انهيار أسعار البترول لم يمنع السعوديين من «البذخ»
10% ارتفاعاً فى متوسط مبيعات التجزئة الشهرية خلال 2015
لن تتخيل أبداً أن السعودية تعانى انخفاض أسعار البترول، عندما ترى المواطنين يقضون فترة ما بعد الظهيرة، وهم يتجولون فى مراكز التسوق اللامعة فى الرياض، أو يتناولون العشاء فى المساء بأحد المطاعم الفاخرة.
هذا الأمر ليس صدفة، فإنها السياسة القائمة فى السعودية، إذ ساعدت سياسة مشاركة العامة فى الثروة البترولية على إبقاء «آل سعود» على رأس السلطة فى ظل الاضطرابات التى تجتاح البلاد. وعندما تتراجع العائدات، كما هو الحال الآن، يفضل حكام المملكة إدارة عجز موازنة ضخم عن المخاطرة بالتلاعب بهذا العقد الاجتماعى الأساسى.
وتوقع صندوق النقد الدولى، أن تتجاوز الفجوة المالية 20% من الناتج الاقتصادى خلال العام الجارى. وأوضح الصندوق أنه بهذه الوتيرة ستنفد المدخرات السعودية بعد 5 سنوات. وخفضت وكالة التصنيف الائتمانى «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتمانى للبلاد، الأسبوع الماضى، ولكن، الآن، وفى ظل تطلع الدولة لخفض الإنفاق على المشروعات ومدفوعات شركات المقاولات، تحرص أكبر مصدر للبترول فى العالم على التأكد من أن غالبية مواطنيها لا يشعرون بوطأة الأزمة.
وقال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادى فى شئون الشرق الأوسط لدى مجموعة سيتى جروب: «لن تؤثر التخفيضات على الأسرة العادية».
أضاف أنه من المرجح عدم المساس بشبكة التأمين الاجتماعى أو رسوم الرعاية الصحية أو أى نفقات اجتماعية تتعهد بها الحكومة.
وذكرت وكالة أنباء «بلومبرج»، فى تقرير لها، أن متوسط مبيعات التجزئة الشهرية ارتفع بما يزيد على 10% العام الجارى، وانخفضت بنسبة 3.5% عن العام السابق فى سبتمبر. ويعود ذلك، جزئياً، إلى إجازة عيد الأضحى التى تغلق فيها المحال لأيام عديدة، وكان العيد العام الماضى فى شهر أكتوبر، وكان هناك انخفاض مماثل فى مبيعات التجزئة خلال هذا الشهر.
وقال جايمس رييف، نائب كبير الخبراء الاقتصاديين فى مجموعة سامبا المالية: «يمكن أن تكون إجازة العيد هى التى أثرت على مبيعات التجزئة، ولكن أعتقد أن هناك عامل ثقة أيضاً».
بينما قالت مونيكا مالك، كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك أبوظبى التجارى، توجد علامات على أن تراجع أسعار البترول أدى إلى انخفاض طلب المستهلك خلال النصف الثانى من العام.
أضافت أن التوقعات باستمرار انخفاض أسعار البترول لفترة أطول تعد محور هذا التغير فى مزاج المستهلكين، ونتوقع أن يستمر بعض التقشف المالى فى السعودية، والذى من المرجح أن يؤثر على طلب المستهلك.
وعلى الرغم من أن أسهم شركات التجزئة السعودية تراجعت منذ بداية أزمة البترول فى يونيو الماضي، فإنها تواكب أسهم الأسواق الناشئة بوجه عام، وأداؤها أفضل بكثير من شركات الإنشاءات فى البلاد.
وقال جون سفاكياناكيس، مدير الشرق الأوسط فى مجموعة «آشمور»: «يعد قطاع التجزئة أكثر مرونةً من مجالات الاقتصاد الأخرى».
ويبدأ السخاء الحكومى على السعوديين من التعليم، إذ تنفق الحكومة مليارات الدولارات سنوياً على إرسال الطلاب للخارج، بجانب الطاقة الرخيصة، وتبلغ تكلفة البنزين أقل من دولار للجالون، كما أن الكهرباء رخيصة جداً، حتى إن المقيمين فى الرياض لا يجدون حافزاً كبيراً لإيقاف تشغيل مكيفات الهواء عندما يسافرون لقضاء عطلة الصيف.
وأفاد التقرير الذى أصدرته مجموعة سامبا المالية بأن دعم الوقود وحده سيكلف السعودية نحو 52 مليار دولار العام الجارى، أو ما يعادل 8% من الناتج المحلى الإجمالى.
وأوضح صندوق النقد الدولى، أن السعودية تحتل المرتبة الرابعة عالمياً بعد قطر ولوكسمبورج والكويت فى دعم الطاقة للفرد الواحد، والمرتبة السابعة من حيث الدولارات التى تُنفق للدعم.
وقال فهد التركى، كبير خبراء الاقتصاد لدى «جدوى» للاستثمار، إنه على الرغم من أن دول الخليج الأخرى، بما فى ذلك الإمارات، تخفض الدعم، فربما لن تسير السعودية على خطاها العام الجارى أو المقبل، إذ إن البلاد تحاول التخفيف من آثار انخفاض أسعار البترول على الاقتصاد المحلى ككل، وعلى المستهلكين بوجه خاص.
ويعد ميل المملكة الدراماتيكى نحو العجز، إذ سجلت السعودية فائضاً فى الميزانية بنسبة 7% فى المتوسط خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، وفقاً لصندوق النقد الدولى، سبباً رئيسياً فى أن تباطؤ الاقتصاد من المرجح أن يكون خافتاً، ومن المحتمل أن ينمو الاقتصاد بنسبة 3% العام الجارى، وهو ما يعد انخفاضاً من 3.5% فى عام 2014، وفقاً لمسح أجرته «بلومبرج».