طاهر الخولى الخبير القانونى لـ«البورصة»:
«السياسات النقدية» مبهمة وغامضة وأصابت تحركات المستثمرين بالشلل
مصر بلا مشرع اقتصادى محترف.. والحكومة تفتقد للعقول المبدعة
تحصيل 3 آلاف دولار بدل إقامة للأجانب توفر للدولة نحو 6 مليارات دولار سنوياً
الجهاز الإدارى للدولة فاسد ولابد من سرعة تطهيره لتحقيق الإصلاح
الحكومة غير جادة فى تطبيق «الشباك الواحد» وتركته تحت رحمة الموظفين والبيروقراطية
مزاحمة الدولة للقطاع الخاص «كارثة» ويجب تحويلها لمراقب ومنظم
تعانى مصر من زيادة التشريعات المتضاربة الحاكمة والمنظمة للنشاط الاقتصادى، التى تحول دون اجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة، أو تعبئة مزيد من الاستثمارات المحلية، حسبما يرى الخبير القانونى طاهر الخولى.
وقال الخولى: إن آليات الخروج من السوق المصرى لا تزال غير واضحة، وأن السياسات النقدية غامضة، والضريبية غير مستقرة.
وأضاف أن «فوضى» التشريعات الاقتصادية بمصر المتهم الرئيسى فى «تطفيش» الاستثمار، وأن ضبط إيقاعها ضرورى لطمأنة مجتمعات المال والأعمال المحلية والعالمية.
وتابع: لا يليق لدولة بحجم وتاريخ مصر أن تتعامل مع المستثمرين دون رؤية واضحة أو قانون منظم جامع للنشاط الاقتصادى..
*فى البداية ما تقييمك للتشريعات الاقتصادية بمصر.. وكيف ترى قانون الاستثمار؟
الخولى: مصر تعانى فوضى عارمة فى التشريعات المنظمة للنشاط الاقتصادى، ولابد من سرعة وضع رؤية اقتصادية واضحة، تشتمل على خريطة استثمارية.. البلاد تفتقد البوصلة الاقتصادية، فسياساتها النقدية مبهمة وغامضة، وأصابت تحركات المستثمرين بالشلل، وكذالك سياساتها الضريبية غير مستقرة وتربك حسابات رجال الأعمال.
مصر دولة كبيرة وقوية، وافتقدت البوصلة الاقتصادية لغياب العقول المبدعة عن المسئولين الاقتصاديين بالحكومة، فلا توجد آلية ناجزة وسريعة لتخارج المستثمر من السوق، ويقتصر التركيز حالياً على تسهيل إجراءات الدخول وبدء النشاط، والذى لم نحقق فيه نجاحا حتى الآن، سواء فيما يتعلق بتأسيس الشركات أو الحصول على الأرض والطاقة.
وتابع: المستثمرون يعانون من صعوبة تحويل أرباحهم من مصر، ولا يعقل أن يدخل مستثمر بلدا دون أن يعرف كيف سيخرج بأمواله أو يحول أرباحه.
* ماذا عن قانون الاستثمار وتعديلاته؟
الخولى: هل يعقل أن تجرى دولة بحجم مصر تدعى أنها تدعو إلى الاستثمار تعديلات على قانون الاستثمار فجر المؤتمر الاقتصادى الذى عقد مارس 2015، وتعرض القانون على المستثمرين قبل توقيعه مذكرات تفاهم بلحظات.. كان من المفترض أن ترسل مصر قانونها النهائى المنظم للاستثمار مع دعوات المؤتمر ليطلع عليها رجال الأعمال، ليتعرفوا على سياسات مصر النقدية والضريبية والاستثمارية.
قانون الاستثمار ملىء بالعيوب «الخايبة»، كالفراغ التشريعى بشأن المناطق الحرة بمصر التى يتبعها 2400 شركة.. القانون ألغى العمل بنظام المناطق الحرة الخاصة ما أدى الى مواجهة شركات عالمية صعوبات فى تجديد رخص العمل، كما أنه لم يحدد الجهة المنوط بها تطبيق القانون، فأصبح تائها بين الاستثمار كوزارة والهيئة ووزارة التجارة والصناعة.. وللأسف خلق تنازعا شديدا بين كل جهات صاحبة الولاية على الأراضى، ما سيحول دون تطبيق الشباك الواحد.
* هل سنرى الشباك الواحد فى مصر؟
الخولى: لا عيب فى استيراد مشروع قانون منظم لعملية الشباك الواحد من أى دولة نجحت فى تطبيقه كدبى، وتطبيقه بمصر، لكن ما يحدث حالياً لن يقودنا إلى أى تطور، وسنستمر فى الدائرة المفرغة دون تطبق الشباك الواحد.
تطبيق الشباك الواحد بشكل منضبط يقلل من فرص حدوث أى نزاعات استثمارية مستقبلاً، وسيشكل آلية ناجزة لجذب استثمارات جديدة.. سوء الإدارة هو السبب الرئيسى فى تعطيل الشباك الواحد، وأن الإدارة المصرية غير جادة فى تطبيق الشباك الواحد وتركته تحت رحمة الموظفين والبيروقراطية.
وتابع: هل يعقل أن تغير مصر نحو 8 وزارء للاستثمار فى أقل من 4 سنوات، هل هذه دولة لديها رؤية للاستثمار؟.. مجلس إدارة هيئة الاستثمار ما زال يشكل من موظفين، هم الأكثر إعاقة لتطوير النشاط الاقتصادى، ولابد أن يرأسه رئيس الوزراء.
وقال: اعتماد مصر على الإعانات والمساعدات الخارجية لن يسعف الوضع الاقتصادى المتأزم، ولابد أن يتحول الاقتصاد الى اقتصاد مُنتج ومصنّع قادر على التصدير.
* هل لديك حلول لتجاوز أزمة الدولار؟
الخولى: يقطن مصر حالياً نحو 2 مليون أجنبى ما بين سورى وليبى وعراقى، وموظفين أجانب بجهات مختلفة، تزاحم المصريين فى الخدمات الأساسية من مياه ودعم، فلما لايتم إدخال تعديلات تقضى بالسماح لوزير الداخلية بمنح إقامات للأجانب مقابل 3 آلاف دولار سنوياً، ما سيوفر لخزانة الدولة 6 مليارات دولار سنوياً فى الوقت التى تعانى من نقص نواردها الدولارية فى ظل عزوف السياح، كما أن منح الإقامة للأجانب سيسهم فى تتبع أنشطتهم الاقتصادية وإخضاعهم لمظلة الضرائب.
وجود سعرين للدولار بالسوق الرسمى والموازية «كارثة»، ولابد من تحرك عاجل لإتاحة الدولار لتقليص تلك الفجوة، فلن يضخ مستثمر أى أموال دون ضبط أوضاع سوق الصرف.
وقال: منافسة الدولة للقطاع الخاص نهج اقتصادى «عفا عليه الزمن»، لكن بمصر ما زلنا نرى أن الدولة «بابا وماما» عليها أن تنتج وتراقب وتنظم.. الأمر لن يستقيم إذا لم نترك للقطاع الخاص حرية العمل تحت رقابة وتنظيم الدولة.
* كيف ترى قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية؟
الخولى: القانون يعد اعترافا رسميا من الدولة أنها فشلت فى حماية الأسواق من الاحتكارت على مدار السنوات الماضية، ولا يتواكب مع المنظومة التشريعية الحالية، فهذا القانون تم استيراده من الخارج، ولم يضف شيئا للاقتصاد.
التشريعات الاقتصادية بمصر بلا «تشطيب»، وما زال المُشرّع المصرى مصابا بـ«إسهال تشريعى».. ليس من المعقول أن اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار تصدر بعد عام ونصف العام من القانون.
* كيف رأيت قانون ضريبة القيمة المضافة؟
الخولى: موافق تماماً على ضريبة القيمة المضافة، لكن أرفض تطبيقه فى التوقيت الحالى.. التضخم فى أعلى مستوياته، والقانون الجديد سيضيف أعباء على المواطنين لن يتحملوها.
مصر تعانى من عدم ثبات سياستها الضريبية، والدولة ما زالت تفاجئ المستثمرين بضرائب جديدة، فهل من المنطقى أن ترفع الحكومة سعر الضريبة بالمناطق الاقتصادية الى 25% بدلاً من 10%، ونتوقع أن تجتذب مصر استثمارات ضخمة بالمنطقة.
وتابع: أؤيد قانون الخدمة المدنية لضبط الخلل والتردى فى الجهاز الإدارى للدولة الفاسد المترهل، وأطالب بسرعة إقراره من قبل البرلمان.. الفساد فى المحليات خلق حالة مقاومة عنيفة من قبل قياداتها ضد تطبيق أى إصلاح أو تطبيق قانون الخدمة المدنية.
* كيف نرفع كفاءة الجهاز الإدارى للدولة؟
الخولى: مصر بها نحو 7.5 مليون موظف حكومى يعيق العمل ويزيد من معدلات الفساد، ويجب أن تتخذ الحكومة قرارا بالاستغناء عن غالبية الموظفين الحكوميين غير المنتجين، وأن يتقاضوا أجورهم كاملة، لإعطاء فرصة للشباب الأكثر إنتاجية ولديهم خيال وإبداع وابتكار لتطوير الجهاز الذى «عشش» فيه الفساد.
«كفانا أفكارا اشتراكية عقيمة خربت البلد.. أن الدولة هى اللى تأكلك وتشربك وتجوز عيالك»، علينا أن نبدأ الاعتماد على أنفسنا وتسهيل إجراءات بدء الأعمال الخاصة للشباب، والحصول على التمويل من البنوك لتخفيض معدلات البطالة.
* ماذا عن آخر التطورات بقضية بيع البنك الوطنى المتهم بها جمال وعلاء مبارك؟
الخولى: هذه القضية أول قضية «تحمل رقم واحد» بعد ثورة 25 يناير 2011، تقدم البلاغ فيها بعد تنحى مبارك بخمس ساعات فقط، حيث قدم الصحفى مصطفى بكرى البلاغ ثانى يوم تنحى مبارك مباشرة.. نقدم دفاعنا حتى الآن، ونعانى بطء تقاضٍ عنيف فى هذه القضية، ونحن جاهزون للمرافعة، وموقف وكلائنا بالقضية قوى.
وقال: النيابة العامة أسندت اتهامات الى جمال مبارك باشتراكه بطريقى الاتفاق والمساعدة مع موظفين عموميين «فى جريمة التربح والحصول لنفسه وشركاته بغير حق على مبالغ مالية قدرها 493 مليوناً و628 ألفاً و646 جنيهاً، بأن اتفقوا فيما بينهم على بيع البنك الوطنى، لتحقيق مكاسب مالية لهم ولغيرهم الذين يرتبطون معهم بمصالح مشتركة».
وتابع: النيابة قالت إن المتهمين قاموا بتكوين حصة حاكمة من أسهم البنك، تمكنوا من خلالها السيطرة على إدارته وبيعه، تنفيذًا لاتفاقهم، بالمخالفة للقواعد والإجراءات المنظمة للإفصاح بالبورصة، والتى توجب الإعلان عن كل المعلومات التى من شأنها التأثير على سعر السهم بالبورصة، واتهمت علاء مبارك باشتراكه مع موظفين عموميين بطريقى الاتفاق والمساعدة فى ارتكاب جريمة التربح، والحصول على مبالغ مالية مقدارها 12 مليوناً و253 ألفاً و442 جنيهاً من خلال شرائه أسهم البنك.
* استغلال الثغرات القانونية شطارة أم جريمة وتحايل؟
الخولى: قطعاً شطارة للمحامى، لأنه فى النهاية يعمل وفقا لنص القانون، ولا حرج فى ذلك.
* كيف رأيت الأحكام النهائية ببراءة قيادات نظام مبارك؟
الخولى: التحقيقات سارت بشكل منتظم، والبراءات جاءت نتيجة لاتهامات عشوائية منفلتة، لكن رأيى أن تلك القيادات ليست مدانة وفقا لنص القانون.
* التشريع الاقتصادى بمصر مذنب أم ضحية سوء استغلال وضعف المُشرع؟
الخولى: التشريع الاقتصادى مذنب فى تدهور الأوضاع الاقتصادية الحالية وليس ضحية، ومصر بلا مشرع اقتصادى حالياً.
* كيف تقيم تعامل الدولة مع هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات؟
الخولى: قطعاً هشام جنينة أساء التقدير عندما أعلن أن فاتورة الفساد تقدر بـ600 مليار جنيه، فالتوقيت كان شديد الخطورة، لأنه يهز ثقة كل المؤسسات الدولية فى الاقتصاد المصرى، خاصة أن التصريحات خرجت من رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات.