جاءت فكرة هذا الموضوع بمناسبة إطلاق البنك المركزى المصرى مسودة قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد، الذى مازال مثارا للجدل فى الأوساط المصرفية. وعلى الرغم من أن بعض بنود القانون تحتاج إلى المراجعة لما شابها من عوار وتغول على سلطات الجمعيات العامة للمساهمين، وتركيز السلطة فى يد محافظ البنك المركزي، إلا أن مسودة القانون تشير إلى مدى الاهتمام بتطبيق الحوكمة فى البنوك لمسايرة التطورات الدولية فى الساحة المصرفية. ولذلك سوف نعرض فى هذا المقال لمحة عن دور مجلس إدارة البنك فى تطبيق الحوكمة وفقاً للممارسات الدولية الرائدة فى هذا المجال.
بادئ ذى بدء، ما هى الحوكمة؟ بالرجوع إلى التعريف الاصطلاحى الذى تبنته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD ، الحوكمة هى النظام الذى يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم فيها وبأنها تختص بمجموعة من العلاقات بين إدارة الشركة ومجلس ادارتها وشركائها وأصحاب المصالح الآخرين المرتبطين بها stakeholders. كما توفر حوكمة الشركات الهيكلة التى يتم من خلالها وضع أهداف الشركة وتحديد وسائل تحقيق تلك الأهداف ومراقبة أداء الشركة. وينبغى أن توفر الحوكمة الحوافز الملائمة للمجلس والإدارة للسعى نحو تحقيق الأهداف التى تصب فى مصلحة الشركة والشركاء».
أما حوكمة البنوك من منظور لجنة بازل للرقابة المصرفية التابعة لبنك التسويات الدولية فهى تختلف بسبب الطبيعة الخاصة للبنوك. فقد أصدرت لجنة بازل ورقة عمل بشأن تدعيم تطبيق الحوكمة فى الجهاز المصرفى احتوت على عدة مبادئ. وأحد المبادئ الهامة تركز على دور مجلس الإدارة فى وضع أهداف استراتيجية التى تمكن المجلس من توجيه وإدارة أنشطة البنك، كما يجب أيضا تطوير المبادئ التى يدار بها البنك سواء تلك التى تتعلق بالمجلس نفسه أو بالإدارة العليا أو بباقى الموظفين. وينبغى أن يضمن مجلس الإدارة قيام الإدارة العليا بتنفيذ سياسات من شأنها منع أو تقييد الممارسات والعلاقات التى تضعف كفاءة الحوكمة.
يجب على مجلس الإدارة أن يحدد السلطات والمسئوليات الأساسية للمجلس وللإدارة العليا التى تكون مسئولة عن تحديد المسئوليات المختلفة للموظفين وفقا لتدرجهم الوظيفي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإدارة العليا فى النهاية مسئولة أمام مجلس الإدارة عن أداء البنك.
وباعتبار أن مجلس الإدارة مسئول مسئولية مطلقة على عمليات البنك والسلامة المالية له، فينبغى أن يتوفر لدى مجلس الإدارة معلومات كافية تمكنه من الحكم على أداء الإدارة حتى يستطيع أن يحدد أوجه القصور، الأمر الذى يمكنه من القيام بالإجراءات التصحيحية المناسبة. كما يجب أن يتمتع عدد كافٍ من أعضاء مجلس الإدارة بالقدرة على اصدار الاحكام بصفة مستقلة عن رؤية الإدارة وكبار المساهمين. ويمكن تدعيم الاستقلالية والموضوعية من خلال الاستعانة بأعضاء غير تنفيذيين مستقلين.
فى حين يمارس مجلس الإدارة فى البنك دورا رقابيا تجاه الإدارة التنفيذية، فهناك عدة أمور يتعين أخذها بعين الاعتبار. يجب عدم التدخل بصورة مفرطة فى القرارات التى تصدرها الإدارة العليا فى البنك. لذلك يجب على المجلس أن يتأكد من أن مديرى الإدارة العليا تتوفر فيهم المهارات والمعرفة اللازمة بالجوانب الفنية للعمل المصرفي.
ومع إدارك الدور الهام الذى يلعبه المراجعون بالنسبة لمجال الحوكمة، يجب على مجلس الإدارة والإدارة العليا إدراك أهمية عملية المراجعة ومكانة المراجعين، برفع تقاريرهم إلى لجنة المراجعة المنبثقة عن مجلس الإدارة، والاستفادة من النتائج التى توصل اليها المراجعون، مع العمل على معالجة المشاكل التى يحددها المراجعون والاستفادة من عملهم فى اجراء مراجعة مستقلة على المعلومات التى يتلقونها من الإدارة حول أنشطة البنك وأدائه. ومن الأمور الهامة فى المراجعة، تأكد مجلس الإدارة باستقلال مراقبى الحسابات الخارجيين ووظائف الرقابة الداخلية باعتبارها جوهرية لحوكمة البنك وسلامته فى الأجل الطويل.
وللمجلس دور هام خاص بحماية السمعة. يجب أن يتفهم أعضاء المجلس هيكل عمليات البنك والبيئة التشريعية التى يعمل من خلالها حيث يمكن أن يتعرض البنك لمخاطر قانونية بشكل غير مباشر عندما يقوم بخدمات نيابة عن عملائه الذين يستغلون خدمات والأنشطة التى يوفرها البنك لممارسة أنشطة غير مشروعة مما يعرض سمعة البتك للخطر.
أما عن دور مجلس الإدارة فى المكافآت الخاصة بفريق الإدارة العليا، يجب أن يصادق المجلس عليه ويتأكد من انها تتناسب مع أنظمة البنك وأهدافه واستراتيجيته، وبما يحفز المديرين فى الإدارة العليا على بذل أقصى جهد لصالح البنك. غير أن من المهم أن تكون سياسة المكافآت لا تعتمد على الأداء فى الأجل القصير لتجنب ربط الحوافز بحجم مخاطر غير مقبول.
وفى الختام أود أن أشير إلى ان تطبيق الحوكمة الجيدة فى البنوك لا بد أن يعتمد بشكل كبير على البنك المركزى ودوره الإشرافى والرقابي. فالرقابة التى يمارسها البنك المركزى على جودة ممارسات الحوكمة فى البنوك سوف تضمن السلامة المالية للجهاز المصرفى وتكون بمثابة الدرع الواقية من الأزمات التى عانت منها البنوك خلال العقد الماضي.
