أصدر «مرصد العمران» التقرير السنوى الثانى بعنوان «تقرير موازنة العمران للسنة المالية 2016/ 2017».
ويسعى التقرير إلى تسليط الضوء على العدالة المكانية فى مصر، من خلال تحليل الاستثمارات العامة على مستوى محافظات مصر السبعة والعشرين، حسب القطاعات الستة، التى تشكل العمران المصرى «الإسكان، والتنمية العمرانية، ومياه الشرب، والصرف الصحى، والكهرباء، والتنقل».
وينقسم تقرير موازنة العمران للسنة المالية 2016/2017 إلى ثلاثة أجزاء.
ويتضمن الجزء الأول نظرة عامة على العدالة المكانية، والذى يرصد الإنفاق العام المقتصر على الاستثمارات «الباب السادس من الموازنة» حسب الجهات الرسمية، لأربع وزارات معنية و27 محافظة و14 هيئة خدمية واقتصادية وشركة قابضة تابعة لها.
ويمضى التقرير لتحليل العدالة المكانية بالنسبة إلى المشاريع المحلية بين الأقاليم والمحافظات بقياس مُعدلات الإنفاق حسب عدد السكان والاحتياجات.
كما يختص هذا الجزء بتحليل العدالة المكانية حسب ازدواجية الإدارة المحلية والإنفاق بين الوحدات المحلية التقليدية حيث يعيش أكثر من 98% من المصريين ما نسميه بالتقرير بالعمران القائم وهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان، التى يسكن نحو 2% من المصريين بمدنها الجديدة.
ورصد التقرير الارتفاع الملحوظ فى إجمالى الاستثمارات المستهدفة فى العمران بنحو 62% عن العام الماضى من 98.9 مليار جنيه إلى 159.8 مليار جنيه بالأسعار الثابتة «187.4 مليار جنيه أسعار جارية».
ولكن رغم هذا التطور الكبير فى الإنفاق، كانت من أهم استنتاجات التقرير بقاء اللامساواة المكانية بين أقاليم مصر المختلفة إلى حد كبير، حيث لم يتم توزيع الاستثمارات بشكل عادل يعكس عدد السكان بالأقاليم والمحافظات.
وظل نصيب أقاليم القاهرة الكبرى وقناة السويس والحدود من الاستثمارات إلى عدد السكان بهذه الأقاليم أعلى من مستوى التعادل «1:1»، حيث وصل أعلى مُعدل للإنفاق إلى عدد السكان بإقليم الحدود وهو 7.9.
ولم تكن مفاجأة أن محافظة شمال سيناء بهذا الإقليم حازت بأعلى نصيب للفرد من الاستثمارات حيث وصل إلى 15.655 جنيه للفرد، أو 19 ضعف المتوسط القومى «761 جنيها للفرد».
فى المقابل ظلت أقاليم الدلتا والصعيد والإسكندرية محرومة من نصيبها العادل من الإنفاق حيث كان مُعدل الإنفاق إلى عدد السكان أقل من مستوى التعادل بنحو النصف.
وكان لمحافظة الشرقية بالدلتا أقل نصيب للفرد من اجمالى الاستثمارات بالعمران القائم وهو 260 جنيهًا للفرد، أو نحو ثلث المتوسط القومى.
وقاس التقرير العدالة المكانية بطريقة أخرى وهى معدل الإنفاق إلى عدد السكان المحرومين من أساسيات العمران حسب مؤشر الحرمان العمرانى بالأقاليم والمحافظات.
وأظهر هذا التحليل التباين الشديد بين معدلات الإنفاق وعدد السكان المحتاجين، فانخفض مُعدَّل الإنفاق إلى نحو النصف فى كلٍّ من إقليمى الصعيد والدلتا، وهو ما يشير إلى استمرارية تهميش هذين الإقليمين وتجاهل الاحتياجات فيها.
وعلى مستوى المحافظات، انخفض المُعدل بشكل ملحوظ إلى 0.5 أو أقل بالغربية والدقهلية والبحيرة بالدلتا، والفيوم وأسيوط وسوهاج وقنا والمنيا بالصعيد، ليصبحوا أكثر المحافظات حرمانًا فى مصر.
وكان الإقليم الوحيد الأقرب إلى التعادل بين الإنفاق والاحتياج هو الإسكندرية بمُعدل إنفاق 1.1، بينما ارتفع مُعدل الإنفاق إلى السكان المحرومين 1.8 مرة فى إقليم القاهرة الكبرى، و3.2 مرة فى إقليم قناة السويس، ما يشير إلى أهمية هذين الإقليمين سياسيًّا.
ولكن ارتفع المُعدل بشكل فجٍّ فى إقليم المحافظات الحدودية ليصل نصيب الإقليم من الإنفاق إلى 15.9 مرة نصيبه من السكان المحرومين.
يذكر أن تقرير موازنة العمران يرصد العدالة المكانية بين الأقاليم والمحافظات فقط، ولكن ليس بين المدن والمراكز والقرى بداخلها لعدم توافر البيانات.
ومن المهم عدم تعميم الاستنتاجات على مدن وقرى المحافظة الواحدة، حيث أظهرت تقارير أخرى قابلية تباين الإنفاق داخل المحافظة والمدينة الواحدة.
ومن الأبعاد الأخرى التى تناولها الجزء الأول من تقرير موازنة العمران تحسن مُعدل التوزيع بين العمران القائم والمدن الجديدة عن العام الماضى بشكل بسيط.
حيث ارتفع نصيب العمران القائم (أكثر من 200 مدينة و4000 قرية تابعة للإدارة المحلية) من اجمالى الاستثمارات العامة فى المشاريع المحلية من 48% إلى 66%، وانخفض نصيب المدن الجديدة (31 مدينة تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة) من 52% إلى 34%.
ولكن هذا ما زال يمثل تفاوت مبالغ فيه حيث حاز 98% من السكان (العمران القائم) على 66% فقط من الاستثمارات العامة بالمشاريع المحلية، بينما حاز الـ2%، الذين يسكنون المدن الجديدة 34% من الاستثمارات.
كما شهدت خمس محافظات ارتفاع الإنفاق فى المدن الجديدة فيها عنه فى العمران القائم، من بينها محافظات القاهرة الكبرى الثلاث (القاهرة، الجيزة، والقليوبية) بما يُظهر استمرار التوجه السياسى إلى مفاضلة المشاريع القومية بالمدن الجديدة (مثل العاصمة الإدارية الجديدة) على احتياجات السكان بالمدن والقرى القائمة بهذه المحافظات، رغم عدم تكافؤ فرص سكان هذه المحافظات للسكن فيها.
ومع اهتمام مرصد العمران بدعم عملية التنمية العمرانية العادلة، ضم تقرير موازنة العمران عدد من التوصيات لضمان موازنة عمران عادلة.
وجاء على رأسها أهمية وضع خطط اقتصادية واجتماعية محلية مبنية على الاحتياجات، هذا من خلال تأسيس لجان على مستوى كل وحدة محلية تضم المجالس الشعبية المحلية، والمجالس التنفيذية ورؤساءها، ومؤسسات المجتمع المدنى، ومندوبين عن معهد التخطيط القومى، ترفع احتياجاتها للمحافظة ثم للحكومة لتنسيق الخطة وعرضها للملاحظات والتعليقات قبل بدء السنة المالية بثلاثة أشهر.