“فولكس فاجن” و”كونتيننتال” تعلنان انخفاضاً كبيراً فى الطلب الصينى على السيارات وقطع الغيار
تعد المهارة التصديرية التى تمتاز بها ألمانيا، أمراً مثير للإعجاب، إلى الحد الذى قاد دولاً أخرى لتقليدها حتى فى سياساتها.
وعلى سبيل المثال، أقرت فرنسا مؤخراً إصلاحات متعلقة بالعمل مستوحاة من جارتها الشرقية، كما يحاول رجال السياسة البريطانيون نسخ نظام التدريب المهنى الخاص بألمانيا بشكل دورى، بالإضافة إلى أن الحكومات سواء البعيدة والقريبة، سعت إلى محاكاة الشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وساعدت براعة ألمانيا فى إنتاج السلع المرغوب فيها من قبل الاقتصادات الناشئة، خصوصاً الصين، في تعافيها سريعا من الأزمة المالية العالمية عام 2007-2008، بجانب تخفيف تأثير أزمة الديون السيادية التى ضربت منطقة اليورو بعد ذلك.
وقالت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية، إن ألمانيا تدفع الآن منطقة اليورو نحو التباطؤ الاقتصادى، إذ انكمش الاقتصاد فى الربع الثالث من 2018 وربما يكون قد سجل نمواً طفيفاً فى الربع الأخير من العام الماضى.
وسجل الناتج المحلى الإجمالى الألمانى نمواً نسبته 1.5% على مدار العام بأكمله، بانخفاض عن 2.2% فى عام 2017، كما أنه ينخفض عن المتوسط فى منطقة اليورو.
ومع ذلك، قد يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالى السنوى إلى نسبة تقل عن 1% فى النصف الثانى حتى دون هذه الاضطرابات المؤقته، وفقاً لما قاله هولغر شميدنغ، الخبير الاقتصادى لدى مصرف بيرنبرغ الاستثمارى المتعدد الجنسيات.
وقالت المجلة البريطانية، إن القطاعات المحلية والزيادات المخطط لها فى الإنفاق العام يجب أن تساعد ألمانيا على تجنب المعاناة من ركود اقتصادى واضح.
وثمة جانب آخر لنجاح التصدير، يتمثل فى قابلية التعرض للظروف الخارجية، فالصادرات تشكل نصف الناتج المحلى الإجمالى الألمانى، مقارنة بنسبة 12% فى الولايات المتحدة و30% فى بريطانيا، ولكن مخاطر زيادة الحمائية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى تدل على أن الشركات المصنعة تتوقع سنة أخرى ذات أداء ضعيف.
وبعد الانتعاشة المسجلة فى عام 2017، تسبب صافى الصادرات فى خفض الناتج المحلى الإجمالى عام 2018، الذى ربما يكون قد خفض الفائض الهائل فى الحساب الجارى الألمانى البالغ 8% من ناتجها المحلى الإجمالى.
وانخفض حجم الصادرات الألمانية المتجهة إلى بريطانيا وعدد من الاقتصادات الناشئة، فضلاً عن أن شهية الصين تجاه السلع الألمانية أصبحت أقل شراهة.
وفى الوقت نفسه، أفاد صانع السيارات الألمانى “فولكس فاجن” بانخفاض مبيعات سياراته فى الصين خلال النصف الثانى من العام الماضى 2018، كما أشار فولفجانج شافير، المدير المالى لشركة “كونتيننتال” لتوريد قطع غيار السيارات، إلى انخفاض غير مسبوق فى الطلب الصينى، بجانب تسبب اختبارات الانبعاثات الجديدة فى تراجع نمو الإيرادات فى صناعة السيارات.
وأشارت المجلة البريطانية، إلى أن السيارات وقطع غيارها وملحقاتها تشكل أكثر من 15% من الصادرات الألمانية، وكانت هناك خيبة أمل أخرى داخل البلاد، إذ تباطأ نمو إنفاق المستهلكين فى العام الماضى، مقارنة بعام 2016-2017، رغم الانخفاض الشديد فى معدلات الفائدة ووصول معدلات البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ إعادة توحيد ألمانيا وارتفاع النمو السنوى للأجور إلى مستوى قياسى- وفقاً للمعايير الألمانية- تبلغ نسبته 2.8%.
