تمثل تجربة دول مجلس التعاون الخليجى التجربة العربية الناجحة الوحيدة على مستوى التعاون الإقليمى بين الأشقاء، لكن التغير المناخى يهدد بمستقبل متشائم لثنائية الثروة والرفاهية التى يتمتع بها السكان.
ويظهر تأثير تغير المناخ فى العديد من الأشكال، بما فى ذلك زيادة فى متوسط درجة الحرارة المحيطة فى المنطقة مع انخفاض شديد فى هطول الأمطار من سنة إلى أخرى ومن عقد إلى آخر، وذلك بفعل الأنشطة البشرية.
وتولى منطقة الخليج العربى التغير المناخى أهمية كبيرة على عدة مستويات بفضل الوعى المتزايد لتأثير على العديد من القطاعات والأنظمة، مثل معالجة المياه المقطرة، والأمن الغذائى، والطاقة المتجددة، والصحة العامة.
ويعرض هذا الملف رؤية بحثية تقدم معلومات بصدد مراجعة ومناقشة تأثير تغير المناخ فى دول مجلس التعاون الخليجى لخدمة صناع القرار والسياسيين فى السلطة.
الوقود الرخيص وراء ارتفاع مخاطر البيئة الخليجية
نمط الحياة السيئ وراء نقص الأمطار وموجات الجفاف وارتفاع الحرارة
يسرى مزيد من الدفء فى شرايين العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة على سطح الأرض على نحو متساو مقارنة بأى عقد سابق منذ عام 1850 وفقا لبيانات التقييم الخامس الصادر عن الفريق الدولى المعنى بالتغيرات المناخية.
ويمثل الوقود الأحفورى الفحم والبترول والغاز أكثر من 85% من الاستهلاك العالمى للطاقة، ليكون المساهم بشكل كبير فى الزيادة التاريخية فى انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن الاستخدام البشرى، وبالتالى الزيادة الملحوظة فى متوسط درجة الحرارة العالمية.
ويدعو التقرير إلى تقييد الوصول المستقبلى إلى الطاقة القائمة على الوقود الأحفورى للحد من التغيرات المناخية، وصولاً بها إلى مستويات آمنة نسبياً والحفاظ على الزيادة فى متوسط درجات حرارة سطح الأرض أقل بكثير من درجتين مئويتين.
وتتصدر هذه الطموحات أهداف اتفاقية المناخ فى باريس التى دخلت حيز التنفيذ فى عام 2016 مع توقيع 197 دولة عليها.
وقد وقعت دول الخليج العربى جميعها على اتفاقية باريس كما صدقت جميعها باستثناء عمان على الاتفاقية، وقدمت تقارير أهداف وطنية محددة قبل مؤتمر حضره الأطراف الموقعة عليها فى باريس فى ديسمبر 2015.
ويشكل تغير المناخ تهديدات خطيرة لدول الخليج العربية بسبب أنماط استهلاك الطاقة والاعتماد على عائدات تصدير البترول والغاز، بالإضافة إلى البيئة الطبيعية الهشة.
ويزداد الطلب المحلى على السلع الأساسية الموجودة فى دول الخليج العربى، خاصة البترول مما يؤكد على أهمية إمدادات الطاقة لها حيث شجعت سهولة الوصول إلى الإمدادات عن طريق دعم أسعار الوقود، وانخفاض الضرائب على استخدام أنشطة كثيفة الاستخدام للموارد فى مجالات، مثل التصنيع وأعمال التحضر والنقل، الاستخدام غير المستدام للطاقة فى المنطقة.
فعلى سبيل المثال، شهد العقد الأول من هذا القرن نمو استهلاك الطاقة الإقليمى بمعدل 55% سنوياً، أى أسرع من أى منطقة أخرى فى العالم وعلاوة على ذلك يعد نصيب الفرد من استخدام الطاقة فى دول الخليج العربية من بين أعلى المعدلات فى العالم، وفى عام 2014 كانت ست دول منها تقع بين أكبر 15 دولة مستهلكة للطاقة فى العالم.
وارتبط الاستهلاك المحلى المتزايد لموارد الوقود الأحفورى فى دول الخليج بزيادة هائلة فى انبعاثات الكربون للفرد، وقد أفاد معهد الموارد العالمية أن نصيب الفرد من انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون فى دول الخليج كان الأعلى فى العالم فى عام 2014.
ويرجع ذلك جزئياً إلى عدد السكان الصغير فى الدول والمستويات العالية لاستهلاك الطاقة، فى عام 2014 حيث تصدرت قطر الترتيب الذى ينبعث منه 40 طن مترى للفرد تليها الكويت فى المرتبة الرابعة، والخامس فى البحرين، وثامن دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فى المرتبة العاشرة وعمان فى المرتبة 13.
الكويت نموذجاً.. تغير العادات شرط نجاح التصدى لمخاطر البيئة
%99 من المياه العذبة مصدرها محطات تحلية تعمل بالوقود الأحفورى
تعمل الكويت على بناء مدينة ذكية تخلو من السيارات الشخصية ويعتمد التنقل فيها على الحافلات وتراقب فيها حركة المياه بواسطة أجهزة استشعار ويتم تكييف المربعات السكنية بشكل كامل وليس فقط كل مبنى على حده.
وتثير خطة المدينة الذكية نقاشا حول تخطى عقبات مجتمعية وصولاً إلى حياة صديقة للبيئة، وتبلغ تكلفة هذه المدينة 4 مليارات دولار يبدأ تشغيلها العام المقبل وهذا يعنى تطبيق التكنولوجيا لجعل الحياة أسهل.
