برامج لتطوير نظم الاستخدام والمعالجة لدعم عملية الإنتاج
الأزمة تتفاقم فى 2030 بعد زيادة حجم الطبقة المتوسطة العالمية إلى 5 مليارات نسمة
وقف تسرب المياه يوفر 100 مرة تكلفة خلق مصادر جديدة ..المخابرات الأمريكية: ندرة المياه تهدد الأمن القومى لدول صديقة لأمريكا
«كوكاكولا» تقود مبادرة دولية للتصدى لندرة المياه
%70 من الشركات مهددة بخسائر جراء ندرة الماء
%30 نسبة توفير إمدادات المياه من التكلفة فى قطاع التعدين
%30 من زيادة الاستهلاك العالمى بسبب الزراعة فى الهند
2 مليار نسمة يعيشون على المياه الجوفية ويستنزفون مخزونها
%45 من محطات التحلية فى 2010 تابعة لشركات الطاقة
2.5 مليون دولار تنفقها «فورد» على تدوير المياه فى جنوب أفريقيا
مشكلة المياه لا تحصل على اهتمام سياسى بقدر تغير المناخ
إسبانيا واستراليا والصين أكبر الدول تحلية للمياه .. والصين أكثر الدول معاناة من نقص المياه
640 مليون دولار تكلفة محطة «بيرل» لتحلية المياه فى قطر
منذ عام 2003 أنفقت شركة كوكاكولا العالمية وشركات تعبئة المياه التابعة لها ما يقرب من مليارى دولار للحد من استخدام المياه وتحسين جودتها.
وذكرت صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية أن الإنفاق توّسع فى الوقت الراهن إلى حقل «سو دن» بجوار نهر «نار»، وهو ممر مائى بسيط يبلغ طوله نحو 100 ميل إلى الشمال من لندن، حيث دفعت الشركة مؤخرًا كل ما يلزم لتحسين النهر ومنحت 1.2 مليون جنيه إسترلينى إلى الصندوق العالمى للحياة البرية لحفر قنوات حول النهر.
وقال روز أونيل، مدير برنامج المياه فى الصندوق إن الخطط والأعمال الأخرى ذات الصلة التى مولتها شركة كوكاكولا، سوف تساعد على تنظيف النهر ومعالجة ندرة المياه.
ورغم أن استثمارات الشركة التى تقدّر بنحو 2 مليار دولار قد تبدو كبيرة، لكن فى الحقيقة هى مثال صغير بين شركات كبيرة بدأت تنفق على المياه فى جميع أنحاء العالم.
وبدأ البنك الدولى منذ 20 عاماً فى التحذير من أزمة مياه تلوح فى الأفق، بالتزامن مع العدد المتزايد من السكان، ونمو الطبقة الوسطى حول العالم، فى الوقت الذى يشّكل فيه تغير المناخ ضغطاً كبيراً على إمدادات المياه.
وبالنسبة للشركات متعددة الجنسيات والشركات الصغيرة فإن ارتفاع تكاليف الموارد التى تمت منذ فترة طويلة أصبح أمراً مفروغاً منه.
وأشار كريستوفر جاسون، الباحث لدى مؤسسة الاستخبارات العالمية للمياه، إلى أن التكلفة الهامشية من استهلاك المياه آخذة فى الارتفاع فى جميع أنحاء العالم.
وفى الماضى، كان يتم التعامل مع المياه على أنها مادة خام حرة، ولكن أدركت الشركات فى الوقت الراهن أن المياه يمكن أن تلحق الضرر بالشركات الكبيرة، ومصداقيتها، وتصنيفها الائتمانى وتكاليف التأمين، وكل هذا ينطبق على صناعة رقائق الكمبيوتر وشركة المواد الغذائية على حد سواء .
وهناك أمثلة كثيرة لبعض الشركات التى بدأت بالفعل فى زيادة تكاليف الإنفاق على المياه ومن بينها:
● شركة «نستله»، واحدة من أكبر شركات الأغذية فى العالم، خصصت 43 مليون دولار لتوفير المياه ومعالجة مياه الصرف الصحى فى مصانعها العام الماضى.
● وفى أستراليا أطلقت شركة تابعة لمجموعة «بى جى»، شركة البترول والغاز البريطانية، نظام مراقبة وإدارة المياه بقيمة تقترب من المليار دولار وستضخ مياه معالجة من حقول الغاز لزيادة إمدادات المياه للمزارعين والمدن.
