بينما كانت الحكومة منهمكة فى تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أصدر وزير التعليم قراراً بتحديد ملكية الأجانب فى شركات المدارس بنحو 20% فقط، فى مثال على غياب الرؤية داخل نفس الحكومة فيما يتعلق بأحد الملفات الاقتصادية الحيوية.
ويطرح هذا المثال التساؤلات عن المسئولية الحقيقية عن جذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، وما إذا كانت مهمة شخص واحد فى الحكومة، أو مهمة بقية الجهات الحكومية.
وفى معظم السنوات العشر الماضية كان لدى مصر وزير ووزارة استثمار إضافة إلى هيئة الاستثمار، التى تعنى بجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إضافة إلى تسهيل عمل المستثمرين المحليين.
ومع ذلك ظلت حصيلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة ضعيفة لأسباب كثيرة ومتغيرة من بينها بيئة الأعمال التى عملت الحكومات المتتالية فى السنوات الثلاث الماضية على إدخال تحسينات كبيرة عليها.
وخلال تلك السنوات صدرت أكثر من نسخة لقانون الاستثمار، وتضمنت النسخة الأخيرة حوافز كبيرة وضمانات، ومع ذلك تقول الشركات والمستثمرون إن المشكلة لا تزال قائمة.
قال كريم إمام، رئيس لجنة الضرائب بالغرفة الفرنسية، إنَّ المشكلة تكمن فى عدم وجود هدف لدى الحكومة ترغب فى تحقيقه للاستثمار الأجنبى المباشر، وخطة واضحة ومحددة لتحقيق هذا الهدف.
وأضاف إمام أن الحكومة ينبغى أن تحدد أولاً ما الذى تريده، ثم تعمل على جذب المستثمرين تالياً لتحقيقه، على سبيل المثال، هل ترغب فى سد عجز داخلى من سلعة ما، أو التصدير، أو غيرها من الأهداف، وذلك من خلال المجموعة الاقتصادية.
واوضح ان الحكومة فى تحديد خطتها للاستثمارات الاجنبية المباشرة عليها تحديد الخبرات المطلوب جذبها فى تلك القطاعات بشكل يناسب تحقيق أهدافها.
وقال إن المستثمر الأجنبى ينظر إلى المجموعة من العوامل، من بينها العائد على الاستثمار، واعتبر أنه مرض لكثير من المستثمرين الأجانب، لكن هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية مثل سهولة دخول السوق والعمل فيه، وسهولة التخارج منه.
وذكر أن المستثمرين الأجانب لا ينظرون إلى حوافز واعفاءات ضريبية وإنما يطالبون بوضوح الرؤية الضريبية وثباتها بجانب السياسة الإدارية فى التعامل لتحديد التكلفة اﻻستثمارية وأعبائها خلال فترة تواجده بالسوق.
ومن جانبه طالب محمد أبوباشا نائب رئيس قطاع البحوث بالمجموعة المالية هيرميس بضرورة تشكيل مجموعة مصغرة اقتصادية داخل مجلس الوزراء تتولى تحسين بيئة اﻻعمال ومناخ اﻻستثمار مكونة من وزراء المالية والتجارة والصناعة والتخطيط والهيئة العامة للاستثمار.
واضاف ان الصندوق السيادى المصرى «ثراء» يمثل لاعبا جديدا للترويج للفرص اﻻستثمارية نتيجه التكليفات الموكلة إليه، اﻻمر الذى كانت تلعبه وزارة الاستثمار فى وقت سابق.
واشار «أبوباشا» إلى ان الصندوق السيادى بجانب دوره للترويج للفرص اﻻستثمارية فإنه يتولى ايضا اﻻستثمار بنفسه فى هذه الفرص وفقا لطبيعته.
وأوضح أن جذب استثمارات أجنبية تحتاج إلى متابعة مستمرة وفقاً للقطاعات التخطيطية المستهدفة.
واشار الى ان دولاً آسيوية كفيتنام وبنجلاديش تخصصت فى التكنولوجيا والملابس اﻻمر الذى جعلها من أكبر الدول فى تلك القطاعات بجانب المغرب المتخصص فى صناعة السيارات، وتعمل حاليا على زيادة نسب المكون المحلى لتلك السيارات.
«أبوباشا»: بيئة الأعمال ليست مسئولية وزارة بعينها ويجب تشكيل لجنة وزارية مصغرة لتحسينها
وأشار إلى أن بيئة اﻻستثمار ليست مسئولية وزارة بعينها وانما تعد أمرا متداخلا بين الوزارات كافة.
وقال «أبوباشا»، إن إعطاء المستثمرين اﻻجانب خصما ضريبيا من التكلفة اﻻستثمارية للمشروع يمثل احد حوافز جذب الاستثمار اذا إنه كلما زادت المبالغ المستثمرة زاد معدل الخصم وهذا أكثر عدالة من منحهم إعفاءات ضريبية.
واضاف ان معدل الضريبة فى مصر ليس مرتفعاً مقارنة بالأسواق الاخرى المجاورة الذى قد ترتفع عنها بالنسبة للسوق المصرى.
واشار الى ان تحسين بيئة اﻻعمال هو العامل المشجع على زيادة اﻻستثمارات الاجنبية عبر بيئة جمركية وضريبية واضحة علاوة على إجراءات منح التراخيص.
وطالب «أبوباشا» بضرورة العمل على تحسين البنية التحتية لدى الموانئ وآليات التعامل من خلالها وتسريع وتيرة إنهاء الإجراءات بداخلها.
وتعمل الحكومة حاليا على إصلاح الإجراءات الجمركية لتسريع وتيرة الإفراج الجمركى، حيث تصنف مصر فى مركز متأخر للغاية عالمياً فى هذا المجال.
وأقر قانون الاستثمار حزمة واسعة النطاق من الحوافز تشمل حوافز ضريبية وجمركية، وأقر التوسع فى تأسيس المناطق الحرة، ووضع حوافز كبيرة للاستثمار فى المناطق الاستثمارية الخاصة.
واقترح «أبوباشا» قيام الحكومة بمنح اراض بنظام حق اﻻنتفاع لصالح المستثمرين وبصفة خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة للتغلب على عملية ارتفاع تكلفة التسعير.
ويعد ملف الأراضى من الملفات التى فشلت الحكومات المتتالية فى التعامل معها حتى مع تدخل صندوق النقد الدولى فى الملف، بما فى ذلك سهولة الحصول عليها وشفافية التخصيص وغيرها من المسائل المرتبطة.
وقالت نرمين طاحون، الشريك المدير بمكتب طاحون للاستشارات القانونية والمحاماة إن المشكلة لم تكن قانون الاستثمار او عمليات تأسيس الشركات وانما المشكلة الاكبر تتعلق بالوزارات والقطاعات والهيئات والمحليات المتعاملة مع المستثمرين اﻻمر الذى يحتاج الى تطوير فى المرحلة المقبلة.
وطالبت «طاحون» بضرورة تعديل القوانين وبصفة خاصة الجهات المانحة للتراخيص اﻻستثمارية بشكل يضمن اتاحة بيئة تشريعية جيدة للمستثمرين.
كما طالبت بتثبيت السياسة الضريبية لتأثيرها على التنبؤات المستقبلية للاستثمار.
واضافت ان المنظومة الجمركية فى الوقت الراهن تمثل أحد معوقات الاستثمار نتيجة استغراقها وقتاً طويلاً فى إنهاء الاجراءات على جانبى عمليات الاستيراد والتصدير مما يمثل تخوفاً للمستثمرين حالة استثماراته بالسوق.
وذكرت أن الاهتمام بالعامل اللوجستى أحد محاور جذب اﻻستثمار بسبب تشعبها سواء من ناحية الموانئ أو عمليات نقل البضائع او اماكن تواجد المصانع علاوة على نقل العمالة، الأمر الذى يتطلب خلق منظومة لوجستية متكاملة.
كما طالبت «طاحون» بتوحيد السياسات واﻻسس داخل المجموعة الاقتصادية الوزارية حتى تعمل بشكل متكامل وليس على أساس فردى.
وقالت إن عدم الالتزام فى التعاقدات مع المستثمرين يخلق نوعاً من عدم الثقة ويؤثر بشكل سلبى على بيئة اﻻستثمار.
«طاحون»: أصلحنا هيئة الاستثمار ويتبقى الجهات الحكومية الأخرى
وقال أشرف العربى، وكيل اللجنة اﻻقتصادية بمجلس النواب إنه لا توجد سياسة استثمارية ورؤية واضحة للاستثمار فى مصر، الأمر الذى يتطلب خلق لجان وزارية تتواصل مع المستثمرين بشكل مستمر تعمل على انهاء المشكلات والعراقيل.
أضاف أن إنهاء مشكلات المستثمرين فى مصر يتطلب تدخلاً رئاسياً أو من مجلس الوزراء، وهو ما يتطلب بدوره وجود علاقات رفيعة المستوى، ما يثبط همة المستثمرين عن المجىء إلى السوق المصرى، ويتجهون بدلاً من ذلك إلى أسواق أخرى يستطيعون فيها التعامل بشكل أسهل.
وقال إن وجود القوانين مهم، لكن احترام سيادة القانون، أكثر أهمية لتحسين بيئة الاستثمار وعدم النظر إلى المكاسب المادية فقط.
واشار الى ان التصريحات الوزارية المستمرة منذ فترات طويلة عن تعديلات قوانين استثمارية كالضرائب يجعل المستثمرين فى حالة ترقب انتظاراً لصدور التشريع الجديد لقياس المترتب على عمليات التطبيق.
واضاف ان المستثمر الخارجى يرسل مجموعة من اﻻسئلة تمثل قائمة للاستقصاء حول السوق المصرى لكل من مستشارها القانونى والمالى ولكن نتيجة عدم وضوح الرؤية بالقانون يجعل المستثمر يلجأ إلى الهيئة العامة للاستثمار التى لا تستطيع عن اﻻجابة الكافية عن نقاطه المطروحة.
وقال «العربى»، إنه لا فائدة لعمل شباك واحد للمستثمرين دون تواجد المستثمرين الذين يقفون أمام هذا الشباك لإنهاء إجراءاتهم.
«العربى»: لا توجد رؤية واضحة للاستثمار فى مصر
وقال المحامى الدولى محمد طلعت، إن تعديل قانون واحد لن يجذب الاستثمارات، والأفضل هو تعديل كل القوانين التى تؤثر فى العملية الاستثمارية، والتى تظم عمل الجهات الأخرى التى تتعامل مع المستثمر أو الشركة فى الدولة.
واشار الى ان المستثمرين الاجانب يتعاملون مع قوانين عديدة وليس قانون اﻻستثمار فقط، كما أن النظرة الحالية للمستثمرين من الناحية التشريعية ليست كافية لحل مشكلاتهم.
وطالب «طلعت» بضرورة تدريب وتأهيل الموظفين القائمين على عملية الاستثمار على كيفية تطبيقه القانون وأهميته فى التيسير على المستثمرين.
كما طالب بضرورة وضع آليات أخرى ولجان تعمل جنبا إلى جنب اللجنة الوزارية المشكلة برئاسة رئيس مجلس الوزراء على تشجيع اﻻستثمار.
وشدد «طلعت»، على ضرورة توحيد جهة التعامل مع المستثمرين كالهيئة العامة للاستثمار يكون لديها كامل الصلاحيات فى اصدار جميع الموافقات والتراخيص الخاصة باﻻستثمار.
وقال «طلعت»، إن دور الهيئة العامة للاستثمار حاليا منحصر فى عمليات تأسيس الشركات والموافقة على الجمعيات العمومية وهذان الأمران يمثلان 1% فقط من اﻻستثمار، كما طالب طلعت بضم مكاتب الشهر العقارى الى تبعية الهيئة لضمان سرعة انجاز الإجراءات، ووجود نماذج واضحة وموحدة فى جميع مراحل التعامل مع المستثمرين بشفافية.
واضاف طلعت ان المدة ما بين تأسيس الشركة وممارسة نشاطها فعلياً يستغرق مدداً طويلة تصل فى بعض الحالات الى 6 أشهر.
وقال «طلعت»، «من أسوأ الحاجات اللى ممكن تحصل ان تصدر قانون الاستثمار وتروج له على ان يساهم فى حل المشكلات للمستثمرين ويجدون انه لا يضيف جديداً»، واصفاً إياه بانه مثل «وجود يافطة ممنوع اﻻنتظار وتركن تحتها».
قال محمد جبر، الشريك القانونى بمكتب التميمى ومشاركوه للمحاماة إن هناك مجموعة من العوامل التى تؤثر على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة منها التغييرات الجيوساسية والأحداث والتغيرات التى تشهدها المناطق المحيطة.
واضاف جبر أن مثل هذه العوامل تؤثر على غالبية القرارات الاستثمارية للشركات وليست لها علاقه بالأمور التشريعية.
وذكر أن المستثمرين الأجانب يفضلون التعامل داخل اسواق تتسم بالاستقرار والشفافية بجانب الحوكمة ومحاربة الفساد.
واضاف جبر أنه وفقاً لهذه المعطيات فإن قيمة الاستثمار الأجنبى لم ترتفع بشكل كبير يتناسب مع الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة.
وأشار جبر إلى وجود مشكلة هيكلية نتيجة تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى تتمثل فى تدهور القوى الشرائية لقطاع عريض من المستهلكين يمثلون الطبقة الوسطى الأمر الذى أثر على جانب الطلب وانخفاض معدلات الادخار.
واضاف أن تراجع الطلب الكلى أثر على مجموعة كبيرة من القطاعات ومنها السيارات والعقارى وبعض قطاعات تجارة التجزئة.
وأشار إلى أن عدداً كبيراً من الشركات المتعاملة داخل السوق قائمة على أساس الطلب المحلى وليس التصديرى الأمر الذى أثر على أداء عدد كبير من الشركات المدرجة بالبورصة.
وقال «جبر»، إنه على الرغم من تعافى الجنيه خلال الفترة الماضية بمعدل 16% فإنَّ المدخرات لا تزال متراجعة بنسبة 35% مما يؤثر على معدلات أداء الشركات المصرية وتجعل المستثمرين يأخذون بعض الوقت لدراسة الاستثمار بها باستثناء القطاعات الدفاعية المتمثلة فى الصحة والتعليم والمأكولات.
وتوقع جبر أن تبدأ معدلات الاستثمار الأجنبى المباشر فى التحسن مع زيادة قيمة الجنية بشكل أكبر بجانب تحسن القوى الشرائية عبر تحسن الأجور الأمر الذى قد يتم على المدى المتوسط وليس القصير.
وأشار إلى أن التشريعات الاستثمارية الحالية كافية لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لكن المشكلة كانت فى التطورات الاقتصادية.