ويمنع سير السيارات مع الاعتماد على الحافلات وتوفير المزيد من الأماكن للمشى وأجهزة الاستشعار لمراقبة استهلاك المياه وتوفير تكنولوجيا إعادة استخدام المياه، بالإضافة إلى انظمة تكييف مركزى للكتل السكنية وليس بالمنزل.
ويعمل على بناء المشروع تحالف من كوريا الجنوبية والذى يستهدف توفير الحياة لنحو 40 ألف أسرة، لكن رغم كل ذلك هناك حاجة لتغيير الطريقة التى يعيش بها الناس، والطريقة التى يتنقلون بها.
فالدولة توفر المياه العذبة لمواطنيها من خلال تحلية المياه بنسبة 99% وهى عملية كثيفة الاستخدام للطاقة تعتمد فى الوقت الحالى اعتماداً كبيراً على البترول لتشغيل محطات التحلية.
وتغطى الخزانات الزرقاء والبيضاء المخططة مثل الحلوى على حد وصف صحيفة الجارديان البريطانية المنظر الترابى على طول الطرق السريعة الصحراوية، مما يعبر عن الحاجة الضرورية لهذه الطريقة لتلبية طلبات منطقة ذات أعلى استهلاك للمياه فى العالم، ومع ذلك، فإن المياه مدعومة بشدة من قبل الحكومة حيث يدفع المستهلك العادى نحو 0.8 دينار كويتى لكل ألف جالون من أصل تكلفة 10 دنانير.
وتتم محطات معالجة مياه الصرف من خلال شبكات تمتد للاحياء السكنية وذلك على مرحلتين قبل توجيهها لأغراض غير الشرب أو التصينع مثل رى الأشجار.
ولا يمكن للكويت الاستغناء عن هذه المحطات على الرغم من أنها لديها ثانى أكبر احتياطى للمياه فى مجلس التعاون الخليجى، لكنه يكفى لمدة 9 أيام من الاستهلاك الحالى و50 يوماً على أقصى تقدير من خلال خطة ترشيد للطوارئ وفى كلتا الحالتين من الواضح أن الدولة قد توجه أزمة وجودية فى عالم يحتاج إلى تعلم العيش بدون البترول الوقود الأساسى لمحطات التحلية.
صناديق الثروة السيادية تضمن التمويل المستدام للمشاريع الخضراء
مبادرة ست دول بترولية تضع 3 تريليونات دولار فى خدمة البيئة
تعتبر أربع دول خليجية فى مقدمتها السعودية، من بين الدول الست الكبرى المنتجة للبترول التى وضعت أسمائها فى ميثاق مناخى يهدف إلى تشجيع الاستثمار الأخضر ودفع النمو الاقتصادى منخفض الكربون.
وقد وضعت صناديق الثروة السيادية فى السعودية والإمارات والكويت وقطر، بالإضافة إلى النرويج ونيوزيلندا، والتى تبلغ قيمتها مجتمعة أكثر من 3 تريليونات دولار، إطاراً مشتركاً يهدف إلى تشجيع الشركات التى تستثمر فيها لمواجهة التحديات المناخية وإدماج السياسات البيئية فى خطط أعمالها المستقبلية.
ويقول الموقعون على هذا الميثاق، إن الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون سيساعد على خلق فرص استثمارية جديدة، ويمكن أن يساعد فى تمويل التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة.
ويرى لورانس يانوفيتش، منسق مجموعة العمل الخاصة بالصناديق السيادية الستة، أن هذه الدول ترى فائدة تجارية كبيرة على طول الطريق، لأنها تقول إنها تعتقد أن الاقتصاد منخفض الكربون هو المستقبل.
وجاء هذا التطور بناءً على مناقشات جرت خلال قمة المناخ فى باريس عندما وعد قادة العالم وصناديق الاستثمار وأقطاب الطاقة بتوجيه المزيد من الموارد نحو معالجة تغير المناخ.
ويعتبر هذا الميثاق رداً مباشراً على انسحاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من اتفاق باريس الموقع فى عام 2015 والذى حقق إجماعاً بين 200 دولة تقريباً حول هدف محدد هو خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى والحد من ظاهرة الاحترار العالمى.
وفى هذا الإطار قالت الصناديق، إنها تهدف إلى تبنى قرارات مستنيرة أفضل تحقق الانتقال السلس إلى اقتصاد أكثر قمعاً للانبعاثات الملوثة للبيئة.
ويمثل التعاون الدولى رافداً مهماً لدعم خطط دول الخليج للتخفيف من آثار التغير المناخى والانتقال نحو اقتصادات منخفضة الكربون من خلال تحقيق أهداف طموحة على غرار رؤية السعودية لعام 2030 بالاعتماد على الطاقة المتجددة فى البلاد للتخلص التدريجى من الوقود الأحفورى، وتخفيض انبعاثاتها السنوية بما يصل إلى 130 مليون طن، من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون.
وتأمل الرياض فى أن ثروتها السيادية بصندوق الاستثمار العام والذى يبلغ حجمه إلى 230 مليار دولار، ستوفر استدامة التمويل لخططها المستقبلية فى مجال الطاقة النظيفة.
وقد عززت الصناديق الإقليمية استثماراتها فى قطاع الطاقة المتجددة حيث أن مشاريع الطاقة الشمسية على وجه الخصوص تتسارع فى جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ورفع الصندوق السعودى حصته فى شركة أكوا باور التى نمت بسرعة لتصبح مطوراً رئيسياً لمشاريع الطاقة الشمسية العالمية.
وحققت السعودية أقل تعريفة تعاقدية للطاقة شمسية فى العالم لمشروع ساكاكا الكهروضوئى الذى تبلغ طاقته الإنتاجية 300 ميجاوات، وهو أول مشروع للطاقة الشمسية على نطاق خدمات المرافق فى البلاد.