● «انتيرو»، شركة الغاز الصخرى الأمريكية، تخطط لإنفاق 525 مليون دولار على خط أنابيب لنقل المياه لعملياتها، وزيادة إمداداتها.
● «ريو تينتو» و«بى إتش بى بيليتون» أطلقتا نظام تحلية بقيمة 3 مليارات دولار فى شيلى ليعمل على ضخ مياه البحر ومعالجتها بهدف استخدامها فى منجم النحاس التابع لهما، وخفض استخدامهما لإمدادات المياه المحلية.
● «فورد» لصناعة السيارات، قامت ببناء نظام لمعالجة المياه وصلت قيمته إلى حوالى 2.5 مليون دولار فى مصنعها بجنوب أفريقيا لزيادة إعادة استخدام المياه حتى 15%.
● «إى دى إف» مجموعة الطاقة الفرنسية، أنفقت 20 مليون يورو لتحويل مدخل نفق المياه لواحدة من محطات الطاقة الكهرمائية فى جبال الألب الفرنسية من أجل تغذية توربينات هذه المحطات بالمياه الذائبة من الجبل الجليدى بسبب عدم قدرة النفق القديم على التقاط ما يكفى من المياه.
وقال كلود ناهون، رئيس الشركة للتنمية المستدامة إن إدارة المياه ليست فقط قضية البلدان النامية بل أصبحت مشكلة العالم.
ومنذ 2011 أنفقت الشركات أكثر من 84 مليار دولار على مستوى العالم لتحسين الطريقة التى تحفظ وتدير عملية الحصول على المياه، وفقاً للبيانات الصادرة عن مؤسسة الاستخبارات العالمية للمياه والمنظمين التنفيذيين فى مقابلات مع صحيفة فاينانشال تايمز.
وتختلف أشكال الاستثمار فبعضها يتحرك فى نطاق حل مشكلة نقص المياه، والبعض الآخر من خلال عمليات صناعية جديدة تتطلب المياه بكميات أكبر أو جودة أعلى.
وترغب شركات أخرى فى إظهار اهتمامها بالحفاظ على المياه أمام العملاء وأخرى بدافع من بعض الأنظمة البيئية الجديدة التى تتطلب معالجة مياه الصرف الصحى بطريقة أفضل.
بيد أن مبلغ 84 مليار دولار لا يعد شاملاً ولا حتى سهلاً لمقارنته بمستويات الإنفاق الماضية، لأن الشركات عادة لا تشترط الإفصاح عن رأس المال أو تكاليف التشغيل لتدابير حفظ المياه، ولكن تقوم بعض الشركات بتسليط الضوء على استثمارات المياه فى تقاريرها، وعدد قليل منها يكشف عن أسعار هذه المخططات.
وعلى سبيل المثال ترفض شركة جوجل، الإفصاح عن المبالغ التى أنفقتها على مصنع تابع لها فى أحد مراكز بياناتها فى ولاية جورجيا الأمريكية، والذى يمّكنها من استخدام تحويل مياه الصرف الصحى للحفاظ على خوادمها باردة، ولم تكشف عن إجمالى المبالغ التى تنفقها فى مركز البيانات البلجيكى الذى يستخدم المياه من القناة الصناعية.
ووصف جو الكافا، رئيس الشركة لعمليات مركز البيانات، الماء بأنه «الفيل الكبير فى الغرفة» بالنسبة لشركات التكنولوجيا، والتى يمكن أن تستخدم عادة مئات الآلاف من جالونات الماء يومياً، وفى عام 2009 تم التركيز على استهلاك وكفاءة الطاقة، وهذا أمر ممتاز.
أضاف «أعتقد أن الشىء التالى الذى نحتاج تحويل انتباهنا إليه وماذا نفعل فيه هو أزمة المياه التى تلوح فى الأفق، وعندما يصبح الماء أكثر ندرة، يمكن أن تستخدمها شركات البيانات لجذب الانتباه العام، وربما تؤدى إلى لوائح تنظم كمية المياه التى يستهلكونها».
وصرّحت جوجل لصحيفة الفاينانشال تايمز بأن تركيزها للحفاظ على المياه يعنى أنها الآن لديها منشأة فى فنلندا، تقوم بالتبريد بواسطة مياه البحر، بالإضافة إلى أنها تبحث أيضاً فى استخدام حصاد مياه الأمطار فى ولاية كارولينا الجنوبية.
