الحكومة تقلص دور القطاع الخاص وتعتمد على نفسها فى تنمية الاقتصاد.. وأعمال الشركات تتباطأ
تراجع الاستثمارت الخاصة إلى %51 من خطة التنمية والحكومة تسيطر على %53 من القروض البنكية منذ بداية العام
%5.5 تراجعاً فى معدلات توظيف قروض الشركات من إجمالى القروض
«الفقى»: الحكومة تعتمد على المشروعات الضخمة لتحقيق معدلات النمو المستهدفة
القطاع الخاص ينكمش للشهر الحادى عشر على التوالى
عادت الحكومة للاعتماد على نفسها مجددا فى تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية وتقلصت المساحة المخصصة للقطاع الخاص بمعدلات كبيرة.
وبعد أن كانت استثمارات القطاع الخاص تدور حول معدلات مرتفعة من إجمالى الاستثمارات السنوية فى مصر تراجعت هذه النسبة خلال العام المالى الحالى لتصل إلى %51 فقط، مقابل %49 للحكومة وشركاتها وهيئاتها التابعة.
ووفقاً لبيانات الخطة الاقتصادية والاجتماعية التى أصدرتها وزارة التخطيط، فإن الحكومة تستهدف تحقيق استثمارات عامة خلال العام المالى الجارى نحو 278.6 مليار جنيه مقابل 180 مليار جنيه العام المالى السابق والاستثمارات الخاصة 291.4 مليار جنيه مقابل 236.5 مليار جنيه.
وتراجعت الاستثمارات الخاصة تدريجيا خلال السنوات الماضية، وبعد أن كانت تدور حول %75 من إجمالى الاستثمارات قبل سنوات باتت %57 من إجمالى استثمارات العام المالى الماضى، و%61 من إجمالى الاستثمارات العام المالى قبل الماضى.
وقال فخرى الفقى مساعد المدير التنفيذى الأسبق بصندوق النقد الدولى، إن استثمارات القطاع الخاص لم تصل إلى المستوى المطلوب فى نشاط الاقتصاد المصرى.
وأضاف أن استثمارات القطاع الخاص تراجعت خلال السنوات الماضية والحكومة بدأت تضخ استثمارات لتعويض انخفاض نشاط القطاع الخاص.
وأشار إلى أن تراجع استثمارات القطاع الخاص يدل على المشاكل التى يواجهها القطاع فى السوق المحلى والمتمثلة فى توقف المصانع نتيجة نقص السيولة الدولارية.
وجاءت تقسيمة الاستثمارات العامة خلال العام المالى الجارى على النحو التالى 83.2 مليار جنيه استثمارات قطاع الأعمال العام و48.7 مليار جنيه الهيئات الاقتصادية و107 استثمارات الحكومة ومن بينها 64 مليار جنيه من تمويل الخزانة.
واستحوذت الأنشطة العقارية على النسبة الأكبر من الاستثمارات العامة خلال العام المالى الجارى بقيمة 86.7 مليار جنيه وجاءت خدمات التعليم والصحة كثانى أعلى نسبة من الاستثمارات العامة بقيمة 72.5 مليار جنيه تليها الاستخراجات 64 مليار جنيه والكهرباء 63.4 مليار جنيه والصناعات التحويلية 55.2 مليار جنيه.
كما استحوذ قطاع الاستخراجات على النسبة الأكبر من استثمارات القطاع الخاص خلال العام المالى الجارى بقيمة 55.6 مليار جنيه، تليه الأنشطة العقارية 53 مليار جنيه والصناعات التحويلية 47 مليار جنيه والزراعة والرى والصيد 26.5 مليار جنيه، كما جاءت توقعات الحكومة باستثمارات القطاع الخاص فى الكهرباء نحو 40 مليون جنيه فقط وكأقل قطاع استثمار به من قبل القطاع الخاص خلال العام المالى الجارى.
