تحاول الدولة جاهدة في القضاء على مشاكل الإسكان في مصر للطبقات المتوسطة والأقل من المتوسطة، حيث أن مشاريع الإسكان الاجتماعي والمتوسط أصبحت ملموسة وصولاً إلى دخول الدولة مع القطاع الخاص بتقديم منتج للطبقة فوق المتوسطة.
ودعمت الدولة أسعار الطاقة بصورة كبيرة وحاولت تشجيع المنتج المحلي، خاصة مواد البناء ومع ذلك ارتفعت أسعارها.
ويأتي سعر الحديد في مقدمة التكاليف المرتبطة بالبناء وبالتالي أسعار الوحدات؛ وفي هذه المقالة سأتعرض بعمومية عن محددات تغير سعر الحديد وكنت أنوي أن أتكلم عن أسباب ارتفاع سعر الأسمنت، ولكني لم أجد أي سبب واضح يفسر تتبعها لأسعار الحديد في الصعود المفاجئ رغم أزمة العقارات التي لم يشأ القدر أن تبدأ تستقيم من التعويم حتى أتت جائحة الكورونا.
تفقدت تعليقات رواد هذا المجال الفتره القليلة السابقة والمشترك بينهم هو ارتفاع سعر الحديد الخام عالمياً والخردة وتعويض حالة الركود، لم أجد هذه الأسباب منطقية وحاولت أن أغوص وراء أسباب ارتفاع سعر الحديد عالمياً وهل الزيادة ناتجة عن أسباب حقيقية ستستمر أم إنها مجرد ذوبعة فنجان.
فالحقيقة، أردت أيضاً أن استعرض هل حقاً المنتج المصري اضطر أن يرفع الأسعار أم أنه استغل هذا السبب في ارتفاع غير مبرر أو زائد عن ما يجب أن يكون عليه، كل هذا سيكون في متن المقالة من خلال السطور التالية.
عموماً عالمياً، يوجد 4 أسباب رئيسية تؤثر بالإيجاب على ارتفاع سعر الحديد وهي ارتفاع سعر الخامات وارتفاع حجم الطلب العالمي وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين.
بالطبع، الحديد من أهم عناصر الإنتاج التى تستخدم في البناء والسيارات والأجهزه المنزلية.. إلخ، وبناءً على أسعار العقود المستقبلية فنجد أنه ارتفع عن ديسمبر 2019 بنسبة 15%، بينما ارتفع في مصر بنسبة 24% وفي منتصف أزمة الكورونا مارس 2020 انخفض عن سعر 2019 بنسبة 11% بينما انخفض في مصر فقط بنسبة 4% فقط، كما هو موضح في الرسم البياني التالي، وكأن المنتج أو المستورد المصري بالأخص يريد ألا ييبع بالسعر الذي يبيع به العالم وقت الأزمات، ولكن يريد أن يستفيد أكثر من المستهلك وقت الزيادة.
والجدير بالذكر، أن الصين هي من أكبر مصنعى الحديد عالمياً بنسبة 57% يأتي بعدها الاتحاد الأوروبي بنسبة 5% ثم اليابان وأمريكا والهند وروسيا وكوريا الجنوبية.
وارتفاع سعر الحديد في العقود المستقبلية حدث بالفعل بعد ظهور لقاح للكورونا وزيادة مبيعات السيارات عالمياً والصين بالطبع شهدت نسبة نمو كبيرة في الاستحواذ على نسبة سوقية أكبر في مجال السيارات، ناهيك عن إعلان إدارة “بايدن” للإلغاء أو تخفيض الرسوم على الواردات الأمريكية من الصين ومن أهمها الحديد سواء للصناعات الأمريكية وشركة “بوينج” لصناعة الطيارات.. إلخ ولذلك حدث وزادت أسعار العقود المستقبلية.
ولكن من الناحية الأخرى، حقق هذا العام انكماش بنسبة 2.4% من الطلب العالمي للحديد طبقاً للتقرير الصادر من اتحاد الحديد الدولي (World Steel Association)، بالإضافة إلى افتراضية أن لقاح الكورونا سيعيد الحياة كما كانت أو أكثر (طبقاً للأسعار) غير واقعي وهو ما يجعل الزيادة مؤقتة وغير مربوطة على أسس قوية منطقياً.
أما بالنسبة للسوق المصري، فهناك 4 أنواع من الحديد المستورد وهي التركي والروسي والاسباني والأوكراني الذي يصنف بزهادة ثمنه وعلو كفاءته مقارنة بمنافسيه، ولكن المصانع المحلية تعمل بنصف كفاءتها وتنتج ما يقرب بـ 9 ملايين طن سنوياً فقط في حين أن الطاقة القصوى لها قد تصل إلى 13 مليون طن سنوياً.
ولا يوجد سبب منطقي لخفض القدرة الإنتاجية (حتى في ظل الكورونا) بعد الدعم الذي قدمته الحكومة ورسوم الإغراق، مما دعى الحكومة إلى خفض رسوم الإغراق على الحديد والبيليت في أكتوبر السابق، ولذلك إن استمر المنتج المصري على هذه الحالة أعتقد ستضطر الدولة أن تخفض رسوم الإغراق مرة أخرى أو ترفع الدعم على المنتج المحلي كما كان، وكنت أناشد الدولة أن تقدم مصنع حديد تمتلكه هي لمنع التحكم المشهود بالأسعار.
لن يتحمل هذا القطاع، وهنا أقصد قطاع التطوير العقاري أو حتى المقاولين الصغيرين- المزيد من الزيادة في تكلفة البناء والتشييد، ولن يتحمل بالتبعية المشتري أى زيادة أخرى في السعر.
في الحقيقة تعمل الدولة جاهدة على أن تشجع المنتجات المحلية والتصنيع المحلي بجميع صوره، وبالطبع إيجاد حلول لمشكلة الإسكان، ولكن هل المُصنع المصري يشجع نفسه ويعمل على نفس خطة الدولة؟ّ! أيجب أن تتدخل الدولة في جميع الصناعات، لكي تسيطر على الأسعار في مثل هذه الظروف؟ بماذا يجب أن نطالب الدولة، نطالبها بامتلاك وسائل الإنتاج أم ترك الفرص كاملة للقطاع الخاص ويحدث ما يحدث؟ جميعها أسئلة تحتاج لإجابة سريعة قبل أن تمس المواطن المصري بطريقة سلبية.
أحمد عزالدين
محلل مالي واقتصادي
[email protected]