ويعد التنظيم هو مصدر قلق متزايد للعديد من الشركات، ولهذا السبب بدأ المستثمرون فى الضغط من أجل مزيد من الإفصاح عن مخاطر الماء.
فمثلاً صندوق البترول النرويجى، أكبر صندوق للثروة السيادية فى العالم، ويضم بين جنباته مبلغاً ضخماً يقدّر بنحو 890 مليار دولار، واحداً ضمن العديد من كبار المستثمرين الذين يحثون الشركات على تحسين الإنفاق على المياه.
يرى جان تومسن، مدير المخاطر فى الصندوق، أن ازدياد شح المياه والتداعيات المتصلة يمكن أن تؤثر على العائدات طويلة الأجل.
ويعمل الصندوق كواحد من 530 مستثمراً بإجمالى أصول تقدّر بمبلغ 57 تريليون دولار مع مشروع الكشف عن انبعاثات الكربون.
ونيابة عن هؤلاء المستثمرين، يطلب الصندوق من الشركات الكبيرة فى كل عام الكشف عن المخاطر وفرص طرح الماء لأعمالها.
وفى العام الماضى أوضح مؤشر «إف تى إس إى 500» أن 70% من 180 شركة عالمية كانت المياه خطراً كبيراً لفناء أعمالها، ارتفاعاً من 59% فى عام 2011.
وأكدّ مارتن ستوشتى، لدى شركة ماكينزى للاستشارات، أن ندرة المياه لم تعد مجرد قضية صغيرة على مستوى المصانع للشركات، ولكن أصبحت سؤالاً استراتيجياً للإدارة العليا.
وأضاف أن هذه القضية استولت على الجزء الأكبر من فاتورة النفقات الرأسمالية فى العديد من الشركات حول العالم.
مشكلة التعدين
يعد ارتفاع التكلفة هو العامل الأكثر وضوحاً فى قطاع التعدين، وازداد إنفاق القطاع على المياه من 3.4 مليار دولار فى عام 2009 إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار فى عام 2013، ومن المرجح أن يتجاوز 12 مليار دولار العام الجارى، وفقاً لمؤسسة المعلومات العالمية للمياه.
وأوضحت المؤسسة أن تكلفة مخطط محطة التحلية التابعة لشركتى «بى إتش بى بيلتون» و«ريو تينتو» تبلغ 3 مليارات دولار فى منجم النحاس فى «اسكونديدا» فى تشيلى، وتعد قياسية فى قطاع تشكل فيه البنية التحتية للمياه نحو 10% من تكلفة التعدين، ولكنها وصلت مؤخراً إلى 30%.
ووضعت 7 شركات تعدين على الأقل فى البلاد خططاً لمحطات تحلية أصغر تبلغ تكلفتها مجمعة مليار دولار، وتعد ندرة المياه مصدراً للقلق حتى أن المشرعين التشيليين يناقشون تدبيراً يتطلب من شركات التعدين تحلية مياهها بدلاً من الاعتماد على الإمدادات المحلية.
ومن المقرر إنشاء المزيد من المحطات فى مناجم فى بيرو، حيث يواجه القطاع المشاكل ذاتها التى تعانيها شركة «كوكاكولا» فى الهند، ففى عام 2011 توقف مشروع شركة «تيا ماريا» لتعدين النحاس البالغة قيمته مليار دولار بعد احتجاجات الفلاحين العنيفة بشأن وفاة ثلاثة أشخاص بعد شرب مياهها.
ومع ذلك، قللت شركة «ريو تينتو»، الشريك الأصغر فى منجم «اسكونديدا»، من أهمية الاقتراحات بأن نقص المياه تعد مشكلة مالية لا يمكن إدارتها، وقال ماثيو باتيسون، الرئيس العالمى للبيئة فى الشركة، لا نشعر بأنها اتجاه مهم بالنسبة للشركات ولكنه خطر مادى نعالجه.
ولايزال بعض الخبراء أقل هدوءاً، إذ يقول أندرو ميتكالف، محلل الاستثمارات ومؤلف تقرير عام 2013 الذى أصدرته وكالة التصنيف الائتمانى «موديز»، وكان من بين أول التقارير التى حذرت من التأثير المالى على نقص المياه التى بدأت تظهر فى قطاع التعدين: «من الواضح أن ندرة المياه بدأت يكون لها ضرر مالى».
