المستثمرون عزفوا عن تصنيع السفن محلياً واتجهوا إلى الدول العربية والأجنبية
وقف تراخيص الصيد والسياحة دفعنا إلى تصنيع الفالوكة والماكيتات الصغيرة
“المحافظة” ضاعفت من القيمة الإيجارية للورش
رئيس جمعية صناع السفن: نطالب بنظام تأمين اجتماعى ونقابة
2 مليون جنيه خسائر حريق الورش الأخير.. وطالبنا حى الجمرك بإنشاء خط للمياه والحريق دون جدوى
لاتزال آثار الحريق الذى نشب بخمس ورش لصناعة السفن بالإسكندرية تخيم على المنطقة وألواح الورش الخشبية المحترقة متناثرة على جانبى الطريق، وأصحاب الورش يعيدون بنائها من جديد، وذلك على الرغم من مرور أربعة أشهر على اندلاع الحريق الذى أدى إلى خسائر مادية قدرت بنحو 2 مليون جنيه.
وتمتد ورش صناعة السفن بمنطقة بحرى التابعة لحى الجمرك من أمام قصر ثقافة الأنفوشى حتى نادى الكشافة لمسافة تبلغ نحو 35 ألف متر مربع ويعود تاريخ المنطقة إلى مئات الأعوام، حيث يتوارث الصناع المهنة على مدار الأجيال المتعاقبة.
ويعانى المصنعين من عدم وجود خط لإطفاء الحرائق، بالإضافة إلى ارتفاع القيمة الإيجارية للأرض القائم عليها الورش، فضلاً عن ركود الطلب على تصنيع السفن فى ظل ارتفاع الأسعار وعدم استقرار الأوضاع خلال السنوات الأخيرة، وعزوف المستثمرين عن التعاقد.
ارتفاع القيمة الإيجارية للورش
قال حسين أبوشنب، رئيس جمعية صُناع السفن بالجمرك، لـ”لوجيستيك”، إن المحافظة رفعت خلال السنوات الأخيرة سعر المتر من الأرض التى يؤجرها الصناع لإقامة ورشهم من 20 قرشاً إلى 48 قرشاً للمتر، موضحاً أن مساحة أصغر ورشة لا تقل عن 300 متر2، لافتاً إلى أن الصُناع يؤجرون أرض فضاء ويدخلون لها المرافق بأنفسهم.
عزوف المستثمرين
وأكد على عزوف المستثمرين العرب والأجانب عن طلب تصنيع السفن فى الإسكندرية واتجاههم إلى الدول العربية المجاورة، لافتاً إلى أن دول “ليبيا، وتونس، والجزائر”، كانت من أبرز العملاء، بخلاف الأجانب المقيمين فى مصر من المشتركين فى الأندية البحرية واللذين كانوا يتهافتون على تصنيع السفن السياحية المزودة بأدوات الغطس وأجهزة حديثة لاستكشاف قاع البحر، لاستثمارها فى موانئ البحر الأحمر.
الطلب على السفن الحديد
وأشار إلى أن سفن الصيد شهدت تغييراً نسبياً فى صناعتها، حيث يميل العملاء حالياً إلى طلب تصنيع سفينة صيد من الحديد بدلاً من الخشب، وذلك لسرعة بنائها خلال 6 أشهر بخلاف السفينة المصنوعة من الخشب والتى تتراوح فترة تصنيعها من عام إلى عام ونصف العام، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأخشاب، وإمكانية استعمال الحديد المستعمل.
ويرى أن السفن المصنوعة من الخشب تعد أفضل من المصنوعة من الحديد، نظراً لأنها لا تحتاج إلى صيانة شهرية، ويتمكن المُصنع من تصميمها كما يشاء، وإضافة النواحى الجمالية من الديكور والدهانات.
وقف تراخيص الصيد.. والرخص القديمة تباع بـ 300 ألف جنيه
وقال أبوشنب، إن القرار الذى أُصدر منذ سنوات وأفاد بوقف تراخيص سفن الصيد، بحجة زيادة عددها، أدى إلى ضعف الطلب على تصنيع تلك السفن، وذلك بخلاف قرار منع تصنيع السفن السياحية إلا بعد الحصول على رخصة للتصنيع، بالإضافة إلى منع دخول سفن سياحية إلى موانئ البحر الأحمر إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة”.
وناشد المسئولون بإعادة النظر فى قرار محافظ البحر الأحمر سنة 2008، والخاص بعدم إنشاء سفن سياحية إلا بعد الحصول عى موافقة مسبقة، وكان القرار قد استند على أسباب منها الرغبة فى تحجيم عدد السفن السياحية التى تعمل فى منطقة موانئ البحر الأحمر لعدم وجود مراسى كافية لاستيعاب السفن.
