فى الوقت الراهن، لم تسبب الأحداث الجارية فى شمال العراق وتحرير الرقة من تنظيم داعش، ضجة كبيرة فى سوق البترول، وبقيت الأسعار ثابتة بمعدل يتراوح ما بين 55 و60 دولاراً للبرميل بالنسبة لخام برنت.
لكن الوضع فى البلاد ليس سوى وضع مستقر للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهناك احتمال حقيقى بأن الأحداث الحقيقية بدلاً من المضاربات على الأسعار، يمكن أن تحرك السوق وربما بشكل كبير.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن أول شيء يجب أن يكون واضحا هو أن تنظيم «داعش» لم يهزم بعد، وأن حملة الاستقلال الكردية التى أكدها التصويت بنسبة 92% فى الاستفتاء فى 25 سبتمبر لم تنته بعد.
وتعكس استقالة الزعيم الكردستانى مازود بارزاني، حقيقة أن التناقضات المعقدة بين مختلف التجمعات فى كردستان، مازالت دون حل، ولا تفعل شيئاً لتغيير حقيقة أن الأكراد يواصلون السعى إلى الحكم الذاتى.
ولكن تأكيد الرئيس العراقى حيدر العبادى، على أن العراق الآن «دولة موحدة» يضع معياراً جديداً للتفاؤل السياسى.
وأشارت الصحيفة إلى أن «داعش» تم إزاحته.. لكنه لم يهزم بعد.
وقد تم نقل الأكراد من كركوك، إلا أنهم ما زالوا يسيطرون على باقى أقليم كردستان العراق، وسيستمر الصراع والتأثير على سوق البترول الذى يمكن أن يكون خطيراً جداً.
وقام شمال العراق، بتصدير حوالى 550 ألف برميل يومياً هذا العام.. وكلها تقريبا من خلال خط أنابيب من كركوك إلى ميناء جيهان فى تركيا.
ومنذ الهجوم على مدينة كركوك تم خفض الكميات المتدفقة إلى النصف.. وهناك تقارير عن تخريب الحقول التى يحاول المهندسون العراقيون إصلاحها، بجانب تقارير تفيد بوجود محاولات حثيثة لإصلاح خط التصدير البديل الذى يتجنب الأراضى الكردية.
ويعد معدل العجز فى الوقت الراهن، بسيطاً.
فمازالت معاناة سوق البترول العالمى مستمرة، إذ يمكن بسهولة تغطية الخسائر فى المخزون التى تتراوح بين 200 ألف و300 ألف برميل يوميا.
والواقع أن هذا النقص فى الإيرادات بين البلدان المنتجة للبترول، يدفع العديد من الجهات الفاعلة المختلفة لمحاولة تغطية الأحجام المفقودة، مما يؤدى إلى انخفاض الأسعار.
لكن المشكلة الحقيقية هى ما قد يحدث بعد ذلك فى شمال العراق، إذ إن العلاقة بين الحكومة الكردية فى أربيل ونظام العبادى فى بغداد، مضطربة دائما، مع استمرار النزاع الذى لم يتم حله بشأن تدفقات عائدات البترول.
وأشارت الصحيفة إلى أن استفتاء الاستقلال والهجوم على كركوك الذى يبدو أنه قد حظى بدعم كبير من إيران يمثل بداية صراع أكثر انفتاحا يمكن أن ينحدر إلى مواجهة عسكرية.
وفى مثل هذا الصراع فإن حقول البترول التى لا تزال داخل المنطقة الكردية وخطوط الأنابيب ستكون أهداف استراتيجية واضحة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تدهورت فيه العلاقة بين الأكراد وجيرانهم الأتراك، وهو ما يعد مشكلة للطرفين.
فالأكراد يحتاجون إلى تعاون تركى لتصدير نفطهم.. ولا شك أنهم يجنون مزيداً من الأموال بسبب رسوم العبور
لكن السياسة دائماً ما تحدث خللاً فى الاقتصاد، فقد عارضت تركيا باستمرار استقلال الاكراد، وارسلت قوات إلى حدودها الشرقية للمشاركة فى تدريبات مع الميليشيات العراقية قبل استيلائها على كركوك.
وقال الرئيس رجب طيب اردوغان، إن تركيا يمكن أن تقطع الامدادات الغذائية عن الاكراد، وفى هذه الظروف سيكون من الطبيعى أن نرى حزب العمال الكردستانى – القوة الكردية فى شرق تركيا – يلجأ إلى العنف داخل تركيا كما حدث فى الماضي.
وبالإضافة إلى ذلك، فقدت «داعش» الأراضي.. لكن وفقاً للتقييم الأخير يحتفظ التنظيم بولاء حوالى 10 آلاف شخص ومعظمهم فى منطقة وادى نهر الفرات والمناطق الحدودية الخالية من القانون فى شمال العراق وسوريا.
وذكرت الصحيفة أن استخراج البترول من المناطق المملوءة بالصراع يعد معضلة كبيرة، ففى إقليم كردستان التى تعد غنية بالموارد، معظم الآبار لا تزال غير مستكشفة وغير متطورة، بجانب أن العديد من الشركات الغربية لديها مصالح فى المنطقة المتوترة سياسيا.
ويمكن الآن استبعاد التوسع المخطط للإنتاج من المنطقة هذا العام، كما يمكن أن تؤدى الهجمات على خطوط الأنابيب فى إقليم كردستان والمناطق المجاورة إلى تعطيل خطير فى خطوط التصدير عبر ميناء جيهان التركى وسوق البحر الأبيض المتوسط.
وأشارت الصحيفة، إلى أن أسعار البترول الحالية هشة، إذ قاد هذا الارتفاع قدرا كبيرا من المضاربة على رفع الأسعار على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، وهذا يمكن أن يتبخر فى أى وقت قريب.
لكن الصراعات غير المكتملة فى شمال العراق يمكن أن تقلل الإمدادات بالفعل وتخلق ارتفاعاً حقيقياً للأسعار.
وأضافت أنه لا شيء مؤكد.. لكن هناك سبباً وجيهاً للاعتقاد بأن فترة الهدوء الطويلة نسبياً فى سوق البترول يمكن أن تكون فى طريقها إلى النهاية.