منذ عقود طويلة، لم تستقبل الخزانات الضخمة فى مصافى الولايات المتحدة الأمريكية، سوى الخام السعودى.
ومنذ أن اشترت، الشركة السعودية «أرامكو»، حصة فى مصفاة موتيفا، فى ولاية تكساس بالولايات المتحدة عام 1988، ضمنت المملكة موطئ قدم استراتيجى فى أكبر سوق للطاقة فى العالم.
وذكرت وكالة أنباء «بلومبرج»، إن الصهاريج التى كانت تحمل ملايين البراميل شهرياً من البترول العربى من محطات التصدير السعودية، إلى مدينة «بورت آرثر» الأمريكية، كانت شهادة على قوة الروابط السياسية والاقتصادية بين الرياض وواشنطن.
وفجأة، أصبح هناك عدد قليل جداً من السفن السعودية التى تصل إلى ولاية تكساس، ومنذ شهر يوليو الماضى، أقدمت «أرامكو» على تقييد الإمدادات، فى محاولة لاستنزاف المخزونات فى موتيفا، وغيرها من المصافى الكثيرة فى أمريكا كجزء من خطة لرفع أسعار البترول حتى على حساب التضحية بسوق الولايات المتحدة ذو القيمة الكبيرة.
ورغم أن مصفاة موتيفا، كانت الأكثر تضرراً، إلا أن باقى أنظمة تكرير البترول الأمريكى تأثرت أيضاً وكانت النتيجة، تراجع صادرات الخام السعودى إلى الولايات المتحدة، الشهر الماضى، لأدنى مستوياتها فى 30 عاماً، وقالت محللة شئون البترول فى شركة «إنرجى أسبكتس»، أمريتا سين، إن الانخفاض كبير جداً.
وأوضحت الوكالة، أن سياسة التحرر من البترول السعودى، والذى كان أحد طموحات أجيال من السياسيين الأمريكيين، بداية من جيمى كارتر إلى جورج دبليو بوش، أصبحت فى متناول اليد حتى لو كان الأمر باختيار المورد بدلاً من العميل.
وكشفت بيانات «بلومبرج»، أن الولايات المتحدة استوردت 525 ألف برميل يومياً من الخام السعودى فى أكتوبر الماضى، وهو أدنى مستوى منذ مايو 1987، وبتراجع من 1.5 مليون برميل يومياً قبل عقد من الزمان.
وتجدر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية، التى قاومت منذ عقود من أجل أن تكون ثانى أكبر مورد للبترول فى الولايات المتحدة بعد كندا، تراجعت الشهر الماضى إلى المركز الرابع للمرة الأولى منذ عام 1990 على الأقل، متخلفة بذلك عن العراق والمكسيك، ومغادرة مقاعد الثلاثة الكبار الذين يجلسون على عرش واردات البترول الأمريكية، وشكل الخام السعودى 36% فقط من واردات موتيفا، الشهر الحالى، مقارنة بنسبة تتراوح بين 70 و90% فى الماضى، وفى أغسطس 2017، شكل الخام السعودى أقل من نصف واردات المصفاة الأمريكية.
وأدى الجمع بين انخفاض صادرات البترول السعودية إلى الولايات المتحدة العام الماضى، وارتفاع أسعار البترول الخام، وزيادة صادرات الأسلحة الأمريكية، إلى تراجع العلاقات التجارية بين البلدين، وفى العام الماضى، حققت الولايات المتحدة أول فائض تجارى لها مع المملكة منذ عام 1998، ومن المرجح أن يؤدى الانخفاض الحاد فى صادرات البترول منذ الصيف الماضى إلى تضخيم هذا الاتجاه، ومع تراجع الإمدادات السعودية، انخفضت مخزونات الخام الأمريكى بشكل حاد خلال الصيف والخريف، إلى أدنى مستوياتها منذ يناير 2016.
وقال مسئولون سعوديون، إن صادرات البترول، من المتوقع أن تشهد مزيداً من التراجع الشهرين الحالى والمقبل، متوقعين أن تنخفض الشحنات إلى الولايات المتحدة بنسبة 10% أخرى اعتباراً من الشهر الحالى.
وقالت الرئيس العالمى لاستراتيجية السلع فى شركة «آر بى سى كابيتال ماركيتس» والمحلل السابق فى وكالة الاستخبارات المركزية، حليمة كروفت، إن تراجع صادرات السعودية إلى الولايات المتحدة لأدنى مستوى فى 3 عقود، لا يخلو من مخاطر على الرياض، فبمجرد أن تتخلى الدولة عن حصتها، فقد يكون من المكلف استعادتها، ويعكس انخفاض الشحنات السعودية أيضاً، تغير سوق الطاقة فى الولايات المتحدة، فارتفاع إنتاج البترول الصخرى، يقلل الحاجة الإجمالية للبترول الأجنبى، وهناك توقعات بأن الإنتاج الأمريكى، سيصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق بواقع 10.1 مليون برميل يومياً بحلول ديسمبر 2018.
وأوضحت سين، أن مصفاة موتيفا، تحملت وطأة التخفيضات السعودية، لذلك ستكون الرياض قادرة على زيادة الصادرات إلى الولايات المتحدة بسهولة نسبياً فى المستقبل، عندما تقرر العدول عن هذه السياسة، وبالنسبة لشركة «أرامكو»، فإن فقدان حصتها فى السوق الأمريكى، يأتى فى لحظة حساسة للغاية، إذ تستعد الشركة لأول طرح عام أولى، سيكون الأكبر فى التاربخ.
وفى إطار التحضير لعملية الطرح المقررة فى النصف الثانى من 2018، دفعت «أرامكو» فى وقت سابق من هذا العام 2.2 مليار دولار للسيطرة الكاملة على مصفاة موتيفا، وأشارت الوكالة إلى أن فقدان الحصة فى السوق الأمريكى من شأنه أن يقلق النظام السعودى خوفاً من فقدان النفوذ السياسى.
وقال ديفيد جولدوين، مستشار الطاقة فى وزارة الخارجية الأمريكية: «يعتقد السعوديون أن علاقتهم مع البيت الأبيض جيدة، كما كان عليه الوضع منذ عقود، ولذلك لا يشعر السعوديون بالقلق إزاء الحاجة الى حصة سوق نفطية امريكية لتأمين أنفسهم دبلوماسياً».
ويظهر التحول بعيداً عن الولايات المتحدة، تزايد أهمية الأسواق الآسيوية للمملكة العربية السعودية، ليست الصين فقط، ولكن أيضاً الهند وإندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية، وفى الوقت الذى انخفضت فيه الصادرات السعودية إلى الولايات المتحدة، قفزت مبيعاتها فى اليابان فى وقت سابق من العام الحالي، إلى أعلى مستوى فى 28 عاماً.