توقع النمو 3% وراء قرار رفع الفائدة والانكماش قتل خطط الإصلاح
فى 21 أكتوبر 1997 طلبت حكومة كوريا الجنوبية قرض إنقاذ من صندوق النقد الدولى فى مواجهة الديون الخارجية التى لا يمكن السيطرة عليها، وبعد بضعة أيام تم التوقيع على الاتفاق للحصول على 58.3 مليار دولار مقابل مجموعة واسعة من الشروط، بما فى ذلك تحقيق استقرار الاقتصاد الكلى والإصلاح الهيكلى، وعلى مدى 18 شهراً منذ ذلك الوقت خضعت كوريا لتغييرات فى جميع مناحى الحياة لقواعد صندوق النقد الدولى.
ودعا البرنامج الصندوق إلى التقشف فى السياسة الاقتصادية بشكل عام بهدف تحقيق موازنة متعادلة أو بفائض محدود 0.3% فى 1998، لكنها حققت عجزاً 0.8%.
مما اضطر الحكومة للإعلان عن موازنة تكميلية فى نهاية الربع الأخير قدمت فيها تخفيضات كبيرة فى استثمارات البنية التحتية والزراعة، والإنفاق العسكرى.
وناقش كتاب “أفاق الاقتصاد الكورى”: من الأزمة المالية إلى النجاح لمؤلفيه «ويليام شبيرد» و«او يول كيوون» جدوى توصيات صندوق النقد الدولى لوضع البلاد على طريق الاستقرار الاقتصادى، وبالتالى النمو المستدام.
وبحسب ما جاء فى فصل الأزمة المالية والإصلاحات الهيكلية الصفحة فإن توصيات الصندوق للحكومة الكورية فى كيفية معالجتها للأزمة المالية وقعت فى أخطاء فى المراحل الأولية.
فقد كان واضحاً تماماً أن أزمة النقد الأجنبى فى كوريا جاءت لاسباب مختلفة إلى حد كبير عما يجرى فى عدد من دول أمريكا الجنوبية، حيث كانت الأسباب الرئيسية هى الإفراط فى المعروض النقدى والتوسع فى الإنفاق الحكومى، وعلى العكس حافظت كوريا على سياسة نقدية سليمة وميزانية متوازنة.
مع ذلك تجاهل الصندوق هذا الاختلاف بشكل تام عند وضعه خطط الإصلاح المقترحة وطالب كوريا بتطبيق وصفته التقليدية المفضلة لديه والقائمة باعتبارها علاجاً جذرياً يتألف من تقييد الائتمان وتطبيق سياسة مالية تقوم على تخفيض النفقات.
ولفت الكتاب إلى أنه حتى قبل الأزمة المالية فى كوريا كان عدد من خبراء صندوق النقد الدولى يزورون فى كثير من الأحيان كوريا ويتشاورون مع المسئولين فى الحكومة الكورية، ومع ذلك التفاهم إلا أن توصيات الصندوق بشأن الأزمة تجاهلت تماماً تقريباً جميع الخصائص المميزة لهيكل الاقتصاد الوطنى للبلاد، وكان هناك اتفاق كامل على ضرورة إعادة هيكلة الشركات الكبيرة، ومع ذلك فإن توصيات الصندوق تسبب عنها خطوة مضللة جداً فى هذا الصدد.
وبالتأكيد كان هناك حاجة الى معدلات مرتفعة من الفائدة الاساسية وسياسات تقشف لمواجهة الازمة المالية فى مرحلتها الأولى من أجل استقرار سعر الصرف الأجنبى ومع ذلك قدم صندوق النقد الدولى توصيات شاملة على أساس من التوقعات الاقتصادية غير الصحيحة وتجاهل المؤشرات الاقتصادية الأخرى، كما أساء الصندوق تقدير مستوى الركود الاقتصادى فى البلاد أيضاً وهذه العيوب وضعت توصيات خبراء المؤسسة الدولية موضع نقد ومراجعات حيوية.
وحمل مؤلفا الكتاب صانع القرار الكورى المسئولية، حيث أشار الى أنه بالتأكيد هناك دور ولو جزئى ناجم عن الأخطاء فى السياسات المتبعة. ويتحمل كل من الإدارة المركزية وصندوق النقد الدولى فشل تنبؤاتهم بدقة إزاء معدلات النمو الاقتصادى التى شكلت الأساس لجميع السياسات الاقتصادية فى مواجهة الأزمة.
وأشار الكتاب الى أن صندوق النقد الدولى والحكومة الكورية توقعوا فى مستهل مشاوراتهم بنهاية عام 1997 أن يكون معدل النمو الاقتصادى لعام 1998 نحو 3% ومع ذلك، فإنهم عدلوا نسبة النمو المتوقعة فى يناير 1998 الى نسبة من 1% إلى 2% وخلال الربع الثانى عدلت توقعها لتتراوح بين -1% و-2%، بينما التوقعات المتشائمة فى ذلك الوقت ان الاقتصاد سينكمش 6% (وقد هبط بالفعل بنسبة 5.8%).
وأوضح الكتاب، أنه فى المجمل فإن الحكومة والصندوق وضعا خططهما للإصلاح بناء على تقييمات خاطئة، حيث جرت صياغة السياسات الاقتصادية دون تقييم دقيق لما سيكون الوضع عليه على الأقل بعد 6 أشهر من بداية التطبيق أو على الأقل خلال الـ30 يوماً الأولى من التنفيذ، ولمدة سنة كاملة بقيت كوريا تحت رحمة توصيات سياسة صندوق النقد الدولى خلال أسوأ أزمة مالية للدولة فى التاريخ بينما كان صندوق النقد فى ذلك الوقت غير قادر على ما يبدو على رؤية أبعد من شبر من أنفه.
وأشار الكتاب إلى أنه إذا اعتمدت الشركات على مؤسسة ما فى وضع توقعات النمو لها خلال 6 أشهر وثبت أنها خاطئة ولم تستطع تصحيح هذه التوقعات فى الوقت المناسب فإن العقاب المناسب حينئذ انه سيتم استبعادها من السوق نهائياً.
ومع الأخذ فى الاعتبار احتمال نشوب تعارض بين تحقيق استقرار سوق الصرف الأجنبى وصحة الاقتصاد المحلى، فإن الصندوق عمل على إنعاش الثقة فى الاقتصاد بالحديث عن ارتفاع المعدل الفعلى للنمو من خلال تضخيم التفاؤل والثقة فى السوق الكورية، لكن بناء الاستراتيجية على أساس توقع تراجع النمو 6% بدلاً من توقع نموه 3% لعام 1998 كان يعنى عدم اقتراح تدابير مثل رفع أسعار الفائدة، وتشديد الائتمان وخفض الإنفاق.
ومع ذلك استمرت الحكومة فى الخضوع لتوصيات الصندوق رغم ان المؤشرات تقول ان التوقعات تسير فى الاتجاه الخاطئ والأدهى من ذلك أن الصندوق واصل تقديم توصيات غير صحيحة إلى الحكومة الكورية.
ومع تصاعد الانتقادات بدأت الحكومة الإصلاح سريعاً للقطاع المالى، مما كان له دور حاسم فى استجابة كوريا الناجحة فى مواجهة الأزمة المالية فبالإضافة إلى توفير الحوافز التى تعزز النشاط الاقتصادى فقد وفرت أيضاً الموارد المالية اللازمة لإجراء تعديلات هيكلية فى القطاعات المالية والشركات.
وتوسعت الحكومة فى نفقات شبكة الضمان الاجتماعى، لكى تكتسب رضاء الجماهير، مما يساعد على توفير خلفية سياسية مستقرة لعملية الاصلاح المؤلمة.
كما عملت الدولة على زيادة كفاءة القطاع المالى الحكومى، حيث تعرض لانتقادات لعدم فاعليته أساساً بسبب التدخل الحكومى المفرط فتم معاقبة البنوك والمؤسسات المالية التى فشلت فى تلبية المعايير الدولية وتم تعليق العمل فى بعضها وإغلاق عدد منها ودمج البعض الآخر.
وبسبب توصيات الصندوق برفع أسعار الفائدة وتقييد الائتمان أفلست شركات كثيرة، مما أدى إلى ارتفاع الديون المتعثرة من 69 مليار وون كورى لتصل فقط فى الفترة من نهاية 1997 إلى 1998 نحو 118 تريليون وون.
وبعد وقوع الكارثة سارعت الحكومة لضخ أموال دافعى الضرائب فى البنوك لدعم عملية الهيكلة وبحلول نهاية مارس 1999 تم ضخ نحو 43.3 تريليون وون كورى من الأموال الحكومية فى البنوك وبحلول نهاية عام 1999 تخطى المبلغ 64 تريليون وون، وفى منتصف عام 1998 وصل إجمالى القروض المتعثرة من المؤسسات المالية المحلية إلى 130 تريليون وون.