لن يقدم رفع العقوبات على الاقتصاد الإيراني مثالاً مرحباً به على أن التحرك الدولى المنسق، والعزم الدبلوماسى بإمكانهما حل المشكلات العالمية المعقدة فقط، وإنما سيحيى الجمهورية الإسلامية من سباتها إلى قوة إقليمية فى الشرق الأوسط، كما سيعيد ربط اقتصاد ناشئ ذى إمكانات حيوية بالأسواق العالمية، وسيجلب مستقبلاً أكثر إشراقاً للشباب المتحمس.
ويفتح الاتفاق، الذى توصلت إليه إيران مع القوى الدولية بقيادة الولايات المتحدة للحد من برنامجها النووى وإخضاعه للتدقيق الخارجى مقابل التخلص من العقوبات شديدة القسوة، وإطلاق سراح ما يصل إلى 100 مليار دولار من الأصول الإيرانية المجمدة، الباب أمام طهران لأن تصبح قوى لها القدرة على بث الاستقرار فى المنطقة المنهارة.
وبالفعل، تُعامل إيران كلاعب لا غنى عنه فى العديد من الصراعات بالشرق الأوسط، فهى تمتلك مقعداً على طاولة المنتدى الدبلوماسى الأمريكى الروسى لرسم خارطة إنهاء الحرب الأهلية الوحشية فى سوريا، وتتعاون الولايات المتحدة وإيران سراً فى العراق لمحاربة «داعش».
ويسلط تبادل السجناء الأمريكيين والإيرانيين، بداية الأسبوع الجارى، الضوء على أن واشنطن وطهران تعتزمان العمل معاً، بناءً على المصالح، وتجاهل العداوات المتأصلة من الماضى.
ومع ذلك، ليس الالتزام بشروط الاتفاق النووى وحده هو ما سيحدد شرعية إيران الدولية، وإنما أمامها طريق طويل حتى تكسب القبول داخل الشرق الأوسط، حيث أقامت محوراً شيعياً من بغداد إلى بيروت، بينما تعارض السعودية، القوة السنية العربية الرائدة، بشدة إعادة ظهور إيران، لأنها تعتقد أنه سيأتى على حسابها.
وتنتقد الملكية السعودية المذهب الشيعى بشدة، وتعتبره هرطقة وتهديداً، وأعدمت رجل دين شيعياً بارزاً، الشهر الجارى، وقصفت العام الماضى المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران فى جارتها اليمن، وأوضح السعوديون، تحت قيادة أكثر تأكيداً على الذات ولكن قليلة الخبرة، بأنهم يشعرون بالخيانة من قبل الولايات المتحدة، حليفتهم طويلة الأجل.
ومع ذلك، فإن السعودية ليست الدولة الوحيدة بين العرب التى تشعر بأن إيران وحرسها الثورى استغلا تفكك الدول العربية، للتصرف كقوة استعمارية، خاصة بعد الغزو بقيادة الولايات المتحدة للعراق فى 2003، والاضطرابات التى تلت نتيجة الثورات العربية فى 2011، لاسيما فى سوريا.
وساعد الدعم الإيرانى، وعززه التأييد الروسى، على إبقاء نظام بشار الأسد فى السلطة بسوريا حتى وإن كان داخل دولة هشة آخذة فى التقلص، كما كانت مساندة طهران لرئيس الوزراء العراقى الطائفى المدمر، نورى المالكى، هى التى فتحت الباب لظهور داعش فى شمال وغرب العراق خلال 2014، كما تسبب الحرس الثورى الإيرانى، الذى يستخدم الميليشيا كأسلحة حين الضرورة، فى انهيار الدول والمؤسسات من العراق إلى لبنان.
وحتى فى حال قررت إيران الآن أنه من مصلحتها تقليص نفوذها الجيوسياسى، فسوف تواجه فرصة عظيمة وتحدياً كبيراً فى نفس الوقت فى كيفية فتح اقتصادها.
ويقول الخبراء الإقليميون بشأن إيران، إنه نتيجة العقوبات التى رفعت لتوها، لدى الدولة حاجات استثمارية غير مستوفاة بقيمة 150 إلى 200 مليار دولار سنوياً على مدار العشر سنوات المقبلة.
وحتى فى وقت يتسم بانخفاض أسعار البترول، فإن حيازتها خُمس احتياطيات الغاز المثبتة سيكون ذا قيمة فى عالم أكثر إدراكاً لمشكلة التغير المناخى، وأعلنت طهران الأسبوع الجارى، أنها سوف تشترى أكثر من 100 طائرة جديدة من «آيرباص» لتجديد أسطولها المستهلك.
ومع ذلك، فإن النجاح فى التحول الاقتصادى، وإعادة دمج الدولة فى الاقتصاد العالمى، سيؤديان بالتأكيد إلى ظهور لاعبين جدد ومنافسين لمراكز القوى التقليدية فى إيران مثل الحرس الثورى الذى يسيطر على إمبراطورية أعمال ضخمة.
ولطالما ينظر الحرس الثورى لمثل هذا التغيير كمنزلق خطر تجاه تغيير النظام، وفى الوقت الذى يبتهج فيه الإيرانيون بسبب انتهاء عزلتهم، ينقسهم قادتهم بين إصلاحيين، وبين أصحاب المصالح الخاصة مثل الحرس الثورى الإيرانى، الذى لا يزال لديه الكثير ليلعب به.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»








