كان من المفترض أن تؤدى الصفقة النووية الإيرانية التى تم التوصل إليها عام 2015 إلى القضاء على إحدى أكبر القضايا الشائكة فى الشرق الأوسط من خلال الإطاحة بالطموحات النووية لإيران من على الطاولة ومنحها طريقًا لإعادة الاندماج مع الاقتصاد العالمى.
ولكن صحيفة «فاينانشيال تايمز» قالت إن الصفقة أصبحت مهددة بالانهيار فى الوقت الحالى وخاصة بعد عام من انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة حيث أعلن الرئيس الإيرانى حسن روحانى، أن بلاده ستتوقف عن الامتثال لأجزاء من الاتفاقية.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن إيران لم تر حتى الوقت الحالى ما يكفى من المنافع الاقتصادية التى كان من المفترض أن تأتى مقابل التخلى عن برنامجها النووى.
ويعتبر إعلان روحانى عدم الامتثال فى ذكرى الانسحاب الأمريكى من الصفقة رمزيًا لكن التدهور السريع للاقتصاد الإيرانى قضى على آمال تحقيق البلاد معدلات نمو كبيرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن اعتماد إيران المستمر على البترول لدعم الاقتصاد يعنى أن أرقام نموها كانت متقلبة منذ فترة طويلة لكن التقلبات منذ عام 2011 تأثرت بشكل مباشر بالتغيرات الدبلوماسية والمتمثلة فى فرض العقوبات قبل الاتفاق النووى ورفع القيود المتعلقة بالأسلحة النووية بعد الصفقة وإعادة تقديمها فى العام الماضى.
وحققت صفقة عام 2015 طفرة كبيرة فى إيران حيث تحول الاقتصاد من انكماش بنسبة %1.5 إلى تحقيق نمو يزيد على نسبة %12 فى 2016.
ولكن كان ذلك لفترة قصيرة الأجل فبحلول 2018 وهو العام الذى انسحبت فيه الولايات المتحدة من الصفقة وأعادت فرض العقوبات تقلص الاقتصاد بنحو %4.
ويتوقع صندوق النقد الدولى، أن ينكمش الاقتصاد الإيرانى بنسبة %6 فى العام الجارى بعد أن شعر الإيرانيون بآلام التضخم.
وكشفت البيانات أن العملة المحلية الإيرانية «الريال»، فقدت أكثر من %60 من قيمتها منذ العام الماضى تحسباً لانسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية.
ونتيجة لذلك، ارتفع التضخم فى نفس الفترة من رقم واحد إلى نسبة تلامس %50.
وقفزت أسعار المواد الغذائية بنسبة %85 ولذلك حاولت الحكومة منذ فترة طويلة التخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار على مواطنيها من خلال تقديم الإعانات على السلع الأساسية مثل الخبز لكن الضغوط ما زالت تتدفق.
ووفقًا لمنافذ البيع التى تديرها الدولة يتم بيع الخبز بثلاثة أضعاف السعر الرسمى الذى حددته الحكومة ويستهلك الإيرانيون الأطعمة والمنتجات الأجنبية من أجل التغلب على ارتفاع الأسعار.
يأتى ذلك فى الوقت الذى يتراجع فيه إنتاج البترول فبعد رفع العقوبات عادت صادرات الخام الإيرانية إلى مستوياتها التى شوهدت آخر مرة فى عام 2012 عندما كان البترول فى جميع أنحاء العالم يتم تداوله بأكثر من 100 دولار للبرميل.
وعلى الرغم من الاتجاه الصعودى لأسعار البترول العالمية وخاصة فى الأشهر الستة الماضية فقد انخفض الإنتاج الإيرانى منذ الربع الثانى من عام 2018.
وبحلول نهاية عام 2018 انخفض الإنتاج بحوالى 750 ألف برميل مقارنة بمعدلات إنتاج عام 2017 مع قلق المشترين من الحملة الأمريكية على إيران.
ويبدو أن الأوضاع تتفاقم ففى يوم 22 أبريل الماضى أعلنت الولايات المتحدة أنها ستنهى الإعفاءات التى منحتها للعديد من الدول بما فى ذلك الهند والصين واليابان بمواصلة الاستيراد من إيران.
يأتى ذلك فى الوقت الذى ترتفع فيه الديون الحكومية سريعًا وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه يسبق صفقة عام 2015 والانسحاب الأمريكى إلا أن الدين الحكومى الإيرانى يرتفع بثبات ويتوقع أن يصل إلى حوالى %17 من الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2020.
وذكرت «فاينانشيال تايمز» أن النفقات الكبيرة لأجل الحفاظ على الإعانات ومواصلة دفع الأجور للقطاع العام المتضخم جزء من المشكلة.
ومع ذلك، فقد تعمل بعض الخصوصيات الإيرانية لصالحها حيث أن أيديولوجية طهران المعادية للغرب وانعدام الثقة فى الرأسمالية تعنى أن البلاد لم تقترض أبدًا من البنوك أو الأسواق الأجنبية.
وكشفت البيانات أن إجمالى ديون طهران الخارجية تبلغ حوالى 10 مليارات دولار وهو مبلغ ضئيل لاقتصاد يبلغ حجم دورة رأسماله السنوية 400 مليار دولار.
وقد تساعد نقاط الضعف هذه فى سحب الاقتصاد من حافة الهاوية وخاصة أن انخفاض الدين الخارجى يعنى أن البلاد لن تقع فى فخ المدفوعات المتأخرة.
وتعتقد السلطات الإيرانية أن هذا المعدل المنخفض من الديون إلى جانب التجارة مع جيرانها سيساعد البلاد على تحمل المزيد من العقوبات.