وأوضح أن وقف تراخيص سُفن الصيد وعرقلة تراخيص السفن السياحية، رفع أسعار الرخص القديمة التى يضطر العميل إلى شرائها من السفن القديمة لتصل إلى 300 ألف جنيه، لافتاً إلى أن قلة عدد سفن الصيد يعمل على رفع سعر الأسماك بسبب عدم وفرتها.
الدولار تسبب فى ارتفاع أسعار الخامات
وأضاف أن ارتفاع سعر الدولار أدى إلى رفع أسعار الخامات المستخدمة فى التصنيع، ومنها الأخشاب، حيث ارتفع سعر المتر من 1000 إلى 3000 جنيه، وارتفع سعر كيلو المسامير من 5 إلى 12 جنيهاً، أما الدهانات فارتفع سعر الكيلو منها من 10 إلى 20 جنيهاً، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الماكينات البحرية والتى يختلف سعرها وفقاً لحجم السفينة وقدرتها والبلد المصنعة، فضلاً عن ارتفاع أسعار النقل، موضحاً أن العمالة بدأت فى الهروب إلى مهن أخرى فى ظل ارتفاع الأسعار وتردى مستوى المعيشة.
نقابة للصُناع ونظام تأمينى
قال أبوشنب، إن الدولة لا تدعم صناعة السفن والصناعات المكملة لها مثل الحدادة، والسباكة، والكهرباء، مطالباً بتخصيص حصة من الأخشاب بصورة شهرية بأسعار تجارية للمُصنعين، فضلاً عن توفير مؤشر بيانى يرصد وضع صناعة السفن فى مصر ويقدم تقارير بشأنها، موضحاً أن النوات الشتوية عملت على تلف عدد كبير من السفن الجارى إنشاؤها، مرجعاً ذلك إلى عدم وجود مناطق متكاملة مؤهلة للتصنيع واستقبال العملاء.
وطالب بإنشاء نقابة للعاملين فى صناعة السُفن والصناعات المكملة لها، بالإضافة إلى دعم الدولة للصُناع من خلال مساعدتهم مادياً وصحياً، وتأسيس نظام تأمين اجتماعى شامل لهم.
جدولة ديون المُصنعين
وناشد أبوشنب الأحياء بإعفاء أصحاب الورش من جزء من ديونهم المتراكمة عليهم نظير الإيجار الشهرى للأرض المقامة عليها الورش، بالإضافة إلى جدولة الديون لفترة زمنية تتراوح من ثلاثة إلى خمسة أعوام.
لافتاً إلى أن أصغر ورشة والتى تحتل مساحة 300 متر لا تقل ديونها عن 10 آلاف جنيه مستحقة للأحياء، مشيراً إلى عدم توافر تعاقدات على تصنيع السفن بسبب الأوضاع غير المستقرة خلال فترة الخمس سنوات الأخيرة، أدت إلى تراكم القيمة الإيجارية على أصحاب الورش.
كما طالب بتخصيص حصة من الخامات، خاصة الأخشاب وتكون ربع سنوية لكل من يحصل على سجل تجارى أو بطاقة ضريبية فى مهنة صناعة السفن، وتخصيص قطعة أرض لجمعية صناع السفن لإنشاء مركز تدريبى يعمل على تدريب كل من يرغب فى تعلم أصول المهنة، على أن تدعم الدولة المشروع من خلال إصدار حافز يومى للمتدربين، لتشجيعهم على تعلم الصناعة، بالإضافة إلى تسهيل الإجراءات لكل من يرغب فى استخراج رخصة لإنشاء سفينة، وإعادة النظر فى قرار إيقاف صناعة سفن الصيد.
خسائر تكرار حريق الورش
وأكد أبوشنب على أن أبرز المشكلات التى يعانى منها الصناع فى منطقة الورش تتمثل فى عدم وجود مركز للإطفاء بمنطقة صناعة السفن، وخط لمياه الشرب، وخط للحريق بالمنطقة، الأمر الذى تسبب فى تعدد الحرائق.
وقال: “فى حالة حدوث حريق المنقذ للموقف هو إدارة الحماية المدنية والقوات البحرية، فخلال الثلاث سنوات الأخيرة نشب 5 حرائق فى الورش من ضمنها حريق الأنفوشى الذى أدى إلى تدمير نحو 13 ورشة ومسجد ومبنى جمعية صناعة السفن، وتسبب فى تكبد خسائر تقدر بنحو 15 مليون جنيه”.
