زيادة الحمولات بواقع 265% خلال 32 عاماً تؤكد استمرار نمو التجارة العابرة بالقناة
الازدواج المحقق بالقناة سيخلي أماكن انتظار للسفن الجديدة
أعدت قناة السويس دراسة جديدة عن دور التفريعة الجديدة في تمكين المجري الملاحي من مواكبة النمو المستقبلي لحركة التجارة العالمية، التي تنمو بمتوسط 3% سنوياً في الأجواء الطبيعية، بعيداً عن أوقات الأزمات أو الركود العالمي، وتضاعف معدل النمو في قناة السويس.
وتوضح الدراسة التي أعدها الدكتور عبدالتواب حجاج، المستشار الاقتصادي بهيئة قناة السويس، أن تطوير المجري الملاحي لقناة السويس في المستقبل ينبغي أن يعتمد علي تعميق المجري لاستيعاب السفن التي لا تستطيع عبور القناة بكامل حمولتها حالياً، لكنها تخلص إلي القول إنه لا توجد حاجة لعمل ذلك في الوقت الحالي.
وتشير الدراسة إلي أن الطاقة الاستيعابية هي قدرة المجري الملاحي علي استقبال سفن من أحجام معينة، ويتم قياس هذه الطاقة بالعلاقة بين مساحة القطاع المائي للقناة ومساحة القطاع المائي للجزء المغمور للسفينة العابرة “الغاطس”، وهو ما تحدده لائحة الملاحة وقواعد العبور في جداول الغاطس المسموح به مع ما يقابله من العرض المسموح به.
وتوضح أن الغاطس الصيفي لسفن الأسطول العالمي الذي يتجاوز 17 متراً هي نوعان فقط من السفن هما: سفن الصب الجاف، وناقلات البترول الخام، أما باقي أنواع السفن بما فيها سفن الحاويات فإن غاطسها لا يتجاوز 17 متراً.
وتضيف أن الدراسات التي قامت بها وحدة البحوث الاقتصادية بقناة السويس خلال العام الماضي، أكدت قدرة القناة علي استقبال جميع أحجام وحمولات سفن الأسطول العالمي فارغة أو بحمولة جزئية، حيث إن السفن التي تمر بكامل حمولتها تمثل 60.9% من ناقلات البترول المارة بالقناة، و92.1% من ناقلات الصب الجاف مثل الحبوب، و100% من ناقلات الحاويات وباقي السفن المارة.
في حين بلغ عدد السفن التي لم تستطع عبور القناة بكامل حمولتها في العام الماضي، 674 سفينة تتوزع بواقع 578 ناقلة بترول، و127 سفينة صب جاف، وهو ما يعني أن أي مشروعات مستقبلية لتطوير المجري الملاحي في اتجاه زيادة الطاقة الاستيعابية “التوسيع والتعميق” تستهدف مرور هذه السفن وهي بكامل حمولتها بدلاً من العبور حالياً بحمولة جزئية.
وتوضح الدراسة، أن ناقلات البترول العملاقة يمكن عبورها قناة السويس بعد تخفيف جزء من حمولتها في خط أنابيب البترول (سوميد)، ثم تعبر القناة بحمولة مخففة الي البحر المتوسط لكي تستعيد حمولتها، وتكمل رحلتها إلي أوروبا وأمريكا، وبلغ عدد الناقلات التي تم عبورها بهذا الأسلوب 1721 ناقلة بترول بحمولة 287.7 مليون طن بترول خام، وحققت إيرادات بلغت 249.3 مليون دولار أمريكي خلال الفترة من سبتمبر 1997 حتي يونيو 2014.
أما بخصوص سفن الصب الجاف العملاقة فإن معظمها يعمل في مناطق بعيدة عن قناة السويس (بين البرازيل والصين، وبين أستراليا والصين)، وبناءً علي هذه النتائج فلا يوجد حاجة حقيقية، حالياً، لزيادة عمق قناة السويس.
وتدافع الدراسة عن عملية التوسعة الأخيرة لقناة السويس، والتي سمحت بازدواج القناة بطول 72 كيلومتراً، وتم إنجازها في سنة، وتشير إلي أنها كانت لازمة لزيادة الطاقة التصريفية للقناة بما يقلل من وقت عبور السفن ويسمح بزيادة عددها.
وتشير إلي أنه من المعروف أن المجري الملاحي لا يسمح إلا بمرور سفينة واحدة في الاتجاه الواحد، ولا يسمح بالتقابل، ولذلك تم إنشاء عدة تفريعات “By Passes” حتي يكون المجري الملاحي مزدوجاً، بما يسمح للسفن المتقابلة أن تعبر كل منها في أحد المجريين (الأصلي أو التفريعة).
وتوضح أن هناك مجموعة من العوامل تؤثر علي الطاقة التصريفية للقناة، تشمل طول الأجزاء المزدوجة من المجري الملاحي “التفريعات”، فكلما زادت هذه الأطوال ارتفعت الطاقة التصريفية للقناة، كما أن أهمية التفريعات تزداد كلما كانت في وسط المجري الملاحي، وتصل الطاقة التصريفية إلي حالتها القصوي للقناة عند الازدواج الكامل بحيث تستمر قوافل السفن في السير (كل في اتجاهه) دون توقف أو انتظار.
وحددت الدراسة العامل الثاني في الفاصل الزمني بين عبور كل سفينة والأخري، حيث تعبر السفن قناة السويس في قوافل بفاصل زمني بين السفن يسمح بتوقف السفينة قبل اصطدامها بالسفينة التي تسبقها في حالات الطوارئ، وترتفع مدة الفاصل الزمني مع زيادة حجم السفينة العابرة، أو سرعتها، حيث إن السفن كبيرة الحجم تحتاج للتوقف الطارئ وقتاً أطول مما تحتاجه السفن الأصغر، ما يؤدي إلي زيادة الطول الزمني للقافلة.
أما المحدد الثالث للطاقة التصريفية فيتمثل في سرعة السفن العابرة، إذ تتراوح سرعة السفن العابرة بين 13 و16 كم/ ساعة، حسب نوع السفينة وحمولتها، ونوع البضاعة التي تحملها وأماكن عبورها علي طول المجري الملاحي، وهي محددة بلائحة الملاحة، وتتم متابعتها بواسطة نظام المراقبة الإلكترونية (VTMIS) من خلال غرفة المراقبة المركزية ومحطات الإرشاد علي طول المجري الملاحي للقناة.
ولهذا يراعي عند ترتبب قوافل العبور أن تكون السفن الأعلي سرعة في مقدمة القافلة، وأحياناً يُعاد ترتيب القافلة في منطقة البحيرات المرة.
وتتزايد الطاقة التصريفية للقناة طردياً مع زيادة سرعة السفن، وتحقيقاً لعنصر الأمان الملاحي يحظر تجاوز السرعات المُحددة، خاصًة أن السرعات والفواصل الزمنية بين السفن تتغير حسب أنواعها وحمولاتها، حيث كلما زاد عدد السفن الكبيرة زاد الفاصل الزمني بينها، ما يؤدي إلي خفض الطاقة التصريفية، وهذا العامل هو النقطة الفاصلة في أعمال التطوير التي شهدتها قناة السويس.
وتظهر أهمية التطوير في أن عدد السفن المارة في كل قافلة يتوقف علي مدي قدرة المجري الملاحي علي تخصيص أماكن للانتظار، ومن هنا كلما تمكنت القناة من تقليص فترة العبور تم توفير أماكن انتظار للمزيد من السفن، حيث إن قناة السويس اعتادت علي تسيير ثلاث قوافل في الدورة الزمنية الواحدة (وهي 24 ساعة) اثنتان من الشمال، حيث تتوقف الأولي N1 في منطقة البحيرات المرة الكبري، وتتوقف الثانية N2 في تفريعة البلاح، في حين تستمر القافلة القادمة من الجنوب إلي الشمال دون توقف.
وتؤكد الدراسة، أن أهمية المشروع الجديد تكمن في مواكبة النمو العالمي نظرًا إلي أن الطاقة التصريفية والاستيعابية الحالية كافية لاستيعاب أعداد وحمولات السفن الراغبة في العبور دون تأخير.
وسجلت قناة السويس أكبر عدد من حيث السفن العابرة في عام 1982 بعد استكمال المرحلة الأولي للتطوير في ديسمبر 1980، حيث عبر القناة 22545 سفينة (بمتوسط يومي حوالي 62 سفينة) بإجمالي حمولات 363.5 مليون طن صافي بمتوسط يومي حوالي مليون طن صافي، وبلغ متوسط حمولة السفينة الواحدة حوالي 16.1 ألف طن صافي.
غير أن التطور الذي حدث في اقتصاديات النقل البحري، وعلي الأخص للاستفادة من اقتصاديات الحجم (Economy of scale) بإحلال السفن الأكبر حمولة بدلاً من تلك الأصغر حمولة، قد أدي إلي تزايد حمولات السفن العابرة مع تناقص أعدادها بصورة كبيرة، وتحديداً منذ 2002 حتي الآن، إذ عبر القناة عام 2014 عدد 17148 سفينة بمتوسط يومي حوالي 47 سفينة بحمولة 962.8 مليون طن صافي بمتوسط يومي 2.64 مليون طن صافي، في حين تصل متوسط حمولة السفينة الواحدة حوالي 56.14 ألف طن صافي.
وتقول الدراسة، إنه عند المقارنة بين عامي 1982 و2014، سنجد أنه حدث تطور استثنائي، فعلي الرغم من زيادة الحمولات بواقع 2.65 مرة، وتضاعف متوسط حمولة السفينة العابرة حوالي 3.5 مرة، فإن أعداد السفن تراجعت بنسبة 24%.
هذه المعادلة تعكس بُعداً مهماً، هو أن العامل المؤثر في القناة يتمثل في النمو المطرد في إجمالي الحمولات، وليست أعداد السفن، خاصة أن القناة تجاوزت فعلياً متوسط طاقتها الاستيعابية، ولن تستطيع مجاراة النمو العالمي في حركة التجارة دون تنفيذ ازدواج جديد عبر قناة السويس الجديدة التي تتضمن حفر 35 كم، إلي جانب تعميق 37 كم ليصل طول القناة الجديدة إلي 72 كم.
وتوضح الدراسة، أن الطاقة العددية الحالية للمجري الملاحي تبلغ 78 سفينة قياسية (Standard ship) ويدور متوسط حمولتها حول 50 ألف طن، ويصل الفاصل الزمني أمامها نحو 10 دقائق، ويرتفع هذا الفاصل مع زيادة الحمولة، وبالتالي يرتفع الحيز المائي الذي تشغله، فإذ بلغ الفاصل الزمني 30 دقيقة ستشغل السفينة أماكن 3 سفن قياسية.
وقد ترتب علي تضاعف أحجام السفن عالمياً، أن المجري الملاحي للقناة بات في حاجة إلي التطوير؛ حتي يتمكن من استقبال اعداد السفن الكبيرة التي تجاوز طلبها للعبور حدود الطاقة الحالية، وعلي الأخص تلك السفن المتجهة جنوباً، والتي عليها أن تنتظر مرور القافلة المتجهة شمالاً، خاصةً أنه في الحالات الاستثنائية يمكن زيادة هذه الطاقة لاستيعاب أعداد أكبر من السفن بتعديل مواعيد القوافل، أو تعديل الدورة الزمنية، ما يسفر عن طول أوقات الانتظار وتأخير زمن العبور، وكلها عوامل سلبية تقلل من الميزة التنافسية للقناة.
واستخلصت الدراسة، أن الازدواج الذي حققته القناة الجديدة أنقذ القناة من الفشل في استقبال أعداد أكبر من السفن، مقارنة بالطاقة الحالية، حيث إن طول الفاصل الزمني في النظام القديم كان سيحول مستقبلاً دون تخصيص أماكن لانتظار السفن أو تخصيص حيز مائي للسفن الإضافية الجديدة.
كتب – محمد احمد








