قبل أقل من ثلاث سنوات لم يكن لدى المملكة العربية السعودية وعمان والكويت أى ديون دولية ولم تكن تلك الاقتصادات بحاجة إلى الاقتراض فى أسواق رأس المال بسبب إيرادات البترول الذى كان يُتداول بما يقارب من 100 دولار للبرميل والذى كان كافيا لتجنب الاقتراض.
ولكن اليوم ومع وصول سعر البرميل لما يقرب من نصف ما كان عليه فالصورة أصبحت أكثر اختلافا وهو ما دفع دول الشرق الأوسط للاقتراض بمستويات قياسية فى عام 2017.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن السلطات المحلية فى الشرق الأوسط أصدرت سندات بما يقرب من 60 مليار دولار العام الجارى متجاوزة الرقم القياسى لعام 2016 بأكمله عند حوالى 42 مليار دولار.
وكانت المملكة العربية السعودية صاحبة أكبر سوق لإصدار السندات فى الأسواق الناشئة هذا العام حيث اقترضت 12.5 مليار دولار أواخر الشهر الماضى متفوقة على العديد من البلدان مثل عمان والكويت وأبوظبى والأردن والعراق والبحرين.
وأوضحت الصحيفة أن مبيعات السندات عززت وجود المنطقة بين مصدرى الديون فى الأسواق الناشئة.
ولكن زيادة الاقتراض فى منطقة الشرق الأوسط ليست مجرد قصة لهذه الاقتصادات التى تواجه المزيد من الضغوط فالانتعاش المعتدل فى أسعار البترول قد يخلق بيئة جيدة لإصدار السندات فى المنطقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن العائدات الأكبر من قطاع الطاقة تطمئن المستثمرين الذين يقرضون فى بعض الحالات لمدة 30 عاما فى وقت لم ترتفع فيه أسعار البترول بما فيه الكفاية، حيث يتداول خام برنت عند 56.50 دولار للبرميل مقارنة بأقل من 40 دولارا بداية العام الماضي.
وقال هانى ديبس، رئيس أسواق الدين لبنك «جى بى مورجان» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن الأموال التى تم جمعها من إصدار السندات كانت لأجل المساعدة على سد الفجوة المالية.
وأضاف أن هذه الأموال ستكون فى صورة استثمارات حتى تقوم الدول بدعم استراتيجيتها التى أصبح على رأسها التنوع بعيدا عن البترول.
وكانت قطر ضمن الغائبين البارزين فى سوق السندات حيث باعت 9 مليارات دولار العام الماضى لكنها بقيت على الهامش منذ أن قطعت دول المنطقة علاقاتها الدبلوماسية مع الدولة الغنية بالغاز فى يونيو الماضى.
ولكن على النقيض كانت السعودية ضمن الاقتصادات التى استغلت أسواق الدين هذا العام لخفض اعتمادها على البترول حيث أطلق ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، برنامجا للإصلاحات يعرف باسم «رؤية 2030» لتعزيز الاستثمار فى القطاع الخاص.
ورغم أن تعافى أسعار البترول دفع وزارة المالية إلى خفض العجز فى النصف الأول من عام 2017 إلى 19.4 مليار دولار إلا أن المملكة لا تزال بحاجة إلى جمع أموال إضافية لبدء عمل برنامج الإصلاحات.
وأوضح ريتشارد مالينسون، المحلل لدى شركة «إنيرجى أسبكتس» فى لندن أن اقتصادات المنطقة تحتاج إلى ضخ المال فى سوق السندات حيث سيؤدى فى نهاية المطاف إلى تعزيز القطاع غير النفطي.
واستغلت السعودية وأبوظبى سوق السندات لأجل 30 عاما وهى الديون التى ستخدمها إلى حد كبير عائدات البترول ولكن يمكن أيضا أن يتم استخدامها لإعادة تشكيل الأولويات الاقتصادية للمنطقة على مدى عقود.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تقوم فيه الحكومات أيضا بإصلاح الدعم الحكومى السخى بما فى ذلك الدعم المقدم للوقود التى كانت تستنزف الكثير من الأموال العامة.
وأشار المصرفيون والمستثمرون إلى أن تدفقات الأموال العالمية نحو أصول الأسواق الناشئة هذا العام ساعدت فى زيادة إصدار الديون.
قال تشارلز دى كينسوناس، وهو مستثمر فى شركة «إم آند جي» إن الشرق اﻷوسط كان واحدا من المناطق التى يبحث عنها الكثير من المستثمرين الآسيويين الراغبين فى الاسثمار فى سوق السندات خارج آسيا.
وبالنسبة للمستثمرين المعرضين لسندات وأسهم الأسواق المتقدمة، والتى لا تزال تتداول بالقرب من التقييمات القياسية العالية يمكن أن يكون العائد على ديون الشرق الأوسط جذابا جدا بالنسبة لهؤلاء المستثمرين.