بقلم: رولا خلف
سألتُ مازحة، مسئولاً خليجياً كبيراً، فى مناقشة مؤخراً بشأن التدخل فى سوريا : «هل تفضل التحالف مع روسيا بدلاً من الولايات المتحدة؟»
ابتسم المسئول وقال:« الرئيس فلاديمير بوتين يقف بجانب أصدقائه ويشن الحرب نيابة عنهم، وهذا أكثر مما يمكن أن يقال عن نظيره الأمريكي».
ثم قال بنبرة أكثر جدية إنه لا يندم على علاقته بأمريكا التى تعود لعقود، والتى ستنجو رغم الآراء المتضاربة حول سوريا، وقال: «مع الولايات المتحدة علينا أن نتحلى بالصبر».
والمسئول محق بالطبع، إلا أن سؤال «بوتين أم أوباما؟» يثار كثيرا عبر الشرق الأوسط اليوم، بما فى ذلك فى بعض الدوائر الرسمية. وهذا لا يرجع إلى افتتان المنطقة الطبيعى بقوة بوتين، بقدر ما هو نتيجة خيبة الأمل المريرة من الرئيس باراك أوباما.
وكبلت واشنطن أيدى الحكومات الخليجية التى دعمت المتمردين السوريين فى الحرب الأهلية التى دامت لأربع سنوات حتى الآن. وفى حين رفض البيت الأبيض جميع توسلاتهم للمزيد من التدخل، ألقت روسيا مؤخرا بحماسة، بثقلها العسكرى وراء نظام بشار الأسد.
والآن، تشير التطورات فى الأشهر الأخيرة إلى أن المتمردين المدعومين من قبل الخليج يواجهون خطورة الانهيار مع انضمام روسيا إلى إيران فى القتال نيابة عن الأسد، وفى نفس الوقت، وصلت محاولات أمريكا الفاترة لتدريب قوة جديدة من المتمردين المعتدلين – وهم قلة – لخاتمة هزلية.
وتخلى بعض المتدربين الأسبوع الماضى عن برنامج واشنطن البالغة قيمته 500 مليون دولار، بعدما سلم بعضهم الذخيرة والمعدات للجهاديين لضمان التحرك الآمن فى سوريا، والآن تتحول الحكومة نحو تقديم الأسلحة لجماعات المتمردين القائمة بالفعل.
واستجابت السعودية لحملة القصف الروسى من خلال زيادة عدد الصواريخ المضادة للدبابات التى تعطيها للمتمردين، ولا يزال القادة الخليجيون يصرون على أن السلام فى سوريا لن يتحقق سوى برحيل الأسد، حتى وإن كان توقيت رحيله قابلا للتفاوض.
وربما يندم القادة فى الخليج على تورطهم فى الأزمة التى قامت على الافتراض المشكوك فيه، بأن الولايات المتحدة ستنضم فى النهاية إلى المعركة، وتجبر نظام الأسد على الاستسلام، والآن، لا يستطيعون تغيير المسار..ومع ذلك، لا يزالوا يتعاملون مع روسيا.
فالأسبوع الماضي، أجرى اثنان من أقوى المسئولين فى المنطقة – محمد بن زايد، ولى عهد أبو ظبي، ومحمد بن سلمان، ولى ولى عهد السعودية – محادثات مع بوتين فى مدينة سوتشي.
ولم تظهر المحادثات علامات على إحراز تقدم، وبدت الاختلافات أكثر وضوحا من ذى قبل.. ولكن هذا الحوار سلط الضوء على عدم رغبة الحكومات الخليجية فى التخلى عن علاقاتها مع روسيا التى استثمروا فيها – سياسيا واقتصاديا – فى الوقت الذى سعوا لتنويع روابطهم الدولية.
وربما يرون أن الانخراط الروسى فى روسيا – رغم انه مدمر وضد مصالحهم على المدى القصير – ثقل موازى محتمل للنفوذ الإيرانى على المدى البعيد، فبالنسبة للقوى السنية فى الخليج، تبقى إيران الشيعية وطموحاتها فى العالم العربى هى القلق الأكبر.
وفى كل الأحوال، ليس بيدهم الكثير لمنع بوتين، وعلى حد قول المسئول الخليجى الكبير: «لا يمكن وضع مجلس التعاون الخليجى على مسار تصادمى مع روسيا».
وبالتالى، فإن موقف الخليج فى الوقت الذى تستعد فيه روسيا للتدخل فى الحرب السورية مثل موقف الولايات المتحدة، ومضمونه: «موسكو سوف يتم سحبها فى مستنقع وستندم على ذلك».
ويقول المسئولون إن بوتين سيدرك أن قتال المسلحين الإسلاميين من داعش من الجو ليس فعالاً وسوف يضطر لخوض حرب على الأرض، ما سيؤدى به إلى خسائر ثقيلة، وانسحاب محرج.
وسوف تضطر روسيا للسعى وراء توسط خليجي، أى أنها ستضطر إلى التفاوض مع «طالبان جديدة» حسب قول المسئول الخليجي، مشيرا إلى الميليشيا الأفغانية المتطرفة، وسوف ينتهج الخليج نفس منهج الصبر الذى يتعامل به مع الولايات المتحدة، مع روسيا أيضا قريباً.
المصدر صحيفة «فاينانشيال تايمز».