ويعتقد عدد من خبراء الاقتصاد، أن الأسر على استعداد لمواجهة الركود الاقتصادى، في حين يرى آخرون، أن السكان المسنين يستعدون للتقاعد، ولكن فى كلتا الحالتين من غير المرجح أن يدفع هؤلاء الأفراد النمو الاقتصادى للبلاد خلال العام الحالى.
ويبدو أن التباطؤ الصناعى فى ألمانيا سيستمر، إذ أظهرت الأرقام التى نشرت فى السابع من فبراير، انخفاض الإنتاج الصناعى فى ديسمبر الماضى.
ويتوقع المدير المالى فولفجانج شافير أن يعكس النصف الأول من العام الحالى، استمرار انخفاض الطلب الذى تم تسجيله فى النصف الثانى من 2018، كما يعتقد المحللون فى “دويتشه بنك”، أن بيانات يناير الماضى تتوافق مع انكماش الناتج المحلى الإجمالى فى الربع الأول.
وخفض كل من صندوق النقد الدولى ووزارة الاقتصاد والطاقة الألمانية، توقعاتهما لنمو الناتج المحلى الإجمالى للعام الحالى إلى نسبة تتراوح بين 1% و1.3%.
ويمكن أن يحدث الأسوأ من ذلك، فقد تعانى 3 من أكبر 5 أسواق تصديرية فى ألمانيا، وهى الولايات المتحدة والصين وبريطانيا، من تباطؤ حاد خلال العام الحالى، كما يمكن أن تشتد حدة التوترات التجارية.
وقال معهد الأبحاث الاقتصادية فى ميونخ، إن الناتج المحلى الإجمالى الألمانى قد ينخفض بنسبة 0.2%، فإذا نفذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تهديده بفرض تعريفات جمركية على واردات السيارات الأوروبية.
وقال عدد من المسئولين اﻷلمان، إن بعض التسكين الاقتصادى لا يمكن توقعه إلا فى العام العاشر من التوسع الاقتصادى، فقد أثارت التقارير الصادرة عن زيادة مدى الاستفادة من القدرات ونقص المهارات مخاوف من الحمائية الاقتصادية، رغم أن الضغوط السعرية تقع تحت الضغط.
وإذا كان الركود يلوح فى الأفق، فإن ألمانيا لديها مساحة كبيرة للتحفيز، فقد ساعد فائض الموازنة الخامس على التوالى الذي سجلته البلاد فى العام الماضى فى خفض الديون الحكومية إلى مستوى يقل عن 60% من الناتج المحلى الإجمالى.
ويلوح فى الأفق قلق أكبر خلف هذه الاعتبارات قصيرة الأجل، فقد تفقد ألمانيا ميزتها التنافسية، كما أن صندوق النقد الدولى يتوقع انكماش القوى العاملة بداية من عام 2020 رغم ارتفاع معدلات الهجرة في الفترة الأخيرة، هذا فضلاً عن أن النمو الضعيف للإنتاجية سوف يحد من إمكانات الاقتصاد.
وأعرب رجال الأعمال وخبراء الاقتصاد عن رغبتهم فى تحفيز الاستثمار، الذي كان يسجل مستويات ضعيفة بشكل مزمن، بجانب تحديث البنية التحتية العامة.
ووفقاً لاستراتيجية صناعية ألمانية لعام 2030 نُشرت فى 5 فبراير الحالى، أشار وزير الاقتصاد والطاقة الألمانى بيتر ألتماير إلى ضرورة كسب القوة الاقتصادية الألمانية، خاصة فى ظل تحول الصين من مستهلك إلى منافس.
وتشمل مقترحات تلك الاستراتيجية خفض أسعار الطاقة ودعم الصناعة وزيادة الاستثمار مع الحوافز الضريبية، أما الأمر الأكثر إثارة للجدل هو رغبة “ألتماير” فى تخفيف قواعد مكافحة الاحتكار وحماية المنشآت الوطنية من الاستحواذ الأجنبية ليتمكنوا من منافسة العملاقة الصينيين.