وأضاف الفقى أن توجه النسبة الكبيرة لاستثمارات القطاع الخاص إلى قطاع الاستخراجات البترولية راجع لزيادة استمارات الشركات الاجنبية والمحلية فى القطاع بعد اكتشاف أكبر حقل للغاز فى مصر، بالإضافة إلى مناطق أخرى.
واحتل قطاع التشييد والبناء «الأنشطة العقارية» أكثر القطاعات استثماراً خلال العام المالى الجارى سواء من قبل الحكومة أو القطاع الخاص مستحوذاً على نسبة %26 من إجمالى الاستثمارات وبقيمة 140 مليار جنيه يليه قطاع الاستخراجات «قطاع البترول» بنسبة %24.5 وبنحو 128 مليار جنيه.
وعن استحواذ القطاع العقارى على أكبر قيمة من الاستثمارات قال الفقى، إن ذلك يرجع إلى المشروعات القومية التى دشنتها الحكومة خلال العام المالى الحالى، ومن بينها مشروع الإسكان لمحدودى الدخل.
وذكر الفقى أن توجه الحكومة لزيادة الاستثمارات يهدف إلى الوصول لمعدلات النمو المستهدفة خلال العام المالى الجارى، حتى وإن لم يكن للقطاع المستثمر فيه أهمية فى الوقت الحالى.
ويرى الفقى أن حجم الاستثمارات ككل يعتبر منخفضا بشكل كبير مقارنة بطبيعة السوق المصرى وكبر حجمه.
وكان الاهتمام خلال السنوات الماضية وفقاً للبيانات المتاحة بقطاع الصناعات الاستخراجية والصناعات التحويلية أكثر من القطاع العقارى فى توجيه الاستثمارات سواء استثمارات خاصة او حكومية إلا أن الخطة الاستثمارية للعام المالى الجارى تستهدف قطاع التشييد والبناء بشكل أكبر فى توظيف الاستثمارات.
وتظهر الإحصائيات الصادرة عن البنك المركزى سيطرة الحكومة والهيئات التابعة لها على معظم الزيادة فى القروض البنكية الممنوحة منذ بداية 2016.
واستحوذت الحكومة على %53.2 من إجمالى الزيادة فى قروض البنوك خلال اول خمسة شهور من العام الجارى، فى حين بلغت حصة القطاع غير الحكومى باستثناء الافراد على %37.6 من إجمالى القروض.
وقال البنك المركزى فى أحدث تقاريره الشهرية إن قروض الحكومة بلغت 71.3 مليار جنيه خلال أول 5 شهور من 2016، لتبلغ المحفظة 172 مليار جنيه بنهاية مايو مقابل 100.7 مليار جنيه بنهاية ديسمبر 2015.
ووفقا لأرقام البنك المركزى ارتفعت قروض القطاع غير الحكومى باستثناء الأفراد بنحو 50.46 مليار جنيه خلال نفس الفترة لتصل إلى 535.48 مليار جنيه مايو الماضى مقابل 485 مليار جنيه بنهاية عام 2015.
ويشمل هذا الرقم كل القروض الموجهة للشركات بما فيها الشركات الحكومية، ما يعنى أن نصيب القطاع الخاص من القروض أقل من هذه الأرقام.
وأرجع مديرو ائتمان بالبنوك نمو معدلات إقراض الحكومة خلال الفترة الأخيرة مقارنة بالقطاع الخاص إلى الطلب، مشيرين إلى أن اتجاه الدولة وهيئاتها نحو تطوير البنية التحتية وتزايد قروض الهيئات العامة وقطاع الكهرباء تحديدا ساهم بشكل كبير فى نمو قروض الحكومة.
ورتبت 3 بنوك فى شهر مايو الماضى أكبر قرض فى تاريخ القطاع المصرفى بقيمة 20 مليار جنيه لصالح صندوق تمويل الإسكان الاجتماعى التابع لوزارة الإسكان.
وحصلت شركات الكهرباء الحكومية على قروض كبيرة متتالية لسداد مديونيتها للهيئة العامة للبترول.
وبلغت الزيادة فى ارصدة قروض البنوك نحو 134 مليار جنيه منذ يناير الماضى وحتى مايو لتصل إلى 920.69 مليار جنيه مقابل 786.65 مليار جنيه بنهاية 2015.
