صادرات بكين تقفز بنسبة 60% خلال الشهرين الماضيين
كان عام 2020 عاماً مليئاً بالعديد من المستويات القياسية بالنسبة لمراقبى الاقتصاد الصينى، بداية من إنتاج الصلب إلى الفائض التجارى لشهر ديسمبر، وكان من الصعب أحياناً تتبع كل تلك البيانات والسجلات.
وكانت واردات البترول الخام واحدة من المجالات المفضلة، فقد ارتفعت بنسبة 7.3% لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 542 مليون طن العام الماضى.
وتدفق البترول إلى البلاد فى ظل تكثيف شركات التكرير مشترياتها البترولية بعد انهيار الأسعار، لتحقق انتعاشاً سريعاً فى الصناعة، فى وقت ارتفعت فيه أسعار خام برنت فوق 70 دولاراً للبرميل هذا الأسبوع، وتحولت أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى سلبية لفترة وجيزة العام الماضى.
وكانت شهية الصين للبترول جزءاً من ظاهرة اقتصادية أكبر بكثير، فقد ارتفعت صادرات البلاد بشكل كبير؛ حيث قفزت بأكثر من 60% خلال الشهرين الماضيين، مقارنة بنسبة كانت منخفضة عندما تفشى الوباء للمرة الأولى العام الماضى.
كما أدى انتعاش الصادرات البترولية الذى انتشر فى العالم، بعد تباطؤ حالات الإصابة بفيروس «كورونا» إلى حد كبير فى منتصف عام 2020، إلى حدوث طفرة موازية فى الواردات، خاصة فى السلع الأساسية اللازمة لتزويد الآلة الصناعية فى الصين بالوقود، لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق من حيث القيمة الدولارية فى سبتمبر الماضى.
وحتى الآن، استمرت واردات البترول الخام فى الارتفاع، مضيفة 5.8% فى شهرى يناير وفبراير، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020، لكن مع وضع الطموحات الاستراتيجية للصين فى الاعتبار مع اجتماع كبار المسئولين فى البلاد فى بكين هذا الأسبوع، فإنَّ الأمر يستحق أيضاً مراقبة تجارتها فى المنتجات البترولية.
وبالإضافة إلى دورها فى الوقود مثل البنزين والوقود، يلعب البترول دورا مهماً فى تطوير البتروكيماويات التى تدخل فى المنتجات اليومية الأساسية مثل البلاستيك والبوليستر.
وفى الوقت الذى تواصل فيه الصين استيراد كميات هائلة من البترول الخام، ارتفعت صادراتها من المنتجات المشتقة من هذا الخام بنسبة 1.9% فى أول شهرين من عام 2021، كما انخفضت وارداتها من المنتجات البترولية بنسبة 19.4%، بحسب البيانات الجمركية الرسمية الصادرة مؤخراً.
ويأتى هذا التغيير فى البيانات بعد أن سمحت الحكومة الصينية فى بداية العام الماضى بتزويد السفن فى الموانئ الصينية بالوقود المنتج محلياً مع تقديم خصومات ضريبية، حسبما أشار أوشينا تشو، كبير المحللين فى مؤسسة «ستاندرد آند بورز جلوبال بلاتس».
وهناك إشارات تدل على وجود تحول طويل المدى، فقد كانت الصين مصدراً صافياً للمنتجات البترولية بحلول عام 2016، ثم أصبحت واحدة من أكبر 10 مصدرين للمنتجات البترولية المكررة فى العالم وذلك بحلول عام 2018؛ حيث وصلت الصادرات إلى مناطق بعيدة مثل أمريكا الجنوبية وأفريقيا، بحسب «ستاندرد آند بورز جلوبال بلاتس».
وفى الوقت نفسه، تعمل الصين أيضاً على تطوير مجمعات تكرير ضخمة، مثل مشروع تشجيانغ للبتروكيماويات الذى شُيد فى عام 2019، وشهدت الذراع المدرجة للشركة التى تمتلك مجمع رونغ شنغ للبتروكيماويات زيادة فى حصصها بنسبة 141% العام الماضى.
وتشير مثل هذه المشاريع إلى تحول فى طريقة تطور التجارة الصينية بمنتجات البترول، وليس البترول نفسه.
وقال نيل بيفريدج، محلل الطاقة لدى مكتب «سانفورد بيرنشتاين»: «أصبحت الصين أكبر شركة لتكرير البترول الخام وأصبحت الآن مُصدراً أكثر أهمية للمنتجات، وبشكل عام، يعد تصنيع المنتجات الكيماوية داخل البلد أكثر كفاءة، بدلاً من استيراد المواد الكيميائية عن طريق البحر».
ويرتبط هذا التحول، أيضاً، بدور المؤسسات الخاصة داخل الدولة، فقد هيمنت شركتا التكرير العملاقتان «سينوبك» و«بتروتشاينا» المدعومتان من الدولة على مر التاريخ، لكن هذا العام، وبالنظر إلى إطلاق مجمعات، مثل تشجيانغ للبتروكيماويات، رفعت الحكومة حصة واردات الخام غير الحكومية بنسبة 20%، كما تمكنت مصافى التكرير الخاصة من شراء الخام من الأسواق الدولية، وليس من نظيراتها المملوكة للدولة فى الصين.
وأوضحت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أن الولايات المتحدة صدرت فى ديسمبر فقط ما يصل إلى 7 ملايين برميل من المنتجات البترولية إلى الصين، وهذا أقل بكثير من 22 مليون برميل من البترول الخام فى الشهر ذاته، لكنها لا تزال كمية كبيرة.
ومن المتوقع أن يتحول الازدهار الصناعى فى الصين، فى بعض الأرباع السنوية، إلى انتعاش يقوده الاستهلاك بشكل أكبر خلال الأشهر المقبلة، وقد يكون لذلك تأثير على شهية البلاد للبترول الخام، خاصة إذا استمرت الأسعار فى الأسواق المحلية فى التعافى.
ولكن فى حين أن واردات البترول الخام تعكس نفس النمط الصناعى فى أعقاب استجابة البلاد للأزمة المالية العالمية فى عام 2008، فإنَّ أحجام المنتجات البترولية قد توضح المزيد عن التحول طويل الأجل فى النموذج الاقتصادى الصينى؛ حيث تسعى إلى الارتقاء فى سلسلة القيمة.
وقال محلل الطاقة بيفريدج: «إذا نظرت إلى تاريخ الصين فى الصناعات ذات رأس المال الكثيف والقيمة المضافة المنخفضة، سواء كان ذلك الصلب أو الأسمنت، فقد انتهى الأمر بالصين إلى السيطرة على تلك الصناعات»، مشيراً إلى أن التكرير والمواد الكيميائية صناعة لم يتم استغلالها بالكامل.