ويرى ميتكالف أن عمال المناجم ليسوا فقط المعرضين للخطر، ويقول إن المنظمين فى الأسواق التى تعمل بها شركات البترول والغاز والكيماويات شددوا القواعد على نحو كبير، وبالتالى تكاليف الامتثال بما فى ذلك استخدام المياه، ما بين الثلاث والخمس سنوات الماضية، ففى الماضي، كانت الشركات تستطيع القيام بمشروع وإنفاق المزيد من الأموال على المياه فى حال ظهور مشكلة فى وقت لاحق، والآن يتعين عليهم أن تكون لديهم خطة توضح كيفية عدم تأثير المشروع على إمدادات المياه المحلية قبل البدء فى المشروع.
وأفاد تقرير «ميتكالف» بأنه من المرجح أن تستمر التكاليف فى الارتفاع لأن 70% من أكبر 6 شركات تعدين عالمية توجد فى البلدان التى تصنف فيها أزمة المياة بأنها متوسطة أو عالية الخطورة، جنباً إلى جنب مع تطوير ثلثى المشروعات، والنتيجة أن المشروعات ستستغرق وقتاً أطول لإتمامها، وهو ما يعد أشد تكلفة وخطورة، مع تداعيات الائتمان السلبية للقطاع بأكمله.
معالجة ندرة المياه
ويقول بيتر برابيك، الرئيس التنفيذى لشركة «نستله»، تعد مشكلة ندرة المياه أكثر إلحاحاً بكثير من تغير المناخ، ولكنها تحصل على اهتمام سياسى أقل بكثير مما ينبغي، مضيفاً أن لدينا أزمة مياه لأننا نتخذ قرارات خاطئة فى إدارة المياه، وسيكون لتغير المناخ تأثير أكبر على الوضع المائي، ولكن إذا لم يتغير المناخ، ستكون لدينا مشكلة مياه، وهذه المشكلة ستكون أكثر أهمية.
ومن أحد أسباب حصول المياه على اهتمام أقل، بخلاف ظاهرة الاحتباس الحراري، أنه لا يوجد شيئاً يعرف بأزمة المياه العالمية، وبدلاً من ذلك، هناك سلسلة من المآزق الإقليمية فى عالم يعد فيه توزيع المياه العذبة غير متوازن حيث يوجد 60% منها فى تسع دول فقط، بما فى ذلك البرازيل والولايات المتحدة وكندا، وذلك وفقاً للأمم المتحدة، ويصر برابيك على أن السبب الآخر لاستمرار المشكلة هو التقليل من شأن المياه بحيث لا يتم استخدامها عادة بكفاءة ولا يوجد استثمارات كافية لتعزيز الإمدادات.
واتخذت «نستله» نهجاً غير عادى فى تقييم المياه من خلال استحداث «سعر الظل»، أى السعر المقدر لبضاعة أو خدمة جيدة دون حساب سعر السوق، وتستخدمه الشركة عند تقييم اقتراحات شراء معدات جديدة لتحسين كفاءة استخدام المياه فى مصانعها، ويبلغ السعر أكثر قليلاً من دولار واحد لكل متر مكعب للمواقع التى توجد بها مياه وفيرة ونحو 5 دولارات فى البقع الأكثر جفافاً، ومثل هذه الخطوة تعد جيدة بالنسبة لشركة مثل «نستله»، التى توجد منتجاتها من القهوة واللبن والحبوب على موائد الفطار حول العالم.
المزارع مقابل الصناعة:
ورغم كل اتهامات نقص المياه بسبب أعمال التعدين وغيرها من الأعمال الأخرى، تأتى الصناعة فى المرتبة الثانية بفارق كبير بعد أكبر مستخدمى المياه فى العالم وهم المزارعون، وأوضحت الأمم المتحدة أن الزراعة تشكل نحو 70% من إجمالى استخدام المياه مقابل 22% للصناعة و8% فقط للمستخدمين المحليين.
وتختلف هذه النسبة من حيث الدولة، ولكن تكمن مشكلة ندرة المياه التى تتعرض لها الشركات فى العديد من أجزاء العالم فى أنها تخلق نزاعاً بين أكبر مستخدمى المياه وهم المزارعون والمصانع.