وقال محمود السقا مدير ائتمان بأحد البنوك الخاصة أن الأمر يتعلق بحجم الطلب من القطاع الخاص على القروض البنكية، وهناك سيولة تكفى الجميع.
أضاف السقا أن هناك اضطرابات اقتصادية وتأثيرات سلبية لحقت بالاقتصاد وانعكست على الشركات وتعاملاتها وخططها التوسعية وهو ما قلص الطلب من جانبها، لافتا إلى أن هناك تعاملات واسعة لتلك الشركات بالدولار ونظرا للأزمة التى تعيشها جميع الاسواق بسبب تلك الازمة قلص عدد من الشركات والمصانع انشطتها حتى تتوفر العملة.
وأكد السقا أن القطاع الخاص ليس بحاجة لتدخل من البنك المركزى للضغط على البنوك لتوجيه جزء من قروضها إليه.
وتراجع معدل توظيف القروض لدى الشركات بنحو %5.5 خلال الخمسة شهور الأولى من العام لتصل نسبة التوطيف %70.9 من القروض البنكية فى مايو، مقابل %76.4 بنهاية 2015.
وإجمالا يبلغ معدل توظيف الودائع فى القروض نحو %45 تقريبا، بينما تكتتب البنوك فى أوراق الدين الحكومى بنحو %43 من ودائعها وتعتمد الحكومة بشكل رئيسى على القطاع المصرفى فى تمويل عجز الموازنة.
وتمتلك الحكومة أكبر بنكين فى البلاد إضافة لعدة بنوك أخرى صغيرة وتسيطر البنوك الحكومية على نحو %40 من أصول الجهاز المصرفى.
وقال مسئول من البنك الأهلى المصرى أكبر البنوك المصرية من حيث الأصول إن انكماش الاقتصاد بشكل عام الفترة الماضية ساهم فى تباطؤ نمو قروض القطاع الخاص، متوقعا ان يحدث العكس فى المقابل وتتزايد قروض الحكومة فى ضوء المشروعات القومية المرتقبة وتطويرات البنية التحتية.
وارتفع إجمالى توظيفات ودائع القطاع المصرفى فى القروض بنحو %3.2 منذ بداية العام وحتى مايو الماضى لتبلغ النسبة %44.7 مقابل %41.5 بنهاية 2015.
وقال مسؤل ائتمان ببنك مصر إن قروض الحكومة حققت نموا بسبب نشاط بعض الهيئات العامة وتوسعاتها بالإضافة لصرف بعض حصص لقروض مع شركاء اجانب بعدد من القطاعات، مشيرا إلى أن تراجع قروض القطاع الخاص بسبب تراجع قروض البنوك بالعملة الأجنبية لتوفير المدخلات الخاصة بالإنتاج.
وأضاف أن البنوك لديها أزمة فى تدبير التمويلات بالعملة الأجنبية وهو أهم اسباب تراجع ارصدة القروض بالعملات الاجنبية، مشيرا إلى أن تزايد طلبات الحكومة على القروض يرجع للتوسع فى مشروعات البنية التحتية والتطوير والتى تتطلب العملة المحلية.
واستحوذت الحكومة على %83 من إجمالى قروض البنوك خلال مايو الماضى لتصل حصتها إلى 50 مليار جنيه من إجمالى الزيادة البالغة 60 مليار جنيه، ليبلغ إجمالى محفظة القروض 920.7 مليار جنيه مقابل 860.8 مليار جنيه بنهاية أبريل.
وتحولت مصر إلى سياسة إطلاق ما يعرف بالمشروعات الضخمة منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى منصبه قبل عامين، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. وقامت بتوسعة قناة السويس خلال سنة واحدة، وأطلقت خطة لبناء نصف مليون وحدة سكنية خلال عامين لمحدودى الدخل، وتنفذ حاليا عاصمة إدارية جديدة، وجرى الإعلان عن إطلاق مشروع لاستصلاح 1.5 مليون فدان، وهى المشروعات التى جرى التشكيك فى جدواها.