وأضاف أن اللواء عبدالسلام المحجوب حينما كان محافظاً للإسكندرية كان يزور الورش بين الحين والآخر، وأعطى تعليماته لرؤساء الأحياء بالاهتمام بمنطقة صناعة السفن، وإدخال خط حريق ومياه، بالإضافة إلى إنشاء دورات مياه للعمال، فضلاً عن منح الجمعية قطعة أرض لإقامة مقر لها لزيادة نشاطها، حيث تحتل مساحة 50 متراً، ولكن عقب تعليماته بأيام تولى حقبة وزارية ولم يتم تنفيذ أى شىء من التعليمات التى أعطاها للمسئولين عن الأحياء.
وأكد أبوشنب، أن الحريق الأخير للورش والذى اندلع فى شهر سبتمبر الماضى أدى إلى تكبد أصحاب الورش خسائر تقدر بنحو 2 مليون و50 ألف جنيه.
وأضاف أن الحريق نشب فى 5 ورش من أصل 66 ورشة مقامة على مساحة 400 متر مربع فى عمق لا يقل عن 120 متراً، تبدأ من نادى الكشافة البحرية، وحتى المركز الثقافى للصيادين.
وأوضح أن الخسائر فى ورشة لصناعة اليخوت مقامة على مساحة 60 متراً مربعاً، قدرت بنحو 750 ألف جنيه، بينما بلغت قيمة الخسائر فى ورشة للنجارة المتكاملة مقامة على مساحة 35 متراً مربعاً بنحو 250 ألف جنيه.
وتابع أبوشنب، قدرت قيمة الخسائر فى ورشة أخرى لصناعة اليخوت مقامة على مساحة 700 متر بنحو 700 ألف جنيه، وحوالى 200 ألف جنيه لورشة لصناعة اللانشات والسفن مقامة على مساحة 100 متر مربع مبانٍ خشبية، وبلغت قيمة الخسائر فى ورشة مخصصة لخدمات سفن مساعدة مقامة على مساحة 60 متراً نحو 150 ألف جنيه.
قال رضا محمد، أحد المصنعين، إن منطقة الورش ينشب بها حريق كل عام بسبب عدم وجود خط للحريق، مشيراً إلى أن صناعة الورش فى الإسكندرية تعانى من ركود منذ أربع سنوات، ومازال هناك العديد من السفن التى لم ينته المصنعين من إنشائها لأكثر من عشر سنوات، لعدم قدرة العميل على سداد قيمة المبالغ المستحقة التى يدفعها على مراحل.
الاتجاه للفلوكة والماكيتات
وأضاف أن ركود الطلب على صناعة السفن فى الإسكندرية أدى إلى اتجاه الصناع إلى صناعة لانشات الصيد الصغيرة “الفلوكة” والماكيتات المستخدمة فى مشاريع التخرج لطلبة الأكاديمية البحرية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، والكلية البحرية، وقسم الهندسة البحرية وعمارة السفن بكلية الهندسة، بالإضافة إلى استخدامها فى الزينة.
وأوضح أن صناعة السفن تضم عدداً من الصناعات التكميلية ومنها النجارة، والحدادة، والسباكة، والكهرباء، لافتاً إلى أن المساحات المخصصة لصناعة الورش لا تكفى لتصنيع سفن تجارية، حيث إن أصغر سفينة تجارية يجب أن تقام على مساحة لا تقل عن 50 متراً، فيتم التصنيع فى الترسانات البحرية، موضحاً أن أكبر مساحة للتصنيع فى الورش تبلغ 40 متراً.
وأشار إلى أن تصنيع سفينة السياحة يبدأ من 15 متراً حتى 40 متراً، ويبدأ سعر تصنيعها من 60 ألف جنيه حتى 2 مليون جنيه، أما سفن الصيد مساحتها من 7 أمتار وحتى 27 متراً، ويبدأ سعر تصنيعها من 30 ألف جنيه حتى 700 ألف جنيه، ويختلف حجم وأسعار السفن طبقاً لحاجة العميل ونظام تعاقده مع المُصنع.
وكر للمخدرات واسطبلات للخيل
قال محمد حسن، أحد المصنعين، إن الورش ليلاً تصبح ساحة لتعاطى المخدرات، نظراً لأن المنطقة أرض فضاء ولا يوجد بوابات أو أسوار لتأمينها، وهو أحد أسباب نشوب حرائق الورش، بالإضافة إلى أن هناك تعدى على المساحات المخصصة لبناء السفن من قبل عدد من الأشخاص، حيث قاموا ببناء اسطبلات للخيول أسفل السفن الجارى تصنيعها دون وجه حق، وافتعال المشكلات مع المُصنعين.
وطالب صبرى مسعود، أحد المصنعين، حى الجمرك بإنشاء بوابات إلكترونية وبناء أسوار لتأمين الورش وحمايتها، لما تمثله صناعة السفن من أهمية فى دعم الصيد والسياحة، بالإضافة إلى دعم وزارة التجارة والصناعة صُناع السفن.