وفى إيران، دمر المزارعون خط أنابيب قالوا إنه يحول المياه إلى المصانع فى مدينة قريبة، وفى أستراليا، شكل المزارعون حركة ضد استخراج الغاز المحصور فى عروق الفحم مدعين أنه سيدمر إمدادات المياه، وفى الهند، التى تشكل أكثر من 30% من زيادة سحب المياه العالمية خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، احتج المزارعون ضد تخصيص المياه للشركات بدءاً من محطات توليد الطاقة من الفحم إلى صانعى المشروبات الغازية.
وأفادت بيانات معهد المحيط الهادئ بأن عدد الصراعات المتعلقة بالمياه ارتفع خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، وأعرب أيضاً مسئولو استخبارات الولايات المتحدة عن قلقهم إزاء مخاطر الصراع على المياه.
وأفاد تقرير الاستخبارات لعام 2012 الذى أُعد لوزارة الخارجية الأمريكية بأنه من المتوقع أن تساهم مشكلات المياه فى عدم استقرار الدول المهمة لمصالح الأمن القومى الأمريكى خلال السنوات العشر القادمة، ويسلط هذا التقرير الضوء على الخطر الذى تتعرض له أسواق الغذاء العالمية من سرعة نضوب أحد المصادر المهمة وهى المياه الجوفية.
وتوجد 97% من المياه فى المحيطات و2.5% منها فقط مياه عذبة، وما يقرب من 70% من المياه محبوساً داخل الأنهار والقمم الجليدية، ونحو 1% فى البحيرات والأنهار وغيرها من مصادر المياه السطحية، و30% من المياه المتبقية تعد مياهاً جوفية، وبعضها قديم جداً، ومن الصعب استبدالها وتعرف باسم المياه الأحفورية.
عمق التنقيب:
وكانت تُستخدم نسبة ضئيلة نسبياً من المياه الجوفية منذ أقل من قرن، إلا أن الارتفاع الهائل فى الكثافة السكانية العالمية الذى أدى بدوره إلى ارتفاع الطلب على الغذاء قاد طفرة الاستخراج التى بدأت فى بضع بلدان مثل إسبانيا والولايات المتحدة ولكنها انتشرت الآن فى جميع أنحاء العالم.
ويعتمد ما يقدر بنحو 2 مليار شخص على المياه الجوفية فى أغراض الشرب ورى المحاصيل، ولكنها غالباً ما تستخدم على نحو غير منظم ولا تخضع لرقابة قوية، وهذا يعنى أنه يتم استخراج مياه جوفية أكثر مما يمكن تجديده سريعاً، عندما تسقط الأمطار.
وتتراجع سريعاً مستويات المياه الجوفية فى الولايات المتحدة حول منطقة «سنترال فالى» الزراعية فى ولاية كاليفورنيا، وفى الفترة ما بين 2003 و2010 تم فقدان كميات من المياه تساوى تقريباً تلك الموجودة فى بحيرة «ميد»، أكبر خزان فى البلاد فى قدرته على حفظ الحد الأقصى للمياه، وذلك وفقاً للدراسة التى ترأسها جاى فاميجليتى من جامعة كاليفورنيا الذى استخدم بيانات وكالة ناسا الفضائية لرصد استنزاف المياه.
أزمة الشرق الأوسط
وفى الشرق الأوسط وأفريقيا، فقدت دول مثل إيران وسوريا مياهاً تعادل فى كميتها البحر الميت خلال نفس الفترة، ويرجع السبب فى ذلك، على الأغلب، إلى استخراج المياه الجوفية.
ومن حيث شدة الاستهلاك، تعد منطقة شمال غرب الهند هى الأسوأ، وتعنى المزارع المتعطشة للمياه، والنمو السكانى السريع أنه فى الفترة بين 2002 و2008، فقدت المياه الجوفية فى المنطقة مياهاً تعادل ثلاث مرات تقريباً المياه الموجودة فى بحيرة ميد فى ولاية أريزونا الأمريكية.
عالمياً، ساهم استخراج الكثير من المياه الجوفية بزيادة «صغيرة ولكنها ليست تافهة» فى مستويات البحار نظراً لأن المياه المستخرجة تجد طريقها فى النهاية إلى المحيطات، حسبما قال ليونار كونيكو، من وكالة المسح الجيولوجى، المتخصصة فى المياه الجوفية.
وفى قلب مشكلة المياه الجوفية تقبع مجموعة من المعضلات التنظيمية التى لا تستطيع الشركات وحدها أن تغيرها، بما فى ذلك دعم المياه للمزارعين الفقراء، وهو أمر تكره الحكومات أن تقترب منه.
وتدرك إحدى الشركات حجم هذه المشكلة بدقة وهى شركة «سابميلر» إحدى أكبر شركات صناعة المشروبات الكحولية، فقد دفعت ملايين الدولارات لحماية وتحسين إمدادات المياه الخاصة بها، بما فى ذلك 6 ملايين دولار لتحديث الأنابيب ومعدات أخرى فى أحد مصانعها فى تنزانيا، والذى تأثر بتدهور جودة المياه.
واستثمرت «سابميلر» فى الكثير من الإجراءات لتعزيز إمدادات المياه، ومع ذلك، يقول أندى وايلز، مدير التنمية المستدامة بالشركة، إن هذه الاستثمارات غير كافية لحل المشكلة لأن المزارعين لايزالون يستخدمون تلك المياه، مشيراً إلى أن مياه الرى رخيصة لدرجة أن المزارعين يستخدمونها بتبذير.
وتدفع الشركة 50 سنتاً لكل متر مكعب تستخدمه فى جنوب أفريقيا، بينما يدفع المزارعون الذين يزرعون الشعير الذى تستخدمه فى مشروباتها 0.5% من السعر الذى تدفعه الشركة لنفس كمية المياه.
صدمات قطاع الطاقة
وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يرتفع عدد السكان العالمى من 7 مليارات اليوم إلى 8 مليارات، وفى نفس الوقت، ستتوسع الطبقة المتوسطة العالمية من 2 مليار إلى 5 مليارات، خاصة فى دول آسيا المتنامية سريعاً، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
وعلى الأغلب سترغب تلك الطبقة المتوسطة فى تناول «البرجر» وليس قدراً من الخضراوات، وقدرت الأمم المتحدة أن الأمر يتطلب نحو 2500 لتر من المياه لإنتاج البرجر مقارنة بـ30 لتراً للبطاطس والطماطم، كما سيريدون مكيفات هواء، وأجهزة تلفاز، وغيرها من الأجهزة التى تحتاج لكهرباء، بخلاف السيارات العائلية والإجازات الخارجية، وكل ذلك يتطلب المزيد من الطاقة.
وتعد المياه ضرورية فى جميع مراحل إنتاج الطاقة بداية من الحفر لاستخراج الوقود الأحفورى إلى تكرير البترول وتوليد الطاقة، وكمية المياه التى يحتاجها القطاع فى طريقها للتضاعف خلال 25 عاماً، وفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية.
وفى الشرق الأوسط، أنشأت شركتا «شل» و«قطر للبترول» أكبر محطة لتحويل الغاز إلى وقود مسال، وتتضمن محطة «بيرل» فى قطر نظام استخراج ومعالجة المياه الجوفية، وامتنعت «شل» عن الإفصاح عن السعر الذى تدفعه مقابل المياه، ولكن مؤسسة المعلومات العالمية للمياه تقدر تكلفتها بـ640 مليون دولار.
كما أن المياه ضرورية فى أحد أهم الجوانب الصاعدة فى قطاع الطاقة وهو ثورة الغاز الصخرى الأمريكى، فعملية التكسير الهيدروليكى تتطلب لاستخراج الغاز والبترول من التربة الصخرية 2 مليون جالون من المياه أو أكثر لكل بئر، وهذا أثار قلق جماعات الاستثمار المستدام مثل جماعة «سيريس» التى قالت إن نصف الآبار الصخرية الأمريكية المحفورة منذ 2011 تقع فى مناطق تعانى من أزمات مياه كبير أو كبيرة للغاية.
وقالت تارا شميدت، من شركة «وود ماكينزى» لتحليلات قطاع الطاقة، إن الغاز والبترول الصخرى يشكلان جزءاً من قطاع الطاقة الذى يواجه ندرة المياه، موضحة أن معظم شركات الطاقة أصبحت تدرك أنها تحت تدقيق متزايد من الحكومات والشعب بشأن كيفية استخدامها لإمدادات المياه.