وأظهر مؤشر مديرى المشتريات الرئيسى (PMI) لبنك الإمارات دبى الوطنى، استمرار انكماش نشاط شركات القطاع الخاص غير المنتجة للبترول فى مصر خلال شهر أغسطس، وذلك للشهر الحادى عشر.
وقال البنك قبل أسبوعين إن وتيرة الانكماش تسارعت خلال شهر أغسطس الماضى، نتيجة الهبوط الحاد فى الإنتاج والطلبات الجديدة والتوظيف.
وتراجع المؤشر إلى 47 نقطة فى شهر أغسطس مقابل 48.9 نقطة فى يوليو، وهو أقل مستوى له فى أربعة أشهر ويفصل مستوى 50 نقطة بين النمو والانكماش.
وقال جان بول بيجات كبير الخبراء الاقتصاديين لدى بنك الإمارات دبى الوطنى إن «بيانات مؤشر مديرى المشتريات لشهر أغسطس تسلط الضوء على الحاجة الملحة لتدشين برنامج واسع المدى للإصلاح الاقتصادي».
وأشار المسح إلى أن الشركات كانت مترددة فى الدخول فى نشاط شرائى خلال شهر أغسطس بسبب ارتفاع تكاليف المشتريات لأعلى مستوى لها فى تاريخ المؤشر فى ظل ضعف العملة المحلية، وهو ما أدى لانخفاض إمدادات المواد الخام والسيولة.
وتعانى مصر من أزمة نقص عملة طاحنة نتيجة تقييم الجنيه رسميا بأعلى من قيمته الحقيقية وهو ما خلق سوقا موازيا للعملة تقل فيها قيمة الجنيه عن الأسعار الرسمية بنحو %45 تقريبا.
وقال بيجات إن «بيانات المسح تلقى الضوء على الحاجة المستمرة للتحرك نحو نظام سعر صرف أكثر مرونة من أجل الوصول إلى سعر صرف للجنيه متوازن مع السوق».
وأظهر المسح أن طلبات العملاء من القطاع الخاص انخفضت بسبب ارتفاع الأسعار ونقص السيولة.
كما أن الشركات المشاركة فى المسح أشارت إلى صعوبات فى الحصول على المواد الخام الأمر الذى حد من قدرتهم على زيادة نشاطهم، وكان ذلك نتيجة مباشرة لتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار.
وقال بنك الإمارات دبى فى تقريره عن نتائج المسح إن شهر أغسطس شهد زيادة حادة فى أسعار المنتجات بعد ارتفاع تكلفة مستلزمات الإنتاج، وأن ضغوط التكلفة غلبت كثيرا على محاولات جذب عملاء جدد من خلال التخفيضات.
وأظهر المسح أن معدل فقدان الوظائف كان الأسرع منذ بدء عمل المؤشر قبل حوالى خمس سنوات ونصف.
وقالت شركات من القطاع الخاص إن عددا من الموظفين تركوا وظائفهم بحثا عن فرص عمل أفضل.
وتأتى الزيادة فى اعتماد الحكومة على مواردها المحدودة بالتوازى مع عجز موازنة يصل إلى %11.2 من الناتج المحلى الإجمالى فى أول 11 شهرا من العام المالى الماضى، بينما يعانى عدد كبير من الشركات والهيئات الحكومية من أزمات مالية وخسائر مزمنة وترهل مالى وإدارى.
وتبلغ معدلات الدين العام نحو %100 من الناتج المحلى الإجمالى وارتفعت تكلفة إصدرات السندات الحكومية لمستويات عالية هى الأعلى منذ سنوات وواحدة من بين الأعلى على الإطلاق.
وتتراوح الفائدة على الإصدارات الحكومية الأسبوعية بين %14 لأذون الخزانة قصيرة الأجل وأكثر من %17 على سندات الخزانة أجل 5 سنوات، وهو ما دفع الحكومة لإلغاء عدد من طروحاتها الأطول أجلا عدة مرات.