في فندق راديسون بلو بضواحي القاهرة اجتمع عدد من كبار تجار القمح في مصر الأسبوع الماضي لبحث سبل الحد من الخسائر.. فقد خسروا أكثر من مليار دولار منذ أن أقدمت الدولة على تعويم عملتها الجنيه ويسعون الآن إلى الإنقاذ.
فاجأت مصر الأسواق في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني عندما تخلت عن ربط الجنيه بالدولار الأمريكي في إجراء يهدف لجذب تدفقات رأسمالية والقضاء على السوق السوداء التي كادت تحل محل البنوك.
وساعد التعويم الحكومة التي تعاني أزمة في السيولة على إبرام اتفاق قرض بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي تأمل أن ينعش النمو الذي عرقله الغموض السياسي منذ انتفاضة عام 2011 التي أنهت حكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي دام نحو 30 عاما.
غير أن تحرير سعر الصرف سبب أيضا خسائر فادحة لبعض مستوردي السلع الأساسية مثل القمح والأدوية الذين كانوا قد فتحوا خطوط ائتمان أثناء ربط الجنيه بالدولار ولم يقوموا بتسويتها قبل التعويم. وهوت قيمة الجنيه بنحو النصف مقابل الدولار منذ الثالث من نوفمبر تشرين الثاني حيث جرى تداوله يوم الخميس عند حوالي 17.6 جنيه للدولار.
وكان مستوردو السلع الأساسية مثل القمح- ومصر أكبر مستورد له في العالم- والدواء على قائمة الأولوية التي تتيح لهم الحصول على الدولار الشحيح بالسعر الرسمي قبل التعويم.
ويقدر علاء عز الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية في مصر أن تلك القطاعات المهمة مدينة الآن بنحو 6-7 مليارات دولار نتيجة خسائر سعر الصرف الأجنبي.
وقال “لم توفر البنوك العملات الأجنبية في الشهور القليلة الماضية إلا للسلع الاستراتيجية.. لذلك هذه هي أغلبية الطلبات المعلقة.”
وقالت شركات الأدوية إن الخسائر وتجميد خطوط الائتمان أدى إلى تفاقم النقص المتزايد في الأدوية بعدما جعل الهبوط المفاجئ في قيمة الجنيه الأدوية الخاضعة لقيود سعرية غير مربحة سواء في تصنيعها أو استيرادها.
وقال مصدر بالشركة التي نظمت اجتماع الأزمة لتجار القمح “هذه مشكلة كبيرة جدا وتجري مناقشتها لأنها لا تخص المنتجات الغذائية فحسب.”
وقال ممثلون من نحو 50 شركة للحبوب حضرت اجتماع الأسبوع الماضي في فندق راديسون إنهم يصيغون خطابا إلى رئيس الوزراء شريف إسماعيل يناشدونه فيه المساعدة في تغطية الخسائر التي يقولون إنها مرتبطة بالطلبات الدولارية التي قدموها قبل شهور من التعويم لكن البنوك عطلتها.
وقال هشام سليمان رئيس ميد ستار للتجارة التي تكبدت خسائر بسبب التعويم “ينبغي حل الأمر قبل 31 ديسمبر لأنه يتعين على البنوك إعداد ميزانياتها العمومية… يجب عليها أن تقرر كيف ستسجل هذا في الميزانية العمومية والوقت ينفد أمامها.”
ولم يحضر سليمان اجتماع الأزمة لكنه على اتصال وثيق بتجار آخرين شاركوا فيه.
لا تعاطف يذكر
عملت مصر على تقنين صرف الدولارات في السنوات القليلة الماضية في مواجهة تقلص احتياطيات النقد الأجنبي واتساع العجز التجاري.
ومع إعطاء البنوك الأولوية للسلع الأساسية اضطر مستوردو السلع الأخرى للجوء إلى السوق السوداء للحصول على الدولار بأسعار أعلى بكثير.
ونفذ كثير من مستوردي السلع الأساسية صفقات باستخدام الائتمان في الشهور التي سبقت التعويم ليتلقوا شحنات أثناء تسوية المعاملات الدولارية في البنوك بالسعر الرسمي القديم.
وعرضهم ذلك لمخاطر في حالة انخفاض قيمة العملة. لكن كثيرين كانوا على استعداد لتحمل المخاطر معتقدين أن البنك المركزي سيوفر الدولارات لتغطية قوائم طلبيات الاستيراد إذا غير سعر الصرف، تماما مثلما فعل عندما خفض قيمة الجنيه في المرة السابقة في مارس آذار.
لكن عندما أعلن البنك المركزي تحرير سعر الصرف بشكل كامل طرح 100 مليون دولار فقط في مزاد بسعر بلغ نحو 14 جنيها للدولار. وتوقع الكثيرون أن يضخ البنك عدة مليارات من الدولارات لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن.
ولم يرد البنك المركزي على طلبات للتعليق.
وأكدت مصادر مصرفية أن بعض المستوردين يواجهون خسائر ضخمة متعلقة بسعر الصرف لكنهم رفضوا ذكر تفاصيل.
وقال مستوردون إن بعض البنوك جمدت خطوط الائتمان لحين الانتهاء من تغطية قوائم الطلبيات وهو ما خلق أزمة في تدفقات السيولة.
ولا يزال الأمل يحدو بعض المستوردين في أن يضخ البنك المركزي دولارات بسعر بين سعر الربط القديم عند نحو 8.8 جنيه للدولار وسعر السوق الجديد من أجل تغطية بعض خسائرهم.
لكن عز قال إن هذا مستبعد في وقت تتخذ فيه الحكومة إجراءات تقشف واسعة تشمل زيادة في الضرائب وخفض الدعم وإن كانت مجموعته التجارية تضغط من أجل أن تفك البنوك تجميد خطوط الائتمان.
وقال “العمل على أي شيء من هذا القبيل ليس منطقيا من الناحية السياسية في الوقت الحالي… لكننا نريد أن تواصل تلك الشركات العمل حتى تبدأ أرباحها في امتصاص الخسائر.”
ولا يكن تجار آخرون تعاطفا يذكر مع من داهمهم التعويم في مأزقهم.
وقال تاجر لم يتعرض نشاطه لخسائر بسبب التعويم “كانوا يعتقدون أنه حتى في حالة حدوث التعويم.. فسيكون هناك عطاء لتغطية احتياجاتهم بالأسعار الأقل.
رويترز