وتظهر مشكلة ندرة المياه بوضوح فى الصين حيث أصبح إلزامياً فى بعض المناطق أن تقوم المحطات التى تعمل بالفحم بالتبريد باستخدام الهواء وليس المياه، ويقول المحللون إن تركيب نظام تبريد بالهواء يتكلف نحو 100 مليون دولار فى المحطات متوسطة الحجم، كما أنه يقلل من كفاءة المحطة لأنها تحتاج لحرق المزيد من الفحم وإنتاج الكهرباء لتشغيل النظام، كما أن استخدام الهواء يزيد من انبعاث غاز ثانى أكسيد الكربون المسئول عن التغير المناخي، ما يسلط الضوء على صعوبة المفاضلة البيئية التى تفرضها قضية ندرة المياه.
وعن غير قصد، تؤدى تحلية المياه نتيجة ندرة المياه إلى استخدام أكثر للطاقة، نظراً للارتفاع الكبير فى عدد المحطات التى تحتاج الطاقة للعمل، ومنذ 40 عاماً، كان يوجد عدد قليل جداً من محطات التحلية، أما اليوم فيوجد أكثر من 17 ألف محطة تنتج كمية مياه تعادل 21 سنة من الأمطار فى ولاية نيويورك، حسب بيانات الرابطة الدولية لتحلية المياه.
ولا يقتصر وجود محطات التحلية فى صحارى الشرق الأوسط فقط، وإنما تتضمن أكبر 10 دول، من حيث حجم المياه المحلاة، إسبانيا، وأستراليا، والصين، ويرجع ذلك إلى الشركات، وذلك لأن 45% من محطات التحلية التى أنشئت منذ عام 2010 كانت بطلب من شركات الطاقة الكبرى ومعامل التكرير، مقارنة بـ 27% من المحطات فى السنوات الأربع السابقة، وفقاً لبيانات الرابطة.
وتكمن المشكلة هنا فى أن المياه المحلاة هى أكثر تكلفة من المياه من مصادر أخرى، كما حذر علماء المناخ مراراً وتكراراً من أن تحلية المياه تجعل المناطق الرطبة أكثر رطوبة، والمناطق الجافة أكثر جفافاً، كما أن احتمالية زيادة هذه التكاليف يبدو مؤكداً.
ما الحل؟
يقع حل ندرة المياه بقدر كبير فى يد الحكومات، وليس الشركات لأن الأمر يتطلب سياسات مثل تنظيمات أفضل للرى واستخراج المياه الجوفية، واستخدام أذكى لمياه الصرف.
وبينت بعض التجارب كيف يمكن القيام بذلك، فلدى إسرائيل وسنغافورة إجراءات لتدوير وإدارة المياه، ولكن هذه النماذج نادرة، ما جعل بعض الشركات تقوم بالعمل بأنفسها.
وقامت مجموعة من الشركات منها «نستله» و«كوكاكولا» بوضع أيديها فى يد مؤسسة التمويل الدولية، الذراع الاستثمارية الخاصة بالبنك الدولى، لتشكيل مجموعة الموارد المالية 2030، وهى جهة تحاول تسليط الضوء على أبعاد مشكلة ندرة المياه، وأرخص الطرق لمعالجتها.
وأعدّت المجموعة تقارير واقعية من بينها تقرير يظهر أن الطلب على المياه العذبة سوف يتجاوز المعروض العالمى بنحو 40% بحلول 2030 إلا إذا تم القيام بالمزيد لتحسين المعروض ولترشيد الاستهلاك.
ومع ذلك، هناك أنواع من الإجراءات تكون معقولة مالياً أكثر من غيرها، وفقاً لتقرير آخر من المجموعة ساهمت فى إعداده شركة «آروب» الاستشارية الهندسية، ويوضح هذا التقرير أن معالجة مواضع التسريب فى أنظمة الإمداد القائمة سوف يعالج أزمة ندرة المياه، ويكون أقل تكلفة بمقدار 50 أو 100 مرة من بناء محطة معالجة مياه مرتفعة التكلفة.
وبمعنى آخر، حلول مشكلة ندرة المياه معروفة ولا تحتاج لأن تكون باهظة الثمن، والخطورة التى يخشى منها قادة القطاع التجارى هى أن هذه الخطوات سيتم تأجيلها للحظة الأخيرة، ما سيجعل التدافع لحل المشكلة مكلفاً.
ويقول رئيس مجلس إدارة شركة «نستله»: إذا لم نعالج أزمة المياه فسوف تنفد منا، حينها سنحاول اتخاذ قرارات لن تكون هى القرارات الأفضل.