حقق العراقيون بعض الانتصارات.
وفى نفس الوقت يتمثل هدفه الخفى فى إبقاء المسلحين فى حالة دفاع دائمة حتى لا يتمكنوا من شن هجوم على أطراف بغداد، فإذا فعلوا، وكان أداء القوات الحكومية سيئا كالمعتاد، فسوف تدخل العاصمة فى مرحلة من الفوضى والفزع.
وحينها ستحارب المليشيات الشيعية المدعومة من إيران بدعم جوى أمريكي، ولكن ستبقى المدينة فى حالة انقسام مع سيطرة الدولة الإسلامية على بعض الأحياء السنية.
وهذا سيجعل من اوباما الرئيس الذى خسر حرب العراق، وليس الرئيس الذى أنهاها، وهذا يجعلك تتساءل، طالما أن الدولة الإسلامية قائمة، كيف يمكن لأى رئيس أمريكى أن يتخذ القرار بترك العراق للأبد؟
المصدر: وكالة أنباء «